” #الوطني_للمناهج”.. القطفة الرابعة” لغتي العربية/ الصف العاشر (3 – 4)
حين نشرت الجزء الأول من مقالتي؛ تحليل كتاب #لغتي_العربية للصف الرابع؛ عاتبني مسؤول قائلا: أنت صديق، وأريد أن أنصحك، يقولون: إنك تكتب بهدف البحث عن منصب لك، كظمت الغيظ وقلت: ليس مثلي من يبحث عن منصب، وكل مواقفي وكتاباتي تُبعدني عن أي منصب، مع أن من حق كل مواطن البحث عن منصب، حتى لو كان من غير الأغبياء. أنا كتبت ونقدت بالروح نفسها، حتى حين كنت في المنصب، كتبت تقريرًا عن كل كتاب علوم، ورياضيات، بالروح النقدية نفسها، والتقارير رسمية وموثقة في سجلات المركز. أما أنا، فلا أبحث عن منصب، بل عن فرصة لإنتاج #كتب_مدرسية، فشل الجميع في إنتاجها بحدود معقولة من الجودة.. كتب تختلف عن سابقاتها بما يبرر وجود مركز مستقل.
أبحث عن فرصة لإنتاج كتب تحترم #العقل؛ وفق الإطار العام للمناهج المُقَرّ من الدولة، ولا أبحث عن كتب أكثر إغراقًا من فشل سابقاتها، وأكرر، إن المطلوب يتعلق بإنتاج كتب سهلة، وجاذبة، ومثيرة للتفكير، ومناسبة لوقت الطالب والمعلم المتاح.. كتب للطلبة، وليس كتبا للمادة الدراسية، وأرجو أن يعرف الجميع بأن المطلوب هو كتب ممتعة، تخاطب الطلبة، وليس المادة كما يعتقد المسؤولون المعيّنون في الدولة، ومن غير المختصين في المناهج. على العموم، أنا أفهم مشاعر من يخشى النقد، وأعرض في هذه المقالة، تحليلًا لكتاب لغتي العربية، الجزء الأول للصف العاشر:
(1)
وصف الكتاب:
اشتمل الكتاب على خمس وحدات دراسية في 144 صفحة، ولم يختم كالكتب السابقة بعبارة: تم بحمد الله بسبب كثافة المادة.
كانت الوحدات:
- الأولى: “من أدب الاعتذار”، ركزت فيها المؤلفات الثلاثة على الثقافة الدينية، بما لم يركز عليه أي كتاب سابق في القرن الحادي والعشرين قبل المركز الوطني. فالنصوص والعبارات، والجمل كانت مترابطة في هذا السياق، ومنعًا للتأويل، وسوء التفسير أقول: هذا يحسَب للكتاب.
- الثانية: “يرحلون وتبقين”؛ وهي في معظمها تركز على قضية فلسطين لشعراء أردنيين وغير أردنيين، وهي نصوص هادئة ووطنية، وجديرة بالاحترام، كالوحدة الأولى.
-الثالثة: “مختارات من الأدب المترجم”، اشتملت على نصّ مترجم واحد، وعرض للوحين فنيّين راقيين- وهذا برأيي إبداع لأول مرة في كتبنا، وليت الكتاب عرض المزيد منها، وكانت بقية الأمثلة والنصوص أدبية غير مترجمة، كما أوحى لنا العنوان، واستشهادات لشخصيات عربية، وشعراء مثل: المتنبي، وحافظ ابراهيم، وصباح الحكيم على صفحات (74)، (79)، (83).
كما اشتملت على أحاديث البخاري ص (84)، وقرآن كريم ص (62)، (86)، (88) التي اشتملت على ست آيات قرآنية كريمة، وستة شعراء عرب أقحاح.
-الرابعة: “من السير الذاتية”، اشتملت على نصّ وليد سيف، بعنوان: شغف القراءة، ونصّ من السيرة الذاتية لعائشة بنت الشاطئ، ونص للأديبة السورية ريم هلال عن سيرتها. ونصّ من سيرة إدوارد سعيد.
-الخامسة: “من الأدب القديم”، ركزت على المتنبي، ثم البحتري. ومن اللافت للنظر بأن الوحدة نفسها طلبت قراءة خواطر أحمد شوقي، بالرغم من أنه ليس قديما، كما ذكرت آيات من سورة نوح – ولا أدري إن كان القرآن الكريم مثالٌ للأدب القديم، وكذلك المعجم الوسيط.
(2)
ملاحظات نقدية
بعد الانتهاء من وصف الكتاب، أقدم ملاحظات تنظيمية شكلية، وأخرى تربوية، وثالثة عامة:
أولا- كانت وحدات الكتاب متنوعة، لكننا قد لا نجد منطقيته، إذ كيف نفهم بعد وحدة القرآن الكريم- الاعتذار- أن ننتقل إلى الأدب الحديث، فالمترجم، فالسيرة الذاتية، فالأدب القديم؟ ولماذا تكون السيرة بعد المترجم؟ والحديث قبل القديم؟ يمكن القول: هي في الأصل لم تعكس ترتيبًا تاريخيا أو زمنيا أو موضوعيا، ولذلك، يمكن تقديم أي وحدة على أي وحدة، فالوحدات لا رابط بينها سوى أنها جميعها مكتوبة باللغة العربية، وهذا ليس كافيًا، فمن حق الطلبة أن يفهموا السياق العام، ليتمكنوا من الفهم والترتيب.
ثانيا – عرض الكتاب تشكيلة واسعة من أغراض الأدب، وأقول بوضوح – باستثناء الوحدة الأولى والثانية – ليس في أي نصّ ما يلامس حياة الطلبة: في الحب، والرياضة، والتكنولوجيا، ولم يقدم لهم أي نص شبابي، وكأن الكتاب سلسلة من توجيهات عليا لهداية الشباب، فتنوعت النصوص بين حِكَم لكبار، وفي أزمان الكبار. وبرأيي فإن هذه أساليب ليست فاعلة تربويا ولا أخلاقيا.
وقد كادت النصوص تخلو من معظم المفاهيم العابرة للمواد، والمقرَّة رسميا، مثل: سيادة القانون، حقوق الطفل، المرأة، الحقوق، البيئة، المخدرات، التدخين، المشاركة، العمل الجماعي، التفكير المستقبلي، الإتيكيت والبروتوكول – باستثناء الاعتذار- وهو جزئية بسيطة، ركزت عل تصحيح آثار الخطأ دون أي اهتمام بالسلوك الجيد الذي يجنّب شبابنا الاعتذار، فهل المطلوب أن نقول: اعتذروا عن أخطائكم بدلا من اعملوا الصالحات، فكّروا قبل أن تقولوا.. إلخ من الكلام الذي يدركه دعاة الهداية من المشرفين على كتب أطفالنا وشبابنا، إنهم يريدون كتبا والسلام.
ثالثا – وبتقديري نجحت المؤلفات الثلاثة في إدماج الطلبة بموضوعات المادة، فركزت على الحصول على رأي الطلبة واستنتاجاتهم، والبحث عن علاقات بين المتشابهات والمختلفات، ولكن هذه المؤلفات اكتفت في الاستماع بمعرفة وصول المعلومة إلى الطالب، ولذلك كانت جميع الأسئلة تدور حول: من، وماذا؟ ففي ص (63) مثلا، فقرة (3) تطلب وضع دائرة حول رمز الإجابة الصحيحة؛ لتكشف جوابًا محددًا من خيارات كلها عظيمة، فلو طلب الكتاب من الطلبة ترتيب الإجابات حول درجة منطقيتها، لأدخلنا الطلبة في عمق عملية التفكير، ومثل ذلك كثير.
رابعا – قراءة الصور: بتقديري أن هذا جديد، وجاذب ويطلق التخيل، والتقمص والإسقاط، فمن المهم قراءة الصور وهي أكثر أهمية، وأوسع مدى من قراءة النص. كنّا نحقق أهدافنا لو علّمناهم قراءة الصورة، أو قراءة فنية تطبيقية أدبية للوح فني، وعلى أي حال، هذا عمل يمكن أن يكمله معلم جيد. وليتنا نوجه المعلمين إلى أهمية قراءة الأشكال، والأرقام، والرسوم والتمثيلات، والصور، والوجوه والمشاعر ولغة الجسد، وغير ذلك مما تتوجّب قراءته، أما آن لنا بأن نعرف ماذا نقرأ وكيف نقرأ.
خامسًا – قواعد اللغة، بتقديري: كان عرض القواعد ناجحا، فلم يستخدم الكتاب عناوين تقليدية كالأسماء، والأفعال، والمثنى وأخوات كان وغيرها. صحيح أنه عنون أسلوب النداء ص (51)، لكن عرض الدرس لم يكن نمطيًا، مع أني لاحظت أنهم يركزون الأمثلة على آيات من القرآن الكريم؛ ليظهروا أنواع النداء، والمثالان ليس فيهما نداء واضح: - يا نار كوني بردًا وسلامًا! لا أدري إذا كان هذا مثالًا على نداء أم أمر أم طلب، أم أمل.
- يا أيها الناس اتقوا ربكم.
- يا أيتها النفس المطمئنة.
- يا مريم إن الله اصطفاك.
وهذه أيضًا ليست أمثلة واضحة للنداء، حتى لو كانت نحويا صحيحة، فهذا خطاب إخباري من الله تعالى. - وحتى “يا أعدل الناس إلا في مخاطبتي”.
هذه ليست الأمثلة على تعليم النداء، وكمثال: يا قاضيا، هذا نداء واضح. يا ناعس الطرف، هذا نداء واضح أيضا.
بالمناسبة؛ هذان مثالان اقتربا من الغزل، وهما يتيمان متناثران، لم يأتيا في سياق غزلي، وغاب أي نص غزلي متكامل عن طلبة يحتاجون للغزل.
(3)
المفاهيم والقيم السائدة
حدد الإطار العام للمناهج حوالي مائة مفهوم، يفترض تضمينها في كل كتاب وكل صف، وهذه المفاهيم صنفت في قضايا مثل: التفكير، المستقبل، المواطنة، البيئة، الصحة، الحقوق، مفاهيم حياتية، العمل، مفاهيم إنسانية وسياسية ومفاهيم أخلاقية، إذ يمكن تضمينها في النصوص المختارة، والقصائد، والجمل، والأمثلة، والأنشطة.
لكن هذا لم يحدث إلّا صدفة، فالنصوص في هذا الكتاب، لم تُختر وفق خطة ترتبط بالمفاهيم، لذلك غابت معظم هذه المفاهيم، ومفرداتها التي تصل إلى حوالي المائة، فقصيدة وطنية مثل قصيدة خالد محادين، تتعلق بالوطن، وموضوعها يرتبط بقيم سياسية ووطنية، لكن قصيدة المتنبي لا يمكن أن ترتبط بالمرأة والقانون وحقوق الإنسان والبيئة، والصحة، والعمل والمستقبل وغيرها، وكان من المفروض إعداد نصوص وفق هذه القيم، وهذا لم يحدث إطلاقًا. قد يكون هناك ميل لاختيار نصوص جاهزة، بهدف السهولة والاقتصاد في الجهد.
ولكن هذا يبدو مقبولًا لو سدّوا هذا النقص بمئات الجمل والأمثلة، وهذا لم يحدث إطلاقًا، بحيث جرى سده بالجمل الجاهزة مثل: “سار وليد شمالًا”، “كنت أدخل المحل”، “نسيج من الحرير يلبس على الرأس”، “انقطع الحبل”، “طوّف سندباد في الآفاق”، “كبّر المؤذن”، “كيف أعيد عظامي البالية؟”، “للذوق مراحل كمراحل الطريق”، وغيرها من مئات أبيات الشعر التي لم تؤخذ لمعانيها. لذلك لم نلحظ تركيزًا لإبراز أي مفهوم بطريقة مقصودة، فالكتاب مليء بأشعار وجمل وأمثلة دينية، ومواقف لم تستحضر لمعانيها، فغابت مفاهيم العمل والمستقبل والقانون وغيره.
سادسًا- هناك عداء مستحكم بين كتب اللغة العربية والعمل الشراكي؛ فترى أفعالًا مثل: أستمعُ، أتحدثُ، أقرأُ، أتغنى، أحددُ، أميزُ، أتأمل.. إلخ، ولم يحدث أبدًا أن نرى فعلًا بصيغة المثنى، أو الجمع مثل: نعمل، نبحثُ، نقرأُ، نراجعُ.. إلخ.
فهذا الكتاب خلافًا لمعايير المنهاج في الشراكة والتعاون، حرّم كسائر الكتب، العمل في مجتمعات التعلم المهنية على طريقة “العب وحدك تيجي راضي”.
سابعًا- غابت جميع مفاهيم التربية الإعلامية التي قررها المسؤولون الكبار؛ لتنفذ عبر المواد الدراسية المختلفة، علمًا بأن اللغة نفسها إعلام واتصال، وتمحيص، وحوار.
(4)
أسماء وشخصيات
استحضر الكتاب أسماء شخصيات أردنية وعربية من أبرز الأدباء والشعراء، ولكن لاحظت تكرارًا لأسماء في النصوص والأمثلة القواعدية المفردة. طبعًا هذا يكون على حساب أسماء أخرى، فلم أشاهد نصوصًا لبعضهم، لكني أبرز نقطتين اثنتين:
الأولى: ذكروا اسم عرار مرة واحدة في تمرين مزاوجة، بحيث تبين أنه”الحشوة”، أو الاسم الزائد الذي لا علاقة له بشيء، وهذا لا يجوز بحق عرار.
الثانية: اقتصرت أسماء النساء على عدد قليل جدا جدا مثل: عائشة بنت الشاطئ، صباح الحكيم ص (74)، مي هلال ص (105)، وهذا لا يجوز قياسًا بمئات الأسماء من الناشطين أدبيا من الذكور.
هذه قراءتي للكتاب، ولا أقصد فيها البحث عن منصب، مع أن هذا حق لغير الأغبياء أيضا، وأكرر، أكتب بحثًا عن كتاب جيد، لم ينجح في إنتاجه مدوَّرون عديدون.