بالأقلام نحارب الدخان / عاتكة زياد محمد الحصان

بالأقلام نحارب الدخان

يُعتبر التدخين من أكثر الظواهر السلبية انتشاراً في المجتمعات، خصوصاً بين فئة المراهقين والشباب، وهو ليس مقتصراً على الذكور دون الإناث، إذ كشفت الإحصائيات عن انتشار عادة تدخين السجائر والشيشة بين الفتيات بشكلٍ كبير، وأن هذه الإحصائيات قابلة للزيادة، خصوصاً في ظلّ الانفتاح غير المسبوق الذي بدأ يتعمّق في صُلب المجتمعات، مع انتشار تدخين الشيشة في المقاهي العامة، وهذا يُعدّ مؤشراً خطيراً، ودليلاً على أن المجتمع بات يعتبر التدخين شيئاً أقلّ من عادي، بل إنه أصبح بالنسبة للكثيرين فرصةً لإظهار انفتاحهم وتفاخرهم بنوع دُخانهم، متناسين الضرر العميق الذي يفرضه الدّخان على الصحة الجسمية والجنسية وحتى النفسية، وهذا ما لا يُحمدُ عُقباه، وعند دراسة هذه الظاهرة ومناقشتها مع العديد من شرائح المجتمع، تم طرح العديد من الأسئلة المتعلقة بالتدخين، والتي تهدف لإبراز أسباب هذه الظاهرة، ومن بين هذه الأسئلة: من الذي دفعك لتدخين أول سيجارة في حياتك؟
هل تعلم مدى خطورة التدخين على صحتك؟
كم مدخن في عائلتك؟
كم معدّل ما يستهلكه التدخين من مصروفك اليومي؟
كما تم توجيه الأسئلة إلى أكثر من طبيب للحديث عن الضرر الفعلي الذي يُسببه التدخين
وبعد توجيه هذه الأسئلة وغيرها إلى عددٍ من المدخنين، جاءت الأجوبة مختلفةً، فأحد المدخنين أجاب: كانت أول سيجارةٍ حصلت عليها في حياتي من علبة دخّان والدي، الذي كان يترك دُخانه أحياناً في أي مكانٍ في البيت، خصوصاً وقت نومه، وبعد أن أخذتُ أول سيجارةٍ وجربتها لأول مرة، وجدتُ الأمر ممتعاً، رغم أنني لم أستسغ طعمه في البداية، لكن فضولي دفعني إلى أن أجرّب أكثر من مرة، فوجدت نفسي في النهاية أرغب بالتدخين وكأن شيئاً في دمي ينقصه دًخان سيجارة.
أجاب مدخنٌ آخر عن أولى تجاربه مع التدخين، وهو شاب يبلغ من العمر واحدٌ وعشرون عاماً، ويقول بأن أول مرةٍ جرب التدخين كان في الصف الرابع الابتدائي، حيث كان لوالده شيشة في البيت يُدخن فيها في السهرات العائلية كل يوم، ويقول أن والده كان يُعطيه الشيشة أحياناً من باب المُزاح كي يُجربها ويقول لمن حوله من الأصدقاء والعائلة وهو يُمازحهم، أنظروا، لقد أصبح رجلاً، ويَحثّهُ على إخراج الدّخان من أنفه وقمه !، ويُضيف أنه أصبح يستغل غيبة والديه عن البيت ويُجهز الشيشة لنفسه حتى أصبح مدمناً عليها، ومن ثمّ تطور الأمر إلى تدخين السجائر ولأنها مُتاحة في كل وقت.
وقد لوحظ من خلال الأجوبة أنّ في كل عائلة يكون فيها مُدخنٌ واحد، يُصبح فيها مع الزمن عدداً أكبر من المدخنين، حيث يتعلّم الأبناء من والدهم، والأخوة من بعضهم البعض، وهكذا، وعند التوجه بالأسئلة إلى أكثر من مدخنٍ حول معرفتهم بالأضرار التي يُسببها الدخان لأجسامهم، تبين أن الغالبية العظمى منهم تنظر إلى التحذيرات الصحية التي تُطلقها جميع الجهات عن التدخين بأنها مجرد كلام ينطوي على مبالغاتٍ كثيرة، والبعض يتناولها من جانبٍ ساخر، والبعض الآخر أظهر عدم مبالاته بها، فيما تنظر فئة من المدخنين إلى أضرار الدخان بشكلٍ جاد، لكنهم رغم هذا يعتقدون بأنهم لا يستطيعون تركه أبداً، لأن أجسامهم أدمنت النيكوتين.
أشارّ عددٌ من الأشخاص المدخنين خصوصاً من فئة طلبة المدارس أنّ وجود الدكاكين التي تبيع السجائر منفردةً كانت مُعيناً لهم في الحصول على السجائر، إذ أن مصروفهم لا يسمح لهم بشراء علبة سجائر كاملة، لكنه يسمح لهم بشراء سيجارة واحدة أو اثنتين.
وبعد البحث والاستقصاء فيما يخصّ المدخنين، تبيّن أن السبب الأكبر في التدخين وخصوصاً بين طلبة المدارس والجامعات، هو غياب الوعي الذي من المفترض أن يزرعه الأهل في نفوس أبنائهم، بالإضافة إلى قلة توجيههم لأبنائهم، إذ من المفترض أن يغرس الآباء في أبنائهم أن التدخين من المهلكات، مع ضرورة التلويح بالعقاب المناسب في حالة لم يلتزموا بالامتناع عن التدخين، كأن يُقنن الأهل مصروف أبنائهم، ويمنعونهم من الخروج مع أصدقائهم المدخنين، وغير ذلك من التربوية التي تُعزز الرقابة، خصوصاً أن الإحصاءات تُشير إلى أن أكثر من 20% من المدخنين قد بدأوا قبل سن العاشرة.
عند توجيه السؤال لأحد أطباء الأسنان حول ما يسببه التدخين من ضررٍ للفم واللثة والأسنان، أوضح الطبيب: يؤثر التدخين بكافة أشكاله سواء كان تدخين السجائر أو الشيشة أو المدواخ على مظهر الأسنان الجمالي ويُسبب اصفرارها، كما يُحوّل لون اللثة إلى اللون الداكن، ويُسبب خروج رائحة أنفاس كريهةـ بالإضافة إلى أنه يُعجّل في ظهور التجاعيد حول الفم والشفاه.
أما عند سؤال أحد الأطباء العامّين عن مضارّ التدخين، أوضح أن المُعضلة الحقيقة في مكافحة التدخين أنّنا نفتقد القدوة الصحيحة التي تًشجّع المدخنين على الإقلاع عنه، إذ أنّ ما نسبته 44% ممن يعملون في المهن الطبية في الأردن هم من فئة المدخنين، و34% من أطباء الأردن هم من المدخنين، كما أن منع التدخين في الأماكن العامة غير مُفعّل بالشكل الصحيح، بما فيها المستشفيات والعيادات الطبية، وتُشير الدراسات الطبية إلى أنّ التدخين هو المسبب الأول والرئيسي للسرطان، خصوصاً سرطان الرئة، وسرطان المريء، وسرطان الحنجرة، وسرطان الغدد الليمفاوية، ويُعدّ التدخين سبباً غير مباشرٍ للوفيات، لأنه مسبب رئيسي للسرطان، ويحتلّ السرطان المرتبة الثانية في مسببات الموت بعد أمراض القلب والشرايين، التي يُعدّ التدخين أيضاً من أهم مسبباتها.
يقول أحد أطباء الذين تم توجيه الأسئلة لهم: إنّ التدخين غير بريء من تفاقم الوضع السّيئ لمرضى السكري أيضاً، كما أنه يُسبب العجز الجنسي، ويزيد من حدة نوبات الربو، ويُعدُّ سبباً رئيسياً للعديد من الأمراض، وتكمن المشكلة الحقيقة أن المُدخّن يتسبب بالأذى لغيره من غير المُدخنين، إذ أنّ التدخين يُمثلُ تعدياً صارخاً على صحة الآخرين الذي يتواجدون في الأماكن التي يوجد فيها شخص يُدخّن، فيضطرون لاستنشاق الأبخرة السامة رغماً عنهم، سواء في المواصلات العامة أو في مكاتب العمل، أو في المنزل، أو في الجامعات.

وفي سؤالٍ مُوجّه حول السجائر الإلكترونية، وما إن كانت حقاً أخف ضرراً من السجائر العادية والشيشة، أجاب الطبيب: بعكس الاعتقاد الشائع عن السجائر الإلكترونية، فإنها تُسبب أضراراً مُضاعفة للرئة والجهاز المناعي، إذ أظهرت الدراسات التي أُجريت عليها أنها تحتوي على مواد كيميائية ذات جذور حرّة، تتفاعل بشدة مع الحمض النووي وتُسبب موت الخلية.

وفي عرضٍ للأدلة التي تُثبت أنّ للتدخين علاقة مباشرة للسرطان، وخصوصاً سرطان الرئة، أن سرطان الرئة يُعتبر مرضاً نادراً جداً بين الأشخاص غير المدخنين، كما لاحظ الأطباء من خلال التشخيص أن نسبة الإصابة تزداد وتتفاقم بزيادة عدد السجائر المستهلكة، وتنقص في حال تم الإقلاع عن التدخين.
من خلال العديد من الأسئلة، تم الخروج بتوصياتٍ عدة لأجل محاربة التدخين، وأهمها إحكام المراقبة على بائعي السجائر بالتجزئة، خصوصاً الذين يستهدفون طلبة المدارس، ورفع أسعار السجائر والشيشة وكل ما يتعلق من منتجات التبغ، وزيادة الضرائب عليها، وتجريم المدخنين في الأماكن العامة وإلزامهم بدفع غراماتٍ مالية، وتفعيل إقامة مراكز لمعالجة إدمان التبغ بالطرق الصحيحة، مع تكثيف الحملات الإعلانية والتّوعوية بمخاطر التدخين، وتشجيع المدخنين على ترك الدّخان وتقديم الدّعم المعنوي لهم، فالدراسات الكثيرة تؤكد أن لنمط الحياة تأثير كبير على قدرة الفرد على ترك التدخين، بالإضافة إلى أنّ بعض الأطعمة تُساعد في التخفيف من أعراض الانسحاب من النيكوتين مثل الموز، والشوكولاتة.

عزيزي المدخن، قرار التوقف عن التدخين بيدك أنت، فبادر به فوراً، وكُن قدر المسؤولية التي أناطك الله بها، وصُن الأمانة، وحافظ على جسمك وصحتك.

* تحقيق صحفي

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى