اعتدنا في الشهور الأخيرة قبل كأس العالم، وبعد انتهاء التصفيات، على سماع أخبارٍ عن قضايا في المحكمة الرياضية، وعن تهديدات بالانسحاب أو بالاستبعاد من #المونديال، وكالعادة في هذه النسخة كانت #تونس بطلة المسلسل الأكثر رواجاً بعد رسالة #الفيفا التي نشرتها رويترز عن تهديدٍ وصل للاتحاد التونسي بتجميده ومنع المنتخب التونسي من المشاركة في مونديال قطر، إذا ثبت أن هنالك تدخلاً من رئاسة الوزراء في أعمال إدارة شؤون الاتحاد المحلي التونسي لكرة القدم.
ذلك الخبر أعاد لأذهاننا شريط ذكريات في تاريخ الكأس الأكبر في كرة القدم عن حوادثٍ مشابهة لدولٍ كان من المفترض أن تنال شرفاً سيكتب في تاريخها بمشاركتها في التجمع الكروي الأضخم، لكنها وفي آخر اللحظات إما انسحبت أو اعتذرت عن المشاركة.
الفوز أو الموت
النسخة الثالثة من كأس العالم كانت انعكاساً لما يحدث في العالم الحقيقي، والذي كان يغلي على صفيحٍ ساخن على جميع الأصعدة العالمية، فكأس العالم الأخيرة قبل الحرب العالمية الثانية، والتي أقيمت في فرنسا كان قرار إقامتها في أوروبا أولى المشاكل التي واجهت البطولة، فمنتخبات أمريكا اللاتينية توقعت أنه وبعد استضافة أوروجواي النسخة الأولى وإيطاليا النسخة الثانية أنه وفي النسخة الثالثة ستعود البطولة إلى أمريكا اللاتينية مجدداً، إلا أنه وبقرار إقامتها في فرنسا أعلنت الأورجواي مقاطعة البطولة مجدداً كما فعلت في النسخة الثانية التي أقيمت في إيطاليا، وسبب ذلك بأن الأوروبيين رفضوا المشاركة في النسخة الأولى التي أقيمت على أرضها. وتبعتها الأرجنتين في ذلك القرار، ولكن سرعان ما تراجعت بعدها وقدمت طلباً للمشاركة مجدداً، وبعد دراسة الطلب والموافقة عليه ودعوة الأرجنتين للمشاركة، وبعدها كانت مراوغة التانجو الأولى للعالم قبل أن يأتي مارادونا وميسي عندما عادت #الأرجنتين لتعلن انسحابها مجدداً من كأس العالم.
كأس العالم التي اشتهرت بعبارة “الفوز أو الموت”، والتي ألقاها الزعيم الإيطالي موسوليني على لاعبي منتخبه ليعبر لهم عن مدى أهمية البطولة بالنسبة لسياسات موسوليني في ذلك الوقت، وتعبر عن مدى تدخل السياسة في كرة القدم.
إسبانيا أيضاً لم تستطع المشاركة في تلك النسخة نظراً لانشغالها بالحرب الأهلية الإسبانية في ذلك الوقت، وتبعتها النمسا، والتي سيكون من الظلم تسمية ما حدث انسحاباً، إلا أنه ورغم تأهل المنتخب النمساوي لكأس العالم بعد تغلبه على المنتخب اللاتفي في التصفيات، فبعد الغزو النازي للنمسا لم يستطع المنتخب اللعب باسم النمسا في كأس العالم، وضمت ألمانيا 8 لاعبين من المنتخب المميز في ذلك الوقت ليشاركوا مع المنتخب الألماني، كانت النمسا تمتلك في ذلك الوقت جيلاً ذهبياً استطاع الوصول حتى نصف النهائي في نسخته التي أقيمت قبلها بأربعة أعوام قبل الخروج من حامل اللقب إيطاليا بنتيجة واحد لصفر، لكن كان الاحتلال في ذلك الوقت بمثابة إعدام للحلم النمساوي.
#مصر أيضاً اعتذرت عن المشاركة في البطولة نظراً لعدم ملائمة مواعيد المباريات.
#انسحاب حفاة الأقدام!
الكأس الأولى بعد توقف دام 12 عاماً بسبب الحرب العالمية كانت ساخنة أيضاً، وشهدت منعاً لعدة دول من المشاركة مثل ألمانيا واليابان، نظراً لتورطهما في الحرب العالمية الثانية، وبعدما كان من المتوقع مشاركة 16 فريقاً أقيمت البطولة بمشاركة 13، نظراً لتتالي الانسحابات.
فالبرتغال انسحبت لمشاكل تقنية في الفريق كما أسمتها، وتركيا قررت الانسحاب لمشاكل مادية وبُعد المسافة بعدما كانت ستكون أول مشاركة لها في التاريخ، ولكن تأجلت لأربع سنوات لتكون أول مشاركة في كأس العالم 1950م.
المنتخب المصري أيضاً انضم للمنسحبين بداعي بعد المسافة وعدم توافر القدرة المالية لتحمل تلك المشقة.
سكوتلندا أيضاً رفضت لبعد المسافة، حتى البرازيل وضعف القدرة المالية لدى الدولة في ذلك الوقت، إلا أن مصادر عدة أكدت أن السبب هو خسارة سكوتلندا من إنجلترا في ذلك الوقت، فرفض المسؤولون المشاركة بحجة أن بطلة الجزر البريطانية هي إنجلترا وليست سكوتلندا.
نعم الكأس شهدت عدة انسحابات ولكن جميع المنتخبات المنسحبة نالت فرصة المشاركة مجدداً في المونديال، إلا المنتخب الوحيد الذي أضاع تلك الفرصة ولم يستطع المشاركة لا قبل ولا بعد ذلك اليوم مجدداً، وظل اسمه -على الرغم من كبر حجمه وعدد سكانه- ضمن قائمة المنتخبات التي حرمت حتى الآن من المشاركة في المونديال العالمي؛ الهند، وهي صاحبة واحدة من أغرب القصص في تاريخ كأس العالم؛ الهند تأهلت في البداية بتأهلٍ بالتزكية بعد انسحاب ميانمار وإندونيسيا والفلبين، فكانت الهند صاحبة بطاقة التأهل بالتبعية، ولكن لم تكتمل الأمور كما خطط لها نظراً لأن كرة القدم في الهند في ذلك الوقت كانت تقام دون أحذية وليست كرة القدم فقط، بل ومشاركات اللاعبين الهنود في الأولمبياد كانت دائماً وهم “حفاة” الأقدام، فلم يكن الأمر جديداً على الفيفا التي رفضت وبشدة نظراً لتعارض ذلك مع قواعد كأس العالم التي تنص على ارتداء اللاعبين لأحذية في أقدامهم أثناء المباريات، تلك القاعدة كانت مزعجة بالنسبة للهنود، وهو ما كان السبب في انسحابهم، إلا أن المسؤولين في الهند برروا ذلك حديثاً بأن السبب الحقيقي كان له علاقة باستحالة إرسال اللاعبين الهنود للبرازيل في ذلك الوقت لاستحالة تدبير ذلك المبلغ من المال.
ولكن الاتحاد الرسمي فيفا اتفق على أن السبب الحقيقي في ذلك الوقت كان رفض الجانب الهندي ارتداء الأحذية، والدليل على ذلك مشاركة الهند بعدها بعامين في الأولمبياد بلاعبين حفاة الأقدام، واستطاعوا مجاراة منتخبات قوية، وقدموا أداءً مميزاً في البطولة.
إسرائيل السبب
في نسخة السويد ولأول مرة وضع نظام لم يطبق من قبل في دمج تصفيات إفريقيا وآسيا، بالإضافة لقبرص والكيان الصهيوني، على أن يتأهل منتخب واحد فقط لكأس العالم، وأوقعت القرعة مصر مع قبرص، وبعد انسحابها تأهلت مصر لمواجهة السودان في نصف نهائي التصفيات، على أن يواجه الفائز من تلك المباراة الفائز من المباراة الأخرى التي أوقعت الكيان الصهيوني بالمنتخب الإندونيسي، فطالبت حينها إندونيسيا إقامة المباراة على أرض محايدة، ورفضت أن تقام أية مباراة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، فبعد انسحاب إندونيسيا رفضت بالتبعية مصر والسودان لعب المباراة التي كانت من المفترض أن تجمعهما لعدم رغبة أي فريق من الفريقين مواجهة الكيان الصهيوني، ليرفض الاتحاد الدولي أيضاً أن يتأهل الفريق الدخيل مباشرة للمونديال، فتمت إقامة مباراة بينهما وبين ويلز فاز بها المنتخب الويلزي ذهاباً وإياباً، وتأهل لكأس العالم بمباركة ودعوات العرب والمسلمين.
مقاطعة إفريقية
في تلك النسخة التي أقيمت في إنجلترا رفضت القارة الإفريقية والاتحاد الإفريقي لكرة القدم المشاركة بسبب منح الفيفا مقعداً واحداً لقارات آسيا وإفريقيا وأوقيانوسيا، وهو ما أسماه الاتحاد الإفريقي “ظلماً”، وقررت منتخبات إفريقيا كلها بالإجماع عدم المشاركة في التصفيات لتكون أول مرة في التاريخ التي تجمع قارة بأكملها على مقاطعة كأس العالم، على الرغم من حزن الجميع في ذلك الوقت على الجيل الذهبي لمنتخب البلاك ستارز الغاني، والذي كان لديه جيلٌ استطاع الفوز ببطولة إفريقيا لمرتين على التوالي، وكان يتوقع له الجميع تقديم أداء قوي في كأس العالم صنفه البعض على أنه جيلٌ كانت لديه القدرة للمنافسة على البطولة كأول فريق إفريقي في التاريخ.
كأس العالم هي البطولة الأغلى في التاريخ، ليس لأنها الكأسُ الذهبية، فقيمتها لا تقتصرُ فقط على قيمتها المادية، فهي تحملُ الكثيرَ من الذكريات، منها ما هو داخل البساطِ الأخضرِ، ومنها ما هو خارجه، وسيسطر التاريخُ دائماً من يحملُ الكأسَ الأغلى ليعتلي صدارة العالم والكوكب بالكرة وبالرياضة، بدلاً من السلاح والحروب العالمية، نهايةَ كلِّ 4 أعوامٍ حتى بطولة كأس العالم التالية.