النكتة الأردنية وفكرة التنوع الثقافي
النكتة جزء من الادب الشفوي لأي مجتمع ،فهي بهذا المعنى من أشكال المنتج الثقافي للإنسان يسعى من خلاله ليس فقط الى إدخال البهجة الى نفوس المجتمع الذي يعيش فيه،بل هي نتاج مفارقة قد تعين على كشف النقاب عن سجايا ومسلكيات مجتمع ما،بحيث ان هذه النكتة قد تكون مفتاحا لدراسة نفسية شعب وسلوكياته على نحو عفوي صادق علاوة على انها تكتنز النقد من داخل المجتمع على المجتمع ذاته.
والنكتة ربما خدمها التظورات التكنولوجيا أكثر من سواها من أشكال التراث والادب الشفوي باعتبار ان التكتولوجيا بوسائلها فائقة السرعة ساهمت وتسهم في نقل هذا الشكل الثقافي وانسيابه على نحو يجعله في متناول الجميع ،بل أن النكتة طالت التكنولوجيا على نحو ملحوظ فلم تنج وسائل التكنولوجيا من نقد المجتمع وتهكمه لما تحمله أيضا من مفارقات،واشير هنا الى نكتة”كمبيوتر شَوب…فتح الويندوز”،ايضا”واحد حاط الخلوي خارج الشباك ليش؟بستنى مكالمة خارجية”.
المسألة مهمة إذن فهي تتعلق بنمط من الادب الشعبي ينتشر في كل العالم،من خلاله نستطيع رصد حراك مجتمع ما والتأريخ أحيانا لمرحلة تاريخية محددة. فالنكتة ليست دائما من وحي الخيال ،بل هي موجهة ومقصودة وإن ربطت بين الخيال والواقع في كثير من الاحيان. والنكتة باستخدامها اللغة الدارجة للمجتمع تعلمنا بعض الالفاظ والمفردات من ذات لغتنا،فهي بهذا المعنى تعرفنا بنا وبذواتنا، وتسهم في مد معرفتنا بالتنوع الثقافي الذي يكتنز مجتمعاتنا،خاصة وأن كثيرا من النكات قد تكون مخصصة لأهل منطقة بعينها،فالمسألة ليست مجرد آداب محكية مغرقة في المحلية والانغلاق على جماعة بشرية فحسب يمكن ان تمر بسهولة على المجتمع بقدر ما هي عناوين مهمة يمكن من خلالها قراءة مجتمع ما في واقعه،او قراءة مرحلة تاريخية لمجتمع ما من خلال هذا الشكل الادبي الثقافي.
الطريف في موضوع النكتة أنها تشيع على لسان معظم فئات الناس من ظرفاء وأذكياء وعقلاء ومغفلين ومجانين. لذلك تراوحت موضوعاتها وأحداثها بين الجدية والهزلية والصحيح والخطأ والحادث وغير الحادث. وقد يكون موضوعها سخيفا أو مبتذلا أو مرذولا. اما من يؤلفون النكت فهم أصحاب بدائه متوقدة وذكاء لافت وثقافة عالية ذلك ان أجوبتهم ينبغي أن تكون حاضرة وسريعة .
التنوع الثقافي يفرض على الدول أن تعيد حساباتها من جديد في التفكير بالحصون الثقافية التي تحمي المجتمعات من الذوبان السهل في محيطات الثقافات السائدة والمؤثرة في العالم،ومن هنا نعيد التأكيد على فكرة عمل مكانز للتراث والاداب المحلية،والمكنز ليس فقط هو عمل سجلات لهذا النوع من الثقافة المتناثر بين الكتب ومواقع الانترنت ومسجات الخلوي، بل هناك من يسمون عالميا بالكنوز البشرية ،وهم اشخاص لديهم قدرة هائلة على حفظ هذه النكت وليس هذا فحسب بل فقط ترديدها باسلوب معين،فالنكتة ليست قولا جامدا بل تتطلب أسلوبا فنيا لبثها، لأن هناك كثيرا من النكت قد تكون جميلة في معناها وروحها الفكاهية لكنها تضيع نتيجة القائها بصورة غير حسنة او من شخص ليس لديه ديناميكية الالقاء لهذا النوع الادبي.ومن هنا مهمة المعنيين البحث عن هؤلاء من منطلق إلاسهام في جمع هذا النمط وتوثيقه والمحافظة عليه،فهذا التراث الشعبي في الاردن ينتظر من يقوم بجمعه قبل أن يندثر نتيجة التحولات الاجتماعية المتسارعة وتأثيرات العولمة الجارفة.
هناك خطط عديدة لاستخدام وسائل التقانة والاتصال الحديثة يمكن استثمارها والافادة منها في المحافظة على هذا النمط الادبي انطلاقا من اهمية دعم المنتج الثقافي والمحافظة عليه من منطلق تغير مفهوم الثقافة بوصفها باتت صناعة تتجاوز ما كان سائدا ،ومن هنا فعلى المجتمعات والحكومات أن تدرك في ظل العولمة اهمية الانفتاح على الثقافات الاخرى بالالتفات الى ثقافتها الذاتية وتعميقها واثرائها وتقديمها وفق الوسائل الحديثة،ولاننسى أن هناك مجتمعات استغلت ادابها وثقافتها الشفوية وحولتها الى صناعة ساهمت في زيادة دخلها القومي بل باتت رافدا هاما لاقتصاداتها.
rhyasen@hotmail.com