لأنها “زحمة يا دنيا زحمة… زحمة وتاهوا الحبايب”… نمضي، …
بحثا عن #عنوان_جديد لمكتوب جديد..
د. علي أحمد الرحامنة
قالت الأغنية التي غنّاها المطرب المصري الاول في الأغنية الشعبية أحمد عدوية قبل أكثر من أربعين عاما: “زحمة يا دنيا زحمة… زحمة وتاهوا الحبايب، زحمة ولا عادشِ رحمة، مُولد وصاحبه غايب…”. وعلى وقع كلماتها ولحنها، نسأل، ويحقّ لنا نحن #المواطنون الأردنيّون أن نتساءل عمّا صارت إليه أمورنا، وعن آفاق حركتنا، أفرادا وجماعات وقوى و #مؤسسات و #حكومات. وإن كنّا لا نتساءل، فإمّا لأننا نعرف #الإجابات سلفًا؛ كوننا حفظنا الدرس عاما بعد عام، وعقدا بعد عقد، وحكومة تلو حكومة، أو لأننا مرهقون متعبون “جرجرتنا” حاجات الحياة والركض وراء أساسياتها، حتى ما عدنا قادرين على الوقوف “في الصفّ” وطرح الأسئلة على مجموعة كبيرة من الأساتذة المؤتلفين المتّحدين، ومن مختلف التخصّصات. ولربّما اعتدنا أيضا، بغنى خبرتنا، أن نكتفي بعناوين المكاتيب، لنقرأها، وما أكثر المكاتيب، وما أكثر العناوين، وما أكثر ما نعرفه، فلمَ السؤال؟
من العناوين ما يتحدّث عن حالات انتحار مراهقين وشباب في عمر الورد، فنقرأ البقية… ومنها ما يقول إن مؤشرات الحرّيّات في بلدنا تتراجع لمصلحة الأمننة والعسكرة، فنعرف البقية، … ومنها ما يقول إن حراكات “ما قبل العرس الديمقراطي الجديد العتيد للديمقراطية” غير مبشّرة، وإن القوى المدنية تشرذمت قبل أن يبدأ السباق، وانشقّت قبل أن تتأسّس حتّى!، فنعرف الفاعل والمفاعيل، وحال البقية ليست أحسن، والقائمة طوية طويلة، … وحين يجيء دور الفقر والبطالة وسوء الإدارة، والغازات، وكل ما يُبتَكَر من أزمات، وما معها وإليها، فإن قائمة العناوين تمتدّ وصولا إلى تفاصيل تفاصيل حياتنا.
هي عناوين أحاديث البسطاء غرقى هموم الحياة، حتّى لو لم يصيغوها بشطارة. وهي التعليق المرفق مع كلّ ابتسامة ساخرة أو لحظة صمت أو آهٍ تكتفي بما أطلقها من جروح، أو خنجر مطعون وطاعن، وهي أيضا صارخة صادمة، حين تترافق مع سقوط من على جسر عبدون، أو طلقة مسدّس، أو حبل شنق الذات!
أمّا الحكومات، وما أصعب الحديث عن الحكومات، فلها أبوابها وفنونها التي يحار المرء في مقاربتها. أتبدأ بشخوصها وتسلسلاتها الوراثية والعشائرية؟ أم تجرؤ وتطرح “هيئاتها المستقلّة المفصّلة على قدّ معزّة بنت البابا أو ابن الماما”؟ وربّما تأخذك الصدفة إلى هذا العبء الإداريّ بجسم متضخّم النفقات، قليل الإنتاجية، متدنّي الكفاءة، فتسأل، وأنت تعرف الجواب: لماذا، ومن المسؤول؟
والحكومات لا تختلف كثيرا عن القوى السياسية والاجتماعية التي كنّا نتمنّى أن نراهن عليها كي تفكّر “خارج الصندوق”، فإذا بنا نجدها تنتقل من الصندوق إلى صندوق آخر، داخل الصندوق “الأصلي، البلدي”، أو خارجه، ولكن في صندوق أيضا. تجد منها اليساري الذي طلّق اليسار، وصار حكوميا أكثر من الحكومة، وعاد من الغنيمة بموقع وزير أو نائب أو عين أو غيره، دون حتّى أن يتذكّر ولو جزءا من المبادئ والشعارات حول العدالة الاجتماعية والحرية ودولة القانون والمؤسسات، ووو، …
وفي الاتجاه الإسلامي أو الإسلاموي، وشتّان بينهما، لا تزال تجد من لا يريد أن يقرّ بأن تجربة الإسلام السياسي من أقصى الوطن العربي إلى أقصاه قالت وتقول ما يُغني عن مئات المؤلفات… وحين تقول لهم: اسألوا سياسات أردوغان، يتلعثمون، … ولا أحد “يتشفّى هنا… ولكن الإقرار بحقائق الواقع، درس إلزاميّ في قيادة السيارة، قبل النزول إلى الشارع.
أمّا الاتجاه المحافظ، وابن عمّه، الاتجاه اليميني، فكأنما جاءت كل الصعوبات والأزمات والضوائق لتعطيه وقودا للحركة بقوّة أكبر وسرعة أخطر، مدعوما من أوساط “غير عقلانية”، وفي اتجاهات على طرقاتها منحدرات سحيقة تنذر بالويل، … هو يستقوي بـٍ “دوائر” عديدة، بينها، وليس كلّها، شحنات من العشائرية في وجهها السياسي التمزيقي والإقليميّ الضيّق، قصير النظر، وهو في الواقع اتجاه يعبّر عن حالة من العداء غير المبرّر ولا المقبول، لقيم الدولة المدنية الديمقراطية العادلة التي لا تفرّق أبدا بين مواطنيها، ونعم: من شتّى الأصول والمنابت، وبدون أدنى مواربة أو تردّد.
لم يفت الوقت على القوى الحيّة المدنية الأردنية الوطنية المتنورة المخلصة أن تدرك حجم المخاطر، وأن تعمل على توحيد قواها، وأن تؤدّي دورها، ولها بين الناس مستمعون كثر، ولكنها تحتاج إلى أن تتواصل معهم وأن تخاطب قلوبهم وعقولهم، من باب الدفاع عن مصالحهم أولا. ولكن، وقبل هذا وذك، عليها أن ترتّب أمورها، بالكثير من الجرأة والتضحية، والتنازل مع “أصدقاء الفكر والتوجّه العامّ”، وهذه تنازلات مشرّفة، لأن فيها ما يخدم قضية أكبر، والمستقبل سيكافئ الكرام المخلصين…
في خضمّ الانتخابات البرلمانية الفرنسية الأخيرة الي جرت قبل أسابيع قليلة، تمكّن القائد اليساري “جان لوك ميلانشون” من حشد تحالف هدّد ماكرون، بل ونجح في حرمان حزب ماكرون من نيل الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية الفرنسية (برلمان فرنسا)، ونجح ميلانشون في إنجاز هذا التحالف خلال شهر واحد، منه أسبوع واحد فقط للوصول إلى نتائج… فهلاّ تأملت قوانا الأردنية في هذا قليلا، وهلاّ تجاوزت ضيق خلافاتها، وشخصناتها، وقدّمت لنا ائتلافات وقوى وأحزابا، تجعل المواطن الأردني “يفتح المكتوب”، بعد أن يقرأ عنوانه؟!