
#الهبوط_القسري على الأرض بطائرة عمودية . . !
#موسى_العدوان
تمر في حياة الإنسان تجارب بعضها قابل للنسيان، وبعضها الآخر يُطبع في ذاكرة الإنسان ما دام حيا. إحدى تلك الحوادث الخطيرة، التي خضتها خلال قيادتي للواء القوات الخاصة هي الحادثة التالية :
في النصف الثاني من القرن الماضي، كان يصادف عيد القوات الخاصة بتاريخ 22 نيسان من كل عام، حيث كان يشرّف جلالة الملك حسين طيب الله ثراه، الاحتفال الذي يُقام تحت رعايته في تلك المناسبة. وكان القائد العام الشريف زيد بن شاكر، يدعو شخصيات رسمية مدنية وعسكرية لحضور الاحتفال.
لم تكن هناك اتفاقية سلام بيننا وبين إسرائيل، وكنت أحاول تجهيز قواتي للقتال المحتمل مستقبلا. ففي عام 1981 كنت قائدا للقوات الخاصة، وحاولت أن يكون الاحتفال شاملا لبعض النشاطات التي تُكلف بها عادة القوات الخاصة وقت الحرب. واستعدادا لذلك الواجب المنتظر، كنت أحوّل احتفال العيد إلى نشاطات عسكرية تُظهر للجميع قدراتها القتالية، وتعلّم الجنود وصغار الضباط دروسا عسكرية مفيدة، بدلا من إقامة الخطابات والدبكات وتناول الغداء.
وبناء عليه اخترت في عام 1981 منطقة العالوك، الواقعة إلى الشمال الغربي من بلدة الزرقاء، لإجراء الاحتفال بها. كانت إحدى فقرات الاحتفال تتضمن تمثيلا لمهاجمة هدف في عمق أراضي العدو تنفذه مجموعة من القوات الخاصة. فخصصت لنا قيادة سلاح الجو الملكي، رفّ طائرات مؤلف من ثلاث طائرات هليوكوبتر نوع سيكورسكي، والتي كانت قد دخلت الخدمة حديثا في سلاح الجو، يقود كلا منها اثنان من الطيارين.
أصريت على قائد السرب الذي خُصصت منه الطائرات، أن يكون قائد الرف النقيب الطيار جمال حميد، لما عرفته عنه من كفاءة وجرأة في تنفيذ مثل هذا النوع من العمليات.
وبما أن العملية تتطلب طيرانا منخفضا تحت مستوى شاشات الرادار ( طيران تكتيكي )، وهو أسلوب جديد على الطيارين الأردنيين في ذلك الوقت، فضّلت إجراء التجربة الأولى دون حمل الجنود حرصا على سلامتهم وخوفا من وقوع أي حادث في المرحلة الأولى.
فركبت أنا ومأمور اللاسلكي مع قائد الرف مستخدمين خط الطيران المقرر للعملية، بين الأودية والتي تتخللها بعض أشجار البلوط. أجرينا التجربة الأولى بالطائرات الثلاث بنجاح، إلا أن قائد الرف أقترح عليّ أن نعيد التجربة مرة أخرى، ونحاول الطيران بمستوى أكثر انخفاضا إلى سطح الأرض، لزيادة مهارة الطيارين في أسلوب الطيران التكتيكي.
أعدنا التجربة مرة ثانية . . ولكنني لاحظت بأن الطائرة التي نستقلّها، تكاد مراوحها أن تصطدم في أكتاف الوادي. فحذّرت الطيار من ذلك بواسطة جهاز اللاسلكي الداخلي، وطلبت منه الارتفاع قليلا تجنبا لخطر الارتطام. فأجابني :
يعني خفنا ؟ قلت لا . . ولكن أمننا وأمن الطائرة مهم، فقال لا عليك. وما أن انتهينا من حديثنا . . إلاّ وشعرت بضربة إحدى مراوح الطائرة، بأغصان شجرة بلوط مرتفعة، أدت إلى تكسر أجزاء من أطراف أحدى المراوح، الأمر الذي جعل الطائرة تفقد توازنها وتسقط بقوة على الأرض.
عندها انقلبت أنا ومأمور اللاسلكي من كرسي الطائرة الخلفي وسقطنا في غرفة الطيارين لهول الاصطدام، فغُرست عجلات الطائرة في الأرض، وتكسّر زجاج غرفة الطيارين على الجانبين الأماميين، وأصابها خلل وأعطال كثيرة. وفي تلك اللحظة ونحن ما زلنا في الطائرة، خامرني شعور بأننا ننتظر مصيرنا بعد لحظات، عندما تحترق أو تنفجر الطائرة ونحن بداخلها.
فهُرع ضباط وجنود القوات الخاصة المتواجدين قريبا من المكان، وفتحوا أبواب الطائرة لنخرج منها سالمين، قبل أن يتطور الوضع، شاكرين الله الذي قدر ولطف في نجاتنا من الحادث. أمّا قائد سلاح الجو الملكي اللواء المهندس تيسر زعرور، فقد توعد قائد الطائرة بالمحاكمة.
في اليوم التالي، تم استبدال الطائرة بغيرها من نفس النوع. واستمرينا بإجراء التمرين لبضعة أيام، إلى أن تم الاحتفال بنجاح في موعده المحدد، بحضور جلالة الملك المعظم وضيوفه. وفي خلال الاحتفال، أخذت الطيار معي وقدمته لجلالة الملك، طالبا حمايته من محاكمة قائد سلاح الجو له بسبب ما حدث، لكونه كان يحاول تطبيق درسا عسكريا جديدا في الطيران التكتيكي، فتلطف جلالته بالسماح عنه بشرط أن لا يكررها مرة أخرى.
ولكن قائد سلاح الجو، رغم موافقته الشكلية لرغبة جلالته، إلاّ أنه ذخرها للطيار، وبعد أن نُقلت من القوات الخاصة، وعُينت ملحقا عسكريا في بريطانيا، نفّذ قائد سلاح الجو محاكمة الطيار، كي لا تكون تلك الحاثة سابقة لغيرها من الطيارين.
رحم الله جلالة الملك حسين واللواء تيسير زعرور، وجميع من توفاهم الله . . ممن شاركوا في ذلك الاحتفال . . وأطال بعمر من هم على قيد الحياة.
التاريخ : 17 / 12 / 2025