النمر والحمار
م. أنس معابرة
يحكى أنه في #مدينة نائية تدعي #يوتوبيا؛ أو #المدينة_الفاضلة كما كان يحب #أفلاطون أن يسميها، حيث الجميع يعرف واجباته جيداً ويقوم بها، والكل يعرف حقوقه وينالها، #العدالة هناك هي أساس الحكم، و #الظلم غائب عن المدينة تماماً، يحكى أن حماراً كان مستلقياً الى جانب #النمر في فترة ما بعد الغداء، ويستمتعان بالهواء النقي والطقس الجميل.
قال #الحمار: يا الله! ما أجمل العشب الأزرق، فرد عليه النمر: هل أصبت بعمى الألوان أيها الرفيق؟ فالعشب أمامك أخضر اللون لامعه، فقال الحمار: ما الذي تقوله يا هذا؟ هل لديك شك بأن العشب أزرق اللون تماماً كلون السماء؟
المهم أن كلاهما أصرَّ على رأيه، الحمار يُصر بزرقة العشب، بينما النمر يؤكد على لونه الأخضر، وفي النهاية لم يجدا بُدَّاً من الإحتكام الى ملك الغابة؛ الأسد الهصور.
جلس الأسد أمام عرينه وقد بدأ بتناول بعض الفاكهة بعد وجبة الغداء الدسمة، فجاءه الحمار والنمر وقد سبقتهما أصواتهما اليه، وما إن وصلا اليه حتى بادر الحمار بسرد ما حصل من خِلاف بينه وبين النمر حول لون العشب.
تثائب الملك عدة مرات خلال سماعه للقصة، ثم تثائب مرة أخرى قبل أن ينطق بالحكم الذي لا رجعة فيه قائلاً: أنا أجد أن الحمار على حق، والنمر مخطئ بشدة، ولا بد أن يُعاقب بالصمت التام لمدة ثلاثة أيام، ثم نادى على الحاجب ليعلن مقاطعة الجميع للنمر لمدة ثلاثة أيام، وأن يُمنح الحمار وجبة إضافية خلال تلك الأيام الثلاثة.
فرح الحمار بهذه الأخبار السارة، قبَّل الأرض بين يدي الملك، ثم إنصرف وهو يقفز من الفرح، بينما لا يزال النمر جامداً في مكانه من الصدمة، فإقترب من الأسد وقال: أيها الملك، هل أنت جاد في هذا الحكم؟ هل تقول بأن العشب أزرق؟
قال الأسد: طبعاً لا، هل لديك شك أيها الزميل بأن العشب أخضر؟ ولو سألتّ جميع زملاءنا في الغابة لإتفقوا على أن العشب أخضر. بدت الحيرة واضحة على وجه النمر، فبادر مليكه بالقول: ولكنك حكمتَ في القضية للحمار، ورتَّبت عليّ عقوبة كبيرة بسبب الإختلاف على لون العشب.
قال الملك: كلا؛ لم يكن ذلك الحكم بسبب لون العشب، ولكنك تستحق أن تصمت لمدة يومين لأنك وافقت على أن تدخل في مناقشة مع حمار في موضوع تافه، أما اليوم الثالث من العقوبة؛ فهو بسبب أنك أزعجت الملك بخصوص موضوع كهذا.
على الرغم من أسطورية القصة ونسقها الخيالي والذي حبكتُ معظمه من دماغي؛ إلا أنني أجد فيها الكثير من العظة والعبرة، ولأن الأدب على لسان الحيوانات له دور كبير في الكتابة الرمزية، والإشارة والتمويه، تماماً كما فعل أبن المقفع في كتابه الشهير الكبير، والذي أحبه كثيراً؛ “كليلة ودمنة”.
لماذا تلقي بنفسك في المستويات الدنيا بدخولك في حوارات تافهة؟ ولم ترض بأن تضع نفسك في موضع محرج بأن تقبل النقاش حول قضية أنت تعلم جيداً أنك على حق وصاحبك مخطئ؟
بعض البشر يجادلون في أي موضوع، كلون أعمدة السماء، أو إمكانية السير على الغيوم، أو حتى إمكانية التحدث مع الدودة الشريطية في أمعائه الدقيقة، المهم أن يجادل من أجل الجدال فقط، ومن أجل أن يُسمِع الآخرين صوته، وربما كان يرفع شعار: “أنا أجادل إذن أنا موجود”.
حافظ على نفسك كريمة مصانة عن الدخول في جدالات أن تعرف جوابها مُسبقاً، وتغيير رأي جليسك لن ينفعك في شيء، وأنا متأكد أنك لن تجني من ذلك الجدال إلا الصداع والضيق والتعب.