الْبُيُوتُ أَخْبَارٌ 

الْبُيُوتُ أَخْبَارٌ 

الْكَاتِبَةُ :- هِبَةُ أَحْمَدَ الْحَجَّاجِ 

إِنَّهَا السَّاعَةُ السَّابِعَةُ صَبَاحًا بِتَوْقِيتِ الْأُرْدُنِّ ، وَبِتَوْقِيتِي أَنَا وَلِلْأَسَفِ إِنَّهُ يَوْمَ إِجَازَتِي ،  كَيْفَ يَحْصُلُ ذَلِكَ ! مَا هَذَا ؟! اسْتَيْقَظَ السَّاعَةَ السَّابِعَةَ صَبَاحًا فِي يَوْمِ الْإِجَازَةِ ،  وَاَللَّهُ أَكَادُ أَجْزَمُ أَنَّنِي مِنْ سَابِعِ الْمُسْتَحِيلَاتِ أَنْ أَفْعَلَهَا فِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ عَمَلِي ، أَصْبَحَتْ أَنْدَبُ حَظِّي عَلَى الَّذِي حَصَلَ .

وَبَيْنَمَا أَنَا أُعَاتِبُ نَفْسِي وَ أَتَذَمَّرُ ، شَاهَدْتُ مَنْظَرَ إِزْدِحَامِ الْغُيُومِ فِي السَّمَاءِ أَذْكُرُ مَرَّةً سَمِعْتُ مِنْ زَمِيلٍ لِي يَعْمَلُ فِي نَشْرَةِ الطَّقْسِ الْجَوِّيَّةِ أَنَّ الْغُيُومَ الْكَثِيرَةَ فِي السَّمَاءِ ، تَعْنِي أَنّهُ سَيَكُونُ هُنَاكَ أَمْطَارٌ ، وَإِذَا وُجِدَتْ غَيْمَةٌ بُرْتُقَالِيّةٌ فِي الصَّبَاحِ ، فَهَذَا يَعْنِي أَنَّهَا سَتُمْطِرُ الْيَوْمَ وَبِالْفِعْلِ كَانَتْ مَوْجُودَةً ، وَاَلَّذِي يَتَسَائَلُ  إِذَا ظَهَرَتْ عِنْدَ الْغُرُوبِ ، فَهَذَا يَعْنِي أَنّ الطَّقْسَ سَيَكُونُ جَيّدًاً جِدّاً فِي الْيَوْمِ التَّالِي.

وَبِمَا أَنَّنِي مِنْ عُشَّاقِ فَصْلِ الشِّتَاءِ وَطُقُوسِهِ،  قَرَّرْتُ أَنْ أَقُومَ بِتَحْضِيرِ كُوبٍ مِنْ النُّسْكَافِيَّةِ السَّاخِنَةِ وَ الْجُلُوسِ عَلَى شُرْفَةِ الْمَنْزِلِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِالْأَجْوَاءِ الشَّتْوِيَّةِ .

وَبِالْفِعْلِ قُمْتُ بِتَحْضِيرِ كُوبٍ مِنَ النُّسْكَافِيَّةِ وَجَلَسْتُ اسْتَمْتَعَ بِالْأَجْوَاءِ الشَّتْوِيَّةِ الَّتِي بَدَأَتْ تُدَاعِبُ قُلُوبَنَا بِرْقَةَ وَحَنِيّةٍ وَاشْتِيَاقٍ.

وَأَنَا كَذَلِكَ رَأَيْتُ جَارِيَ يَتَمَشَّى فِي الْأَرْجَاءِ ، فَعَزَمْتُهُ لِلْجُلُوسِ مَعِي بِرُفْقَةِ كُوبٍ مِنْ النُّسْكَافِيَّةِ وَأَجَابَنِي عَلَى الْفَوْرِ .

جَلَسْنَا نَتَبَادَلُ أَطْرَافَ الْحَدِيثِ ، ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى هَذِهِ الْبُيُوتِ وَالنَّوَافِذِ وَقُلْتُ لَهُ : اُنْظُرْ  كَيْفَ أَنَّ أَبْوَابَ هَذِهِ الْبُيُوتِ مُغْلَقُهُ بِإِحْكَامٍ وَكَيْفَ هِيَ نَوَافِذُهَا مُغَطَّاةٌ وَكَأَنَّهَا أَشْرِعَةُ سَفِينِهِ لَا يَسْتَطِيعُ الْهَوَاءَ وَلَا حَتَّى الضَّوْءِ اخْتَارَقَهَا !

بِالْفِعْلِ كُلُّ بَيْتٍ لَهُ حِكَايَةٌ وَ صِدَقَ مَنْ قَالَ : ” الْبُيُوتُ أَسْرَارٌ لَا يَعْلَمُهَا  إِلَّا  اللَّهُ ثُمَّ أَصْحَابُهَا ” .

نَظَرَ إِلَيَّ جَارِي نَظْرَةٍ يَمْلَؤُهَا الدَّهْشَةُ مَمْزُوجَةً بِالسُّخْرِيَةِ قَائِلًا  :- أَنْتَ يَا جَارِي لَا تُوَاكِبُ الْعَصْرَ وَتَحْدِيدًا ” مَوَاقِعَ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ ” ..

قُلْتُ لَهُ مُتَعَجِّبًا :- وَلِمَاذَا ؟!

رَدٌّ بِكُلِّ سُخْرِيَةٍ :- لِأَنَّكَ تَقُولُ الْبُيُوتُ أَسْرَارٌ وَهِيَ عَكْسُ ذَلِكَ تَمَامًا بَلْ هِيَ أَخْبَارٌ .

قُلْتُ مُتَعَجِّبًا :- كَيْفَ أَخْبَارٌ !! أَنَا لَا أَتَّفِقُ مَعَكَ بِذَلِكَ إِطْلَاقًاً ،  لَا أَحَدَ يَطْلِعُ الْآخَرُ عَلَى أَسْرَارِ بَيْتِهِ وَأَنْتَ تَقُولُ أَخْبَارٌ ، كَيْفَ ذَلِكَ!!

رَدَّ بِكُلِّ هُدُوءٍ وَثِقَةٍ :- سَنَعْلِبُ أَنَا وَأَنْتَ لُعْبَةٌ مَا رَأْيُكَ ؟ أَنْتَ تَقُومُ بِاخْتِيَارِ الْبَيْتِ ، وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَسْرَارُهُ ،  لَيْسَ لِأَخْبَارِكَ أَوْ أُشَارِكُكَ مَعْلُومَاتِهِمْ ، بَلْ فَقَطْ لِتَتَأَكَّدَ بِنَفْسِكَ .

بِالْفِعْلِ وَافَقَتْ مُتَحَدِّيًا لَهُ  ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ :- حَسَنًا ، هَذَا الْبَيْتُ الَّذِي لَوَّنَ بَابَهِ مُغَطًّى بِاللَّوْنِ الْأَزْرَقِ ؟

قَالَ :- صَاحِبُ هَذَا الْبَيْتِ قَامَ بِفَتْحِ بَثٍ عَلَى مَوْقِعِ التِّيكِ تَوكْ وَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ قَدْ رُفِضَ مِنْ الْعَمَلِ ، عَلَى مَا أَتَذَكَّرُ قَالَ أَنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ بِالْمَحَلِّ الْفُلَانِيِّ وَكَانَ يَتَقَاضَى بِالشَّهْرِ مَبْلَغَ حَوَالَيْ  500_600  بِهَذَا الْقَدْرِ ، وَبَعْدَ ذَلِكَ شَعْرٌ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَ أَنَّ صَاحِبَ الْعَمَلِ لَا يَسْتَحِقُّ جَهْدَهُ وَلَا يَسْتَاهِلُهُ ، فَأَصْبَحَ كَارِهًاً لِعَمَلِهِ وَطَلَبَ رَفْعِ الرَّاتِبِ ، فَرَفَضَ صَاحِبُ الْعَمَلِ، فَأَصْبَحَ بِلَا عَمَلٍ .

فَقُلْتُ لَهُ مُتَسَائِلًا :- كَانَ يَعْمَلُ ؟ أَمَّا الْآنَ فَهُوَ بِلَا عَمَلٍ !

فَاجَأَبْنِي:- نَعَمْ صَحِيحٌ ، الْآنَ هُوَ بِلَا عَمَلٍ لِلْأَسَفِ. 

قُلْتُ : حَسَنًا وَهَذَا الْبَيْتُ ؟ نَافِذَتُهُ مُغَطَّاةٌ بِغِطَاةٍ مُشْجَرٍ بِاللَّوْنِ الْأَزْرَقِ وَالْأَبْيَضِ ؟ 

كَانَ مُبْتَسِمًا ابْتِسَامَةً غَرِيبَةَ الْمَلَامِحِ  قَائِلًا:- هَذِهِ الْمَرْأَةُ غَرِيبَةُ الْأَطْوَارِ ،  قَامَتْ بِنَشْرِ قِصَصٍ عَلَى بَرْنَامَجِ سِنَابْ شَاتٍ تَتَحَدَّثُ لِمُتَابِعِيهَا وَمُتَابِعِينَ مُتَابِعِيهَا وَهَكَذَا ، أَنَّهَا إِمْرَأَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ عِنْدَمَا جَاءَهَا مَوْلُودٌ لَمْ يُقَدَّمْ لَهَا  زَوْجُهَا بِمُنَاسَبَةِ الْوِلَادَةِ أَيَّ شَيْءٍ ،

وَأَنَّهَا تَشْعُرُ أَنْ لَيْسَ لَهَا قِيمَةً عِنْدَهُ .

فَعِنْدَمَا جَاءَ زَوْجُهَا ظُهْرًاً إِلَى الْبَيْتِ ، وَجَدَهَا غَاضِبَةً بِسَبَبِ ذَلِكَ الْمَوْضُوعِ  فَتَشَاجَرَا ، وَتَلَاسَنَا ، وَاصْطَدَمَا ، فَطَلَّقَهَا. 

فَطَأْطَأْتُ رَأْسِي وَ وَجْهِي يَمْلَؤُهُ الْحَسْرَةُ وَبِصَوْتٍ حَزِينٍ قُلْتُ لَهُ :- وَهَذَا الرَّجُلُ الَّذِي يَجْلِسُ فِي حَدِيقَتِهِ ، تَحْدِيدًا لَوْنَ سِيَاجِهِ بُنِيَ ، أَيْضًا فَتَحَ بَثًا عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الْإِجْتِمَاعِيِّ وَشَارَكْنَا أَسْرَارَهُ ؟

رَدَّ فِي الْحَالِ قَائِلًا :- لَا هَذَا لَمْ يُفْتَحْ بَثٌّ .

قُلْتُ لَهُ : الْحَمْدُ اللَّهَ .

رَدَّ مُتَأَسِّفًا :- لَكِنْ لِلْأَسَفِ قَامَ بِمُشَارَكَةِ مَنْشُورٍ عَلَى الْفِيسْ بُوكْ وَكَتَبَ فِيهِ : ( أَنَّ أَبًاً قَضَى عُمْرَهُ بِأَكْمَلِهِ  لِأَبْنَائِهِ ، فِي تَعْلِيمِهِمْ وَتَرْبِيَتِهِمْ وَتَأْمِينِ مُسْتَقْبَلِهِمْ ، وَهُمْ لَمْ يَقُومُوا بِزِيَارَتِهِ كَثِيرًا،  بِحُجَّةِ الظُّرُوفِ لَا تَسْمَحُ ) ، فَصَفْو قَلْبِهِ مُعَكِّرٌ بِسَبَبِ عُقُوقِ ابْنِهِ . 

نَظَرْتُ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى الْبُيُوتِ ذَاتِهَا وَقُلْتُ لَهُ :- أَتَعْلَمُ ، بَعْدَ أَنْ سَمِعْتُ هَذَا الْكَلَامَ أَشْعَرُ لِوَلْهَةٍ أَنَّ هَذِهِ الْبُيُوتَ عِبَارَةٌ عَنْ بَيْتٍ صَغِيرٍ وَأَبْوَابِ غُرَفِهِ مَفْتُوحَةٌ عَلَى بَعْضِهَا الْبَعْضِ ، لِلْأَسَفِ.

كُنْتَ مُحِقًّا، عِنْدَمَا قُلْتَ لِي أَنِّي لَمْ أُوَاكِبْ الْعَصْرَ.

لِأَنَّنِي لَوْ وَاكَبْتُهُ ،  لَقِمْتُ بِتَغْيِيرِ هَذِهِ الْمَقُولَةِ ( الْبُيُوتُ أَسْرَارٌ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ تَحْدِيثُهَا بِالْفِعْلِ إِلَى ( الْبُيُوتِ أَخْبَارٌ ) لِلْأَسَفِ .

فَالْبُيُوتُ أَمَانُ أَصْحَابِهَا وَجُدْرَانُهَا هِيَ الْمَسَافَةُ الْآمِنَةُ لَنَا مِنْ هَذَا الْعَالَمِ .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى