الهرش في الزمن الخرابيشي!

الهرش في الزمن الخرابيشي! / #يوسف_غيشان

كان شقيقي يكره الدراسة (المذاكرة بالمصريّة الفصحى) ، وكانت أصعب أوقاته عندما تجبره الوالدة (الرؤوم) على مراجعة الدروس نظراً لبدء موسم الامتحانات، وكان من العبقريّة بمكان أنّه كان يدرس – أو بالأحرى يحاول أن يدرس – اللغة العربية ليلة امتحان الرياضيات ، والدين ليلة العلوم ، والسبب أنه كان يعتبر الدراسة دراسة ، وكلّه عند العرب صابون ، على راي المثل ، لذلك كان يتناول أقرب كتاب إليه ويشرع في (القراية) على مرأى من الوالدة الأميّة ، بدرجة الشرف .
طبعاً كانت دراسة أخي تبدأ بعد انتهاء المسلسل العربي الذي كان يبثّ على التلفزيون الأردني بعد أخبار الثامنة مساء، لم نكن نملك جهاز تلفزيون، لكنّه كان يتابع الحلقات على شبابيك الجيران. كان من عشاق مسلسل (بنت الحتّة) المصريّ، حيث أضاع سنة كاملة من عمره الدراسي بسببه ، وأذكر أنّ الوالدة الرؤوم كانت تضربه بالقصّيبة، بعد أن أثبتت الشهادة المدرسيّة بأنه راسب بامتياز ، كانت أمّي تضربه وهي تصرخ بتهكّم : ( وين رايح ؟ ع بنت الحتّة، منين جاي؟ من بنت الحتة).
ما علينا !
كلّ ما ذكر أعلاه كان تمهيداً لأخبركم أنّ أخي عندما كان يحاول مسك الكتاب للدراسة كان يصاب بالحكيكة في جميع أجزاء جسمه .. فيمسك الكتاب بيد ، ويهرش باليد الأخرى ( يد تقرأ
و يد تهرش ) ، ثمّ لا يلبث أن يرمي الكتاب ويشرع بالهرش العشوائي بعزم وتصميم قاضٍ عصيّ على الرشوة .. ويقنع نفسه بأنّه حاول الدراسة لكنّ (الهراشة منعته من الدراسة)، فينال أجر المحاولة على الأقلّ .
تذكرت هذه القصة وأنا أتابع الصحف والمواقع الإلكترونية ، حيث بدأت أهرش بيد واحده في البداية ، ثم شرعت أهرش باليدين، وساعدني القلم وفأرة الكمبيوتر وملقط الأرجيلة .. وعرفت متعة الهرش في الزمن الخرابيشي .

  • كنت أقرأ الخبر مكرّراً لدى الجميع .
  • ثمّ اقرأ مقالات تعقب على الموضوع ذاته .. هذا ضدّه و ذاك معه وذكذاك يحاول التوفيق بينهما فلا ينجح .
  • لا نتفق في السياسة ولا في الاجتماع ولا في الاقتصاد .. لا أقصد أنّ نتفق تماماً ، فهذا مستحيل ، لكني أقصد أنّنا لا نتفق على المفاهيم و لا على المبادئ فتصير نقاشاتنا مثل مطحنة القرون .. مجرد جعجعة في جعجعة في جعجعة.
  • حتى أنّنا لا نتفق بين أنفسنا ، فتجد الواحد منّا مخردقاً بالتناقضات المتفقة على تحويلنا إلى شعب مصاب بالفصام الجماعيّ ، فلا هو مع حرية المرأة ومساواتها ، ولا هو ضدّ هذه الحرية والمساواة ، لكنّه يغيّر موقفة بسرعة البرق ، بين المرأة الحبيبة ، وبين المرأة الأخت أو المحرم .. لا بل أسرع من البرق وأكثر خطفاً .
    لا استطيع أن أحدّد موقفاً صارماً أدافع عنه بثقة .. لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في الاجتماع ، فقد ضاعت الطاسة ..( طاسة) راسي أولاً ، ثم الطاسة التي كانوا يقيسون بها المكاييل ، وكانت مخبأة في خزانة الوالي العثماني ، وعندما شكّ الناس في المقاييس الموجودة في السوق ، واعتقدوا أن التجار يغشّونهم ،طلبوا من الوالي إحضار الطاسّة المحفوظة لمقارنتها بالموجود ، فاكتشفوا أنّها مسروقة .. ولا معايير بعد اليوم .
    أنا الآن أهرش وأهرش وأهرش ، وقد عرفت السبب الذي كان يصيب أخي بمتعة بالهرش!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى