الهمّ الوطني : لا خبز ولا كرامة وفلسطين محتلة!!
أ . عبدالرحمن الدويري
مؤسف ما نراه من همز ولمز، حول مؤتمر القدس الذي رعاه مشكورا حزب جبهة العمل الإسلامي السبت 10 شباط في عمان!
فالبعض يراه هُروبا من الاستحقاق الوطني، والبعض يراه إدراة ظهر وخذلانا للحالة الشعبية، والبعض يراه برهانا على اختطاف الحركة الإسلامية من قبل الجناح الفلسطيني الممِّول للأجندة غير الوطنية!! وكلها ظنون ظالمة، تكشف مستوى العطب، واهتزاز الثقة، التي استطاع الإعلام الرسمي والأمني، ومعهم النخبوي البسيط ومن ورائهم النفعوي من بثّه، لزعزعة الثقة بين المكونات الوطنية والشعبية، وتكريس حالة اليأس من جدوى أي فعل على الساحة الوطنية!!
لقد كان شُغل الحركة الإسلامية الوحيد إبان الربيع العربي إردنيا وطنيّا بامتياز – كما هو شأنها طيلة عمر وجودها- ونجحت مع القلة القليلة التي معها- بكسر مسلسل الزيادات في الأسعار، أكثر من مرة في تلك الحقبة، وغابت عنها خلالها -تحت إلحاح الحالة الوطنية- قضية فلسطين، وتوقفت أو شبه جُمّدت أقاسامها العاملة ولجانها مدة ثلاث سنوات تقريبا- رغم أنه خطأ فادح- من أجل تعظيم الهمّ الوطني – الذي ما غاب عن الحركة يوما منذ تأسيسها كما أسلفت.
لقد كانت نظرة الحركة للهم الوطني متجاوز للقمة الخبز، وتتعدّاها إلى النهج السياسي والإداري للدولة، والتحذير من الترهل العام الذي أصاب مؤسسات الوطن، وخطر منظومة الفساد المتحكم بالمفاصل التحريكية والتأثيرية في البلاد، والدعوة الواضحة للإصلاحات الشاملة بدءا: بالإصلاحات الدستورية، والأنظمة والقوانين، واستعادة السلطة الشعبية، ممثلة بالبرلمان والأعيان، من خلال قانون انتخاب عادل، وتمثيل شعبي حقيقي وصولا إلى حكومات برلمانية فعليّة، والفصل التام بين السلطات الثلاث، وتلازم السلطة والمسؤولية، وتكافؤ الفرص، وغيرها من مقومات الحكم الرشيد، لكن جُوبِه هذا كله بقُصر النظر، وقصر النَفَسِ، والخذلان الشعبي، بل واعتراض قطاعات واسعة من الناس، وصل إلى حد الأذى البدني والمعنوي، وعلى أعلى المستويات!!
فقد تم في هذه المحطة استهداف المقرات برعاية وإشراف وتوجيه ممنهج، معلوم المصدر، وتمّ الزج به في وجه الحالة الشعبوية المحدودة، تحت غطاء مجموعات الولاء والانتماء والتي تغدو وتروح موصولة بذلك الخيط الدقيق المتحكم بالمشهد، والذي رسّخ لدى العامة -بما يملك من أدوات التأثير- فكرة أن الدعوة للاصلاح خصيم ونقيض للولاء، لا خصيم ونقيض للفساد، كما هو المفترض، ونجح بذلك للأسف، وبدأ مسلسل استهداف الحركة وإغلاق مقارتهات، والعمل على تشظيتها، وإضعافها، ووجد من كوادرها من هو مستعد بحسن نية أو بغيرها لهذه الخطة، التي رجعت بالضرر أول ما رجعت على من صنعوها وعلى الحالة الوطنية برمتها.
مؤسف فعلا أن نسمع هذه النغمة القاصرة للطبيعة العلاقة بين ما هو وطني وعربي وإسلامي، والتي انتقدها دولة أحمد عبيدات في إطلالته الأخيرة منذ الأيام! والتي لاقت رواجا كبيرا، لتشخيصها الحالة الوطنية بدقة، ووضعت الدوائر الحُمر حول العلل الأساسية لهذا الحالة التي وصلنا إليه بدقة.
إن العكوف على العمل الوطني بهذا المفهوم -في ظل المعطيات والعلل التي أشار لها العبيدات- وبمعزل عن قراءة المشهد بكليّته خطأ فادح، مضر بالحالة الوطنية، والواجب الأممي والعربي، تجاه القضايا الكبرى والعادلة للأمة، ذلك أن دول الطوق للكيان الغاصب لفلسطين، مخطط لها أن تظل قابعة تحت خط الفقر، وضغط المعاش، وإحاح الحاجة، والجري وراء اللقمة، لتبقى بعيدة بشكل نهائي عن الهَمِّ السياسي الوطني، وغير الوطني، وأنّ مُجرد تحرُّكها لتجاوز هذا المخطط، سيدخلها في دائرة الفوضى والإرباك، ولا نحتاج دليلا ونحن نشاهد سياق الوضع في سوريا ومصر ولبنان والعراق.
إن ما يمر به الأردن اليوم من ضغوط اقتصادية لم يكن وليد اليوم والليلة، وإنما جاءت ثمرة لسياق متصل عبر أكثر من عقدين من الزمن، وكانت أجندات الحراك الشعبي جاهدة في تلافيها، إلا أنه تم إحباطها -للأسف- لنصل إلى هذه المحطة التي تم فيها إضعاف الحالة الشعبية إلى أبعد مدى، مما سيضعف قدرتها على الصمود لكسر صفقة القرن، التي تستهدف القدس والقضية الفلسطينية، والتي يجيء المؤتمر أعلاه للتأشير على خطورتها، والعمل على بناء وتمتين جدار الصد التوعوي الشعبي اللازم لكسرها وإحباطها.
لا شك أن الحالة الوطنية اليوم تدفع ثمن قبولها لحالة الاستهداف والإضعاف للحركة الإسلامية محليا وإقليميا، والتي ما تزال -رغم ذلك- متماسكة ومتمسّكة بثوابتها وحقوق أمتها وشعوبها، وإن كانت تأثرت في مستوى جاهزيتها المعهودة، ودخلت طور إعادة التموضع، المراقبة ولتطورات المشهد.
سنبقى كلنا في محيط الأقصى والقدس رهن الابتزاز والإلغاء والتهميش والتطنيش، ما دامت قضيتها عالقة أو في طور التآمر والتصفية، وسنبقى نركض وراء اللقمة في كل لحظة، وهي تهرب منا في غير طائل، حتى تفيق الأمة لحالها وتدشن مع نظمها مشروعها، وتنطلق في طريق تكاتفها وتعاضدها، لعبور المضيق، ولن تجد لها مُعينا إلا شعوبها وطليعتها الحركة الإسلامية، التي ما وَنت ولا تأخرت يوما عن واجبها، رغم السهام الظالمة التي تصيب ظهرها مِن عارف أو جاهل، وسندرك في المستويين الشعبي والرسمي فداحة ما يُمارَس ضدها، وفي الليلة الظلماء يقتقد البدر!!