الوطن :جوکران والبقية ورق
شهادة ميلاد،هوية،بطاقة معالجة،دفتر عاٸلة،جواز سفرا،شهادة إخراج وشهادة وفاة،رزمة من الأوراق المعطلة نصفها في محفظتك البالية والبقية في علب الحلوی وأدراج الخزاٸن المتهالکة وتحت الملابس في الرفوف الباردة، لا شيء فيها صالح سوی تاريخ الانتهاء وبريق جواز السفر وجلاتين بطاقة المعالجة.
حتی أنت صرتَ مجرد خازن أو مأمور علبة حلوی أو أمين درج بالإنابة عن زوجتك الموظفة أو الزعلانة أو المطلقة أو الراحلة إلی باطن أمها الأرض،لا فرق بينك وبين هذه العلب من الصفيح الملون أو هذا الدرج أو ذاك الرف البارد، لا شيء في جيبك حي سوی ورقةُُ من قاٸمة الطلبات الطازجة ;خبز،سکر،وملح وحسبة أرقامٍ تقريبية في معادلة القلق لما سيذهب وما سيتبقی من رزمة ورق الراتب النحيل أيضاً،فضاءات بحجم خرم إبرة وشبر أرضٍ لا يتسع لقدميك معاً،فقط مضطر للوقوف علی قدمٍ واحدة بالتناوب،وکأنك المشاغب الوحيد في وطنك العريض وفي عقابٍ مستمر.
من أنت؟ ،أنت کتلة بشرية في طوابير الدور علی الخبز والعلاج ومواکب السرفيس تنتظر رحمة کنترول الباص وسمسار الخط ومزاجية الساٸق المدعومة بتسامح الشرطي الذي يرکب معه ببلاش، أنت ابن الطوابير الطويلة،وعرّاب الاکتظاظات ونجمُُ في سماء الاصطفاف علی الدور في الزحمات .
أعرف أنك عشت العمر وأنت تفسر معنی ثلاثة أحرف الVIP التي تطارد فضولك المعرفي کالشبح في کل مکتبٍ رسمي أو داٸرةٍ أو مٶسسةٍ حکومية،تلك الأحرف التي تنتشر في مرآب السيارات وفي أروقة مکاتب الدولة وغرف الضيافة الخاصة بال VIP ، وربما لو عرفت عن السواد الأعظم من مواطني الVIP ومسيرتهم لتمنيت أنّ لا تحظی بشرف الVIP أبداًً ،فهم إما شخص يصول ويجول بسوط الدولة الأمني،ويبطش بسيف السلطة ،أو أنه کان يحمل ملابس السيد والسيده وأبناٸهم بکلتا يديه وفمه إلی الدراي کلين ،کان ولا زال يسبح في برکة نعم سيدي وبتٶمري ستي ،کان يحفظ النشيد عن ظهر قلب بين يدي مستخدميه ”ولو إحنا بالخدمة“ ، کانت الکرامة عنده أخف وزناً من رزمة مالٍ أو شيك أو زجاجة عطر ، أعرف أنك ستراه علی هيٸة رجل وستبهرك بدلته الرسمية وتسريحة شعره وبريق وجهه وراٸحة عطره وعلکته الثمينه!،لأنها أثمان لمبدأه وقيمه ورجولته ،فقط تلاشی وسقط الجوهر وما تبقی هو المظهر المزيف.
أنت رزمة ورقٍ علی مشروع تحصيل الدين العام ،أو نك رقم ضريبي وفاتورة کهرباء مجحفة ، أنت خانة ناخب و رقم وطني في هيٸة الانتخابات المستقلة ،وأنت رقم إحصاٸيةٍ لمعارضة أو تأييد، أنت رقم مهمل في عزومة الشيخ ودعوة المختار ،ولکنك رقم مهم للفزعة وانتخاب ابن الحارة والقبيلة .
وصرت تشغل صفحةً في سجل ديون الشرکات في مٶسسة المتقاعدين العسکريين ، صرتَ جزءاً من دفاتر ديون محلات الدجاج والخبز والحلاقين والدکاکين والصيدليات.
فهذا الوطن يا صديقي لا يحتمل زحمة جواکرٍ أکثر من جوکرين ،لأن طاولة النهب مساحتها ضيقة ومحطات الVIP مقاعدها محدودة ، وجميلُُ إن أصبحت أنت ورقة من بين المٸة وست ورقات تحمل أحد الأرقام أو الرموز من الدو وحتی الشايب، لکن سيخونك الحظ إن کنت عفريتاً زاٸداً عن الورق أو من ضمن مجموعة الأربع ورقات الفريش الأخيرة.