انسانية حشرة

انسانية حشرة / قصة رمزية
بسام الياسين

((( المدير التنفيذي لبرنامج الاغذية في هيئة الامم المتحدة :ـ العالم يتجه إلى أزمة جوع غير مسبوقة،ويتوقع وفاة أكثر من 135 مليون شخص بسبب الجوع خلال العام الجاري ))).

*** عادت الناموسة الصغيرة، الى وكرها بعد اول «غزوة» لجسد انسان، في محاولة أولى لعملية «سحب دم» تقوم بها . كانت علامات الدهشة والشفقة تكسو ملامحها الدقيقة، واضطراب واضح يهز خرطومها ، وحين التقطت انفاسها، سألتها والدتها الهرمة، بقلق عن سبب حيرتها. فحشرجت بالكلام، وبدأت تسرد تفاصيل مغامرتها وقالت :ـ ما كنت اظن ان حياة البشر بهذا البؤس، ووحشيتهم بلغت من السوء ان يأكلوا قوت بعضهم ، ويحرموا الفقراء ابسط حقوقهم،بحرمانهم حقهم في الغذاء.من سنن الحياة، لكي ابقى أنا الناموسة على قيد الحياة ، يجب ان اغرس خرطومي في جسد احدهم، واسحب قطرة من دمة، ليسير الدم في عروقي وضد ناموس الكون ان اسحب دمه واتركه بين الموت والحياة ،

اواصلت الناموسة حديثها لوادتها :ـ المفارقة ان الانسان يسحب دم اخيه الانسان دونما حاجة اليه، بل ليضعه في رصيده.لا خلاف ان الحياة قائمة منذ الازل على الصراع، ودورة الحياة تقتضي الكفاح من اجل البقاء بشرط ان لا يصل للقتل. ما جرى معي في رحلتي الاولى لم يرد مثله في حكايات «كليلة ودمنة» ، فقد حلقتُ في اجواء المنطقة المستهدفة المجاورة لنا،بسبب قلة النظافة والتعقيم ، وقمت بجولة استكشاف للبحث عن هدف سهل يتناسب وامكانياتي المحدودة، فوجدته في الاحياء الشعبية القريبة جداً.البيت مهلهل البنيان، مخلّع النوافذ، فاستجمعت شجاعتي، ودخلت بسهولة. المفاجأة، كانت الغرفة رطبة مقفرة ، جدرانها متآكلة ، فقيرة الاثاث، هي اقرب ما تكون الى زنازين سجون العالم الثالث، خالية من تقنيات العصر، الا من «لمبة» هزيلة تتدلى من سقف آيل للسقوط، اما النزلاء فكانوا مجموعة من الصغار، يفترشون الارض، متراصين الى بعضهم خشية البرد، وسعيا للدفء.هم اقرب الى الهياكل منهم الى نضارة الاطفال.

مقالات ذات صلة

للوهلة الاولى،ظننت انهم «مومياءات» فرعونية، اكتشفها خبير اثري ايطالي. وجوه صفراء، جلود مشدودة الى العظام،عيون غائرة في محاجرها. كان الهدف سهلاً ومكشوفاً .قمت بالاغارة على الطفل الأقرب الى النافذة لتامين الانسحاب و حتى لا أعود خالية الوفاض ، لكنني اصطدمت بجلده القاسي، ولم افلح في اختراقه، رغم محاولاتي المتكررة، فوقع اختياري على الرضيع الطري، فغرست خرطومي في ساعده ولكنني عبثاً حاولت امتصاص قطرة، فتركته لانه على ما يبدو مصاب بفقر دم . على الفور غادرت المنطقة الشعبية، الى احدى الضواحي الراقية،الى ان وصلت فيلا تتلألأ بالانوار، محكمة الاسوار.

رغم خطورة المغامرة قررت اقتحامها.تجاوزت كاميرات الرصد، واجهزة الانذار والمصائد الحشرية لمواجهة امثالي، الا انني استطعت النفاذ من غرفة الخدم المفتوحة النوافذ،تسللت منها الى غرفة نوم فارهة، وقمت بالاغارة على كتلة بشرية دسمة، بطنه منتفخ الاوداج،متهدل الكرش،مترهل الارداف. كانت دهشتي كبيرة، لوفرة كمية الدم، وجلده الحريري الناعم. …بسهولة شفطت ما ارغب من ” إليته المربربة “، لأنه كان نائما على بطنه، مثل جُمْلةٍ بذيئة ، في سطر أعوج.

شعرت من تقلصات عضلاته واسترخائه انه استمتع بخرطومي المغروس فيه، فقلت في نفسي ـ لله في خلقه شؤون ـ، ثم عدت ادراجي في رحلة العودة الى غرفة الاطفال الفقراء.قمت على الفور بحقن دم الموسر في جسد الرضيع الذي اثار شفقتي، وانطلقت الى وكري مرتاحة الضمير… منذ تلك الليلة اتخذت قراراً بتشكيل سرب من الناموس، لبناء جسر جوي لنقل الدماء من الاحياء المتخمة بالبطر ، الى البؤر المنكوبة بالفقر لخلق حالة من العدالة الاجتماعية والامن الغذائي المفقودين في المجتمع العربي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى