
#النهضة_الفكرية .. بداية الحل
مقال الإثنين: 25 / 8 / 2025
بقلم : د. #هاشم_غرايبه
يعزى فشل تجربة الثورات العربية عام 2011 الى عدة أسباب، أهمها أن الانتفاضة كانت شعبية عفوية غير منظمة، ومع وجاهة دوافعها كمبرر للثورة، وهي الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي راكمها فشل الأنظمة العربية في كل المجالات، إلا أن عدم مواكبة المفكرين لهذه التغيرات وعدم تفاعلهم مع الجماهير واندماجهم في حركتها، أفرغ هذه الانتفاضة من وقودها الفكري، وهو اللازم لإدامة الزخم حتى استكمال الهدف من التغيير.
لعل هذه المفارقة، وهي ان وعي الجماهير سبق الإعداد الفكري والتهيئة النضالية، قد أدى الى سرعة سقوط الأنظمة التي كانت تظن أنها بمأمن معتمدة على أجهزة أمنية متمكنة، فلم تتنبه الى تلك القوة الهائلة الكامنة في نفوس من كانت تظن أنهم قد استكانوا وخنعوا بفضل قمع الأجهزة المخابراتية، واطمأنت الى الرعب الذي أشاعته أجهزتهم السرية في المعارضة المنهكة.
بعد تجارب الشعوب العربية مع الأنظمة الحاكمة، وصلت الى قناعة بأنها إما أنها هي صانعة الواقع العليل، والمستفيدة من بقائه على حاله، أو أنه مفروض عليها صنعه من القوى الكبرى وبالتالي فإدامته ثمن بقائها، لذا فمن العبث انتظار أن تقوم الأنظمة بالإصلاح ذاتيا، وستبقى أية إجراءات بمنح الشعب نزرا بسيطا من حقوقه الأساسية، ما هي إلا لامتصاص النقمة، بدليل أن الاصلاحات تأتي بالقطارة، وحسب قوة الضغط الشعبي وليست ضمن برنامج اصلاحي واضح التفاصيل.
لذلك فارتقاء الأمم لا يتم إلا بابتدائها بالنهضة الفكرية.
لنستعرض أهم التجارب الانسانية الحديثة:
التجربة اليابانية: بعد هزيمة اليابان عسكريا، تداعى مفكروها فوراً للإضطلاع بدورهم للنهوض بأمتهم، قاموا بمراجعة شاملة لمنظومة القيم، وابتدءوا بتعديل القيم التربوية المعنية بالطفل، فأزالوا منها ما كان فيه تعالٍ على الآخر، أو معززا للفوارق الاجتماعية واحتقار العمل اليدوي، وعظموا قيم الولاء للوطن وليس للإمبراطور، ولم يتعرضوا للمعتقد الديني السائد رغم تعارضه مع العقل، لأنهم استثمروا بكونه موحدا للأمة، على الصعيد الاقتصادي اتبعوا منهجا يعتمد على القطاع الخاص والملكية الفردية لكن تحت رقابة صارمة من جهاز رسمي متخصص، وهو ذاته المفهوم الاسلامي للإقتصاد.
التجربة الأوروبية: رغم أن الأوروبيين أمم متناحرة، إنما يشتركون في سعيهم المحموم لامتلاك القوة بهدف الاستحواذ على ما لدى الآخرين، بعد قرون من التقاتل البيني المنهك، توصلوا الى أن توحدهم ضد الآخر أجدى.
فكان لا بد من مرتكز عقدي ترتكز عليه ثقافتهم والتي هي عماد الحضارة، فعادوا الى المعتقد الديني الذي كانوا أفرغوه من مضمونه بالعلمانية، فاعتمدوا المسيحية كثقافة جامعة لكل الأمم الأوروبية، لذلك وخوفا عليها رفضوا دخول تركيا الاتحاد الأوروبي.
مما سبق يتبين أنه ما من أمة تمكنت من الوصول الى مراتب متقدمة بين الأمم إلا وكان العامل الأول لذلك هو نهضة فكرية جامعة على مرتكزات موحدة، مهدت الى تغييرات راديكالية ومكنت الشعوب من نيل حقوقها.
ربما إذاً كان من اسباب فشلنا هو التيه الفكري بين متبعي مناهج ثلاث: الماركسي والقومي والاسلامي.
أتباع المنهج الماركسي فشلوا في اقناع الشعوب العربية به، خاصة بعد فشله الذريع في موطنه الأصلي، ولأنهم يدركون استحالة اتباع الأمة له، لذلك فإن جهودهم تقتصر على ممانعة النهضة وفقا للمنهج الإسلامي.
كما فشل أتباع المنهج القومي بجعل منهجهم عقيدة بديلة للإسلام، لأنه اعتمد قيم الزعامة الفردانية، ولأن النزعة العروبية لا يمكن أن تحل محل العقيدة، لذلك لازم الفشل كل الأنظمة العربية التقدمية منها والرجعية.
أتباع المنهج الاسلامي رغم أنهم يرتكزون الى التجربة الوحدوية الأنجح والأطول في التاريخ، والوحيدة التي دمجت عدة قوميات، ودامت ثلاثة عشر قرنا، إلا أنهم قاعدون، لا يقدمون غير الدعاء بانتظار أن يأتيهم نصر الله بلا تضحيات.
مما سبق نتوصل الى أنه للخروج من واقع التخلف الذي نعيشه لا بد من النهضة الفكرية كأساس وموجه لأي مشروع للخلاص والارتقاء.
والخطوة الأولى التوافق على منهج واحد، والمؤهل الوحيد والمجرب هو الإسلام.
فالمطلوب من مفكرينا ومثقفينا التوجه جميعا نحو منبع الحق والعدالة والمساواة: القرآن الكريم.
فمنه تستلهم أسس الفلاح، ومن أحكامه تستخلص الدساتير الحكيمة والقوانين العادلة.
ومنه فقط يبدأ بناء فكر مشروع النهضة.