باصرة… هند…تركس…بوكر
عندما كنتُ يافعاً، اعتدت أن ألعب “الشدّة” من باب التسلية و الترفيه لا من باب المقامرة و الشغف! و قد أجدت الكثير من ضروبها، و ألوانها، و وفنونها، و حيلها و ألاعيبها حتّى غدوت فارساً لا يُشقّ له غُبار في ذلك المضمار!!!
و لكنّني اعتزلت لعب الشدّة قبل ربع قرن لمّا رأيت الأخ يقتتل مع أخيه و ابن العم مع أبناء عمومته؛ كيف لا و نحن العرب قد سطّرنا أعظم ملحمة في التناحر و الاقتتال بسبب سباق “جحشين” شقّ أحدهما غبار الآخر؛ فثار غبار النقع و تقاتل أبناء العمومة زهاء قرنٍ من الزمان!
أجل لقد اعتزلت لعب الشدّة في ملاعبها و على طاولاتها و “حراماتها”، لكنّني تعلّمت الكثير منها في فهم و إدراك مكنون الحياة، و أدواتها و دهاليزها! فالحياة يا سادة سياسياً، و اجتماعياً و اقتصادياً تشبه إلى حدٍّ كبير أوراق لعبة شدّة بحيث يلعب كلّ شخصٍ أو جماعة بطريقته و يمارس فيها أساليب اللعب ذاتها: فمن الناس من يحيا و في قوانين لعبة الباصرة؛ و منهم من يعيش حسب قوانين الطرنيب؛ و منهم من يُجيدها بطريقة البوكر و منهم من هو أحمق لا يستطيع التمييز بين القص و الشايب، و هكذا دواليك! و في النهاية يكون هناك الرابح و الخاسر؛ و تتطاير الأوراق و ربّما يكون لدينا الفرصة لخوض لعبة جديدة!
فعلى المستوى الخارجي، فقد روى لي أحد الأصدقاء كيف كانت البعثة الدبلوماسية الصهيونية في واشنطن كخلية نحل إبان محادثات السلام في آوسلو في تواصل حثيث مع صنّاع القرار هناك و اللعب بجميع الأوراق من الولد إلى الجوكر للحصول على دعم الكونجرس و الشيوخ في لعبتهم التفاوضية ضد العرب حتّى “طعمونا شايب الكبّة” و جميع اللطوش و لربّما إستمتع بعض مفاوضيناحينها ب “البنات الأربعة” بمفاهيم لعبة التركس و قبيلاتها!
في ذات الوقت كانت بعض البعثات الدبلوماسية العربية منهمكة في لعب “الهند” يعني “مهندين”؛ و لم يكونوا كما قال كعب في مدح الرسول عليه السلام “مُهَنّدٌ بسيوف الله مسلول” … بل كان بعضهم “مهنِّدٌ بكاس الشرب مسطول” 🙁
و على المستوى الداخلي، فقد دأبت بعض الحكومات على استخدام “القشّاش” لقش و “لهط” أموال الشعوب، و إطعامهم جميع “اللطوش” بعد أن لطشوا مئات الملايين و حصلوا على “كبّوت” كامل أودعوه في حسابات سويسرا!
في حين تقوم الشعوب “بالطق” على كل الألوان و بجميع الأصوات و الحكومات “امديحة طخ” بلا مبالاة! و يبدو أنّ مثل تلك الحكومات نسَت أو تناست أنّ الكثير من أفراد شعوبها يجيدون لعبة البوووووووكرررر؛ و أنّ صمتهم هذا هو مجرّد مراقبة لهدوء يسبق العاصفة؛ فهم “لابدين على غش على ثلاثة قص” Three Aces…. 🙂
و الحياة كَررررر و فَررررر 🙂 و ما حقيقةٌ كخبر… و العاقل مَن اتّعظ و اعتبر…و دونكم مبارك، و بشّار و زين العابدين الذي فر… و إلى الله المنتهى و المستقر! و الله أعلمُ و أحكم…