
منذ عقود انهت بعض القوى الفاعله في دول عربيه حكم الانظمة الملكيه التي حكمت شعوبها لعقود ، لتحل محلها انظمة جمهورية ،عبر انقلابات عسكرية قادها ضباط في الجيش .
حدث ذلك في مصر وليبيا والعراق وسوريا . كما حل النظام الرئاسي في اليمن بعد القضاء على حكم الاماميه .
في سنوات المد القومي بتسمياته العديده ، كانت بعض تلك الانظمة الجديدة تطرح نفسها على انها انظمة تقدمية جاءت لتجلب الرخاء لشعوبها وكانت تلك الانظمة تنظر لما تبقى من الانظمة الملكيه والاميريه في البلدان العربية على انها انظمة رجعية .
لكن السؤال هو ، هل جاءت الانظمة الرئاسيه في بعض الدول العربيه باداء افضل من اداء الانظمة الملكية وهل جلبت الخير والرخاء لشعوبها التي كانت تتطلع الى التغيير نحو الافضل؟
الذي الاحظه (وربما يشاطرني العديد منكم الرأي) بان الانظمة الرئاسيه او الجمهوريه باتت تقترب في بعض تفاصيلها من الانظمة الملكية التي طالما انتقدتها ونعتتها بالرجعيه والانبطاحيه والعمالة للغرب .
سوف اعقد هذه المقارنة البسيطه بين كلا النظامين لاوضح مقصدي :
– في (بعض) الانظمة الجمهوريه يبقى الرئيس متشبثا بكرسي الحكم ، ولاية رئاسيه اثر اخرى ، عبر انتخابات يتولاها خبراء في صنع نسبة الـ ( 99,9%) ، وهو يعتبر ان السلطة من حقه طالما انه قادر على عملية الشهيق والزفير ، ولا ضير ان كان لا يقوى على السير ، او لا يقدر على قضاء حاجته الا بمساعدة الاخرين ، وقد يبلغ مرحلة الخرف وما زال يصر انه الزعيم الذي لا غنى عنه . بينما نجد في الانظمة الملكية او الاميريه من يتنازل عن الحكم طواعية لابنه الشاب .
– في (بعض) الانظمة الجمهورية يسعى الرئيس ، بعد ان يستتب الامر له ، على تهيئة ولده لاستلام الحكم من بعده ، وبعضهم تحقق له هذا الامر على ارض الواقع ، والبعض الاخر لم تمهله موجات الربيع العربي لانشاء سلالة رئاسيه تتوارث الحكم من بعده . مع ان الانظمة الجمهورية لا تورث ، وهنا نجد النظام الملكي او الاميري اكثر صدقا وتناغما مع نفسه .
– في بعض الانظمة الجمهورية التي اتسمت بالشراسه ، قد يتصارع ابناء الرئيس فيما بينهم على خلافة والدهم ، بينما قد تنتقل ولاية العهد في النظام الملكي من فرد لاخر (كأن تنتقل من شقيق الملك الى ابنه ) بكل سلاسة ودون حدوث عواقب تذكر .
– كلنا سمعنا وشاهدنا كيف كان يتصرف بعض الرؤساء العرب السابقين ، وكيف كانت صورهم تبث على جوانب الطرقات بواقع صوره كل 100 متر ، ووصل ببعضهم الشعور بانه ثروة قومية لا غنى للشعب عنه ، بينما قد يناقش الملك ببساطه ودون تكلف المستقبل السياسي لبلاده وهل ستتحول الى ملكيه دستوريه ، وقد يقبل بالتنازل عن بعض صلاحياته طوعا .
– فيما يختص باحترام الحريات العامة ومراعاة الشعور الديني ، نجد ان الانظمة الملكية تعطي لشعوبها حقها من الحريات اكبر بكثير مما تعطيه بعض الانظمة الجمهوريه ، فيما تنظر الانظمة الملكية للاحزاب الدينية نظرتها الى سواها من احزاب المعارضه ، والشد والجذب فيما بينها لا يصل لمرحلة كسر العظم . بينما نرى كيف يتم اضطهاد المعارضة وخاصة الاسلامية في العديد من الجمهوريات ، ولا ننسى مقتلة الاخوان المسلمين السوريين في حماه في الثمانينيات من القرن الماضي ، وفي دولة اخرى كان يتم تسلم المطلوبين من المعارضين الاسلاميين من بعض الدول فيجري اعدامهم دون محاكمة فور نزولهم من الطائره . ولم نسمع يوما في أي نظام ملكي ان امراة اجبرت على خلع الحجاب في الاماكن العامه ، بينما وقع ذلك في انظمة جمهوريه .
لو تركنا القضايا الكبرى كالتوريث او الاستحواذ على السلطه وقمع الحريات العامه ، وذهبنا الى قضايا تختص بكيفية التعامل مع الرعيه لوجدنا ان بعض الرؤساء العرب الذين اطاحت بهم الثورات مؤخرا لم يكونوا يتمتعون بالاسلوب اللائق في مخاطبة الشعوب ، فبعض الرؤساء كانوا يحتجزون الجماهير لساعات في كل مناسبة او احتفال ليمارسوا هواية التنظير عليهم ، يتكلمون في كل شيء ، بينما نجد ان الملك او الامير لا يتكلم الا فيما يعتبره ضرورة ويطرح رأيه بكل تواضع ، ولا يدعي انه وحده يمتلك ناصية الحقيقه ، هنا ارغب بايراد مثال عن ملك البحرين حمد بن عيسى ، فقد شاهدته على تلفزيون البحرين منذ سنوات مجتمعا مع وجهاء العشائر وممثلي الفعاليات الشعبيه في بلده ، وقد تطرق في حديثه الى موضوع عائلي فابتدأ حديثه بعبارة ( اسمحوا لي ان اوجه لكم نصيحه عائليه) وقد كان فحوى النصيحه دعوة العائلة البحرينيه للاستمتاع باوقاتها وعدم التركيز على متابعة نشرات الاخبار بشكل متواصل على مدار اليوم.
اوردت هذا المثال لابين ان رأس النظام الملكي غالبا ينجح في مخاطبة شعبه بلسان نظيف وثقة اكبر بالنفس ، ولا اقصد الاساءة طبعا لاي رئيس او حاكم عربي، واظن انني نجحت في ايصال وجهة نظري حول هذه الجزئيه .
الانظمة الملكيه ليست خالية من العيوب ولا يقول بذلك الا جاهل او مستفيد ، ولكنها في بلداننا العربيه لا تزال الاصلح والافضل اذا ما وجدت قواعد شعبيه داعمه مستنيره ، تراقب وتعارض وتفرض مطالب الشعب دون ان ترتهن تحركاتها لمنظمات او مؤسسات تجسسيه اجنبيه تعمل تحت غطاءات متعدده .