النظام الكهربائي للقلب
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ )
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
قد يجهل كثير من الناس حتى في هذا العصر حقيقة أن الكائنات الحية لا يمكن لها أن تعيش أبدا بدون الكهرباء. وإذا كان البشر قد تمكنوا فقط في عام 1800م من تصنيع أو مصدر لتوليد الطاقة الكهربائية وهي البطارية فإنه في المقابل نجد أن كل خلية من خلايا الكائنات الحية تحتوي على بطارية كهربائية بدونها لا يمكن للخلية أن تقوم بوظائفها أبدا وبالتالي لا يمكن للكائنات الحية أن تعيش. فالغشاء الخلوي لكل خلية حية يعمل كمكثف لتخزين الطاقة الكهربائية منتجا ما يسمى بالجهد الغشائي (Membrane potential) تتراوح قيمته بين 40 و 80 ملليفولت وذلك حسب نوع الخلية. ويستخدم هذا الجهد الغشائي لتنظيم حركة أيونات مختلف أنواع العناصر والمركبات من وإلى الخلية من خلال قنوات أو بوابات مزروعة في الغشاء كالبوابات المحكومة بالجهد (voltage-gated channels) والمضخات الأيونية (ion pumps) والبوابات الأيونية (ion channels). وكذلك فإن الجهازين العصبي والعضلي في الحيوانات لا يمكنهما العمل إلا من خلال توفر نبضات كهربائية تعمل على نقل المعلومات في الجهاز العصبي وانقباض العضلات في الجهاز العضلي حيث أن خلاياهما من النوع المسمى بالخلايا المثارة بالكهرباء (electrically excitable cells). أما إبداع الخالق سبحانه وتعالى فيتجلى في تصميم النظام الكهربائي للقلب الذي يعمل على تشغيل عضلات القلب بشكل منتظم ومتواصل ودون توقف لما يزيد عن مائة عام في الإنسان. ويستخدم هذا النظام الكهربائي نفس الدوائر الكهربائية التي اخترعها المهندسون الكهربائيون في مطلع القرن العشرين فقط والتي أحدثت ثورة في حياة البشر في مجال الاتصالات والحواسيب والتحكم والأجهزة الطبية والتي أهمها المضخمات (amplifiers) والمذبذبات (oscillators) وخطوط النقل (transmission lines). فالعقدة الجيبية في القلب تعمل كمولد للنبضات (pulse generator) والعقدة الأذينية البطينية تعمل كمضخم (amplifier) وكمرحل تأخير زمني (time-delayed relay) ومسارات التوصيل (conducting tracks) تعمل كخطوط نقل. إن اكتشاف علماء البشر لهذه المعجزات في تصميم مختلف أجهزة أجسام الكائنات الحية وخاصة الإنسان جاء تصديقا للنبوءة القرآنية في قوله تعالى “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)” فصلت وقوله تعالى “وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)” النمل.
يتكون الجهاز الدوري (circulatory system) أو الجهاز القلبي الوعائي (cardiovascular system) من ثلاثة مكونات رئيسية وهي القلب والأوعية الدموية والدم. ويعتبر القلب (Heart) أهم مكونات الجهاز الدوري وهو يعمل كمضخة ميكانيكية (Mechanical pump) تقوم بضخ الدم إلى مختلف أنحاء الجسم ويتراوح وزنه بين 250 و 350 غرام في الإنسان. ويتكون القلب من نسيج عضلي مجوف مقسوم إلى تجويفين رئيسين يفصل بينهما حاجز سميك يسمى الوتيرة (septum) ويوجد في كل تجويف حجرتان (chambers) حجرة علوية تسمى الأذين (atrium) وحجرة سفلية تسمى البطين (ventricle) أي أنه يوجد في القلب أربع حجرات أذينين وبطينين. فعند انبساط القلب (heart relaxing) يقوم الأذينان باستقبال الدم العائد من الجسم والرئتين أما عند انقباض القلب (heart contracting) فإن الأذينين يقومان أولا بضخ الدم المتجمع فيهما من الأوردة إلى البطينين ثم يقوم البطينان بضخ الدم إلى الجسم والرئتين. فالبطين الأيسر يقوم بضخ الدم المحمل بالأوكسجين لجميع أنحاء الجسم وبضغط يصل إلى 120 ملليمتر زئبق بينما يضخ البطين الأيمن الدم المحمل بثاني أكسيد الكربون إلى الرئتين فقط وبضغط يصل إلى 25 ملليمتر زئبق. ولهذا نجد أن سماكة جدار البطينان أكبر بكثير من سماكة جدار الأذينان وكذلك سماكة جدار البطين الأيسر يصل إلى ثلاثة أضعاف سماكة جدار البطين الأيمن.
وينفتح الأذين الأيمن على البطين الأيمن من خلال صمام يسمح بمرور الدم من الأذين إلى البطين فقط وهو الصمام ثلاثي الشرف (tricuspid valve) بينما ينفتح الأذين الأيسر على البطين الأيسر من خلال صمام يسمح بمرور الدم من الأذين إلى البطين فقط وهو الصمام التاجي (mitral valve) أو ثنائي الشرف (bicuspid valve). وتنفتح كل حجرة من حجرات القلب الأربع على وعاء دموي أو أكثر حيث يطلق على الأوعية المتصلة بالبطينين اسم الشرايين (arteries) وعلى الأوعية المتصلة بالأذينين اسم الأوردة (Veins) . فالبطين الأيسر ينفتح على شريان واحد وهو الشريان الأبهر أو الأورطي (aorta) وذلك من خلال صمام يسمح بمرور الدم من البطين الأيسر إلى الشريان الأبهر وهو الصمام الأورطي أو الأبهري (aortic valve) أثناء انقباض القلب. وينغلق هذا الصمام عند انبساط القلب ليمنع رجوع الدم من الشريان الأورطي إلى البطين الأيسر مما يحافظ على ضغط عالي للدم في الشرايين وكذلك ليسمح في انسياب الدم العائد من الرئتين من الأذين الأيسر إلى البطين الأيسر. أما البطين الأيمن فينفتح على شريان واحد أيضا وهو الشريان الرئوي (pulmonary artery) وذلك من خلال صمام يسمح بمرور الدم من البطين الأيمن إلى الشريان الرئوي وهو الصمام الرئوي (pulmonary valve) أثناء انقباض القلب. وينغلق هذا الصمام عند انبساط القلب ليمنع رجوع الدم من الشريان الرئوي إلى البطين الأيمن مما يحافظ على ضغط عالى للدم في الشرايين الرئوية وكذلك ليسمح في انسياب الدم العائد من الجسم من الأذين الأيمن إلى البطين الأيمن. أما الأذين الأيمن فينفتح على وريدين بدون صمامات وهما الوريد الأجوف العلوي (superior vena cava) الذي يدخل الأذين من أعلاه والوريد الأجوف السفلي (inferior vena cava) الذي يدخل الأذين من أسفله. وأما الأذين الأيسر فينفتح على أربعة أوردة وبدون صمامات كذلك وهي الأوردة الرئوية حيث يخرج من يمين الأذين وريدان يذهبان للرئة اليمنى ويخرج من يسار وريدان يذهبان للرئة اليسرى . وعلى هذا يوجد في القلب أربعة حجرات وأربعة صمامات ويخرج منه ثمانية أوعية دموية منها شريانين اثنين وستة أوردة.
يقوم القلب بتنفيذ دورتين للدم بالتزامن وهما الدورة الدموية البدنية وفيها يخرج الدم المؤكسد (oxygenated blood) من البطين الأيسر عند إنقباض القلب إلى جميع أعضاء الجسم عبر الشريان الأورطي (aorta) ثم يعود دما غير مؤكسد (deoxygenated blood) عبر الوريدين الأجوفين (venae cavae) إلى الأذين الأيمن ومنه إلى البطين الأيمن عند انبساط القلب. وأما في الدورة الدموية الرئوية (Pulmonary circulation) فإن الدم غير المؤكسد يخرج من البطين الأيمن عند انقباض القلب إلى الرئتين (lungs) عبر الشريان الرئوي (pulmonary artery) ثم يعود دما مؤكسدا عبر الأوردة الرئوية الأربع (pulmonary vein) إلى الأذين الأيسر ومنه إلى البطين الأيسر عند انبساط القلب. ويعمل القلب في هذه الدورات كمضخة مزدوجة للدم من خلال الانقباض والإنبساط المتعاقب لعضلاته المختلفة بتزامن منقطع النظير وبمعدل يبلغ في المتوسط 70 نبضة في الدقيقة عند الإنسان البالغ ولكن يمكن زيادة أو إنقاص معدل النبض تبعا لحالة وطبيعة الجسم. ويضخ القلب الدم بمعدل يبلغ متوسطه 70 مللي لتر في كل نبضة من نبضاته أي ما يعادل خمسة لترات في الدقيقة عندما يكون الجسم في حالة الراحة وتزداد كمية الضخ كلما زادت حركة الجسم وقد تصل إلى ثلاثة أضعاف الكمية الطبيعية. وبسبب هذا الجهد الكبير الذي يبذله القلب فإنه يستهلك ما يقرب من سبعة بالمائة من كامل الأكسجين الذي يحمله الدم رغم أن وزنه لا يتجاوز نصف بالمائة من وزن الجسم.
وعندما ينقبض القلب فإن عضلاته لا تنقبض في نفس اللحظة فأول ما يبدأ بالانقباض عضلات الأذينين فيفرغان ما تجمع فيهما من الدم القادم من الأوردة في البطينين. وبعد مرور ما يقرب من عشر ثانية تنقبض عضلات البطينين ابتداء من عضلاتها السفلى وترتخي عضلات الأذينين فتنغلق الصمامات التي بين البطينات والأذينات وينفتح كل من الصمام الأبهري والصمام الرئوي فيندفع الدم المؤكسد بقوة من البطين الأيسر إلى جميع أنحاء الجسم والدم غير المؤكسد من البطين الأيمن إلى الرئة. وفي الحقيقة فإن القلب يحتوي على أربع مضخات مضختين ضعيفتين تدفعان الدم من الأذينات إلى البطينات ومضختين قويتين أحدهما تدفع الدم من البطين الأيسر إلى مختلف أنحاء الجسم وهي الأقوي والأخرى تدفع الدم من البطين الأيمن إلى الرئة فقط. وفي حالة ارتخاء القلب يكون ضغط الدم في داخل الحجرات قريبا من الصفر فينغلق الصمام الأبهري والصمام الرئوي وينفتح الصمامان الاخران فيملأ الدم غير المؤكسد العائد من الجسم الأذين الأيمن ثم ينساب إلى البطين الأيمن ويملأ الدم المؤكسد العائد من الرئتين الأذين الأيسر ثم ينساب إلى البطين الأيسر.
يقوم النظام الكهربائي للقلب (heart’s electrical system) والذي يسمى أيضا نظام التوصيل القلبي (cardiac conduction system) بالتحكم بحركة عضلات القلب بشكل دوري ومنتظم من خلال مجموعة من العقد والمسارات العصبية المزروعة في داخل جدرانه. إن العقدة الرئيسية في القلب هي العقدة الأذينية الجيبية (Sinoatrial (SA) node) وهي عقدة عضلية عصبية كبيرة مغروسة في الجدار العلوي للأذين الأيمن بجانب الوريد الأجوف العلوي. وتعمل هذه العقدة كمولد للنبضات (pulse generator) أو ما يسمى في الهندسة الكهربائية بالمهتز اللامستقر (Astable multivibrator) حيث تقوم بتوليد نبضات كهربائية بمعدل منتظم يتراوح بين 60 و 100 نبضة في الدقيقة في الإنسان البالغ. ويخرج من هذه العقدة الجيبية أربعة مسارات عصبية ثلاثة منها هي المسارات بين العقدية (internodal tracts) وهي موزعة في جدار الأذين الأيمن وتعمل النبضات المنبعثة من هذه المسارات على إنقباض عضلات الأذين الأيمن. أما المسار الرابع الخارج من العقدة الجيبية فيذهب إلى الأذين الأيسر ويسمى بحزمة باخمان (Bachmann’s bundle) وهي تعمل على إنقباض عضلات هذا الأذين. وتجتمع المسارات بين العقدية في العقدة الأذينية البطينية (atrioventricular (AV) node) التي تقع في الجدار الداخلي الفاصل بين الأذين والبطين الأيمنين . إن المهمة الرئيسية للعقدة الأذينية البطينية هي العمل كمضخم (amplifier) ومرحل تأخير زمني (time-delay relay) أو ما يسمى بالمهتز أحادي الاستقرار (monostable multivibrator) يقوم بتأخير وصول النبضات الكهربائية التي تولدها العقدة الجيبية بمقدار عشر ثانية ثم إرسالها بعد تضخيمها إلى عضلات البطينين. ويتم إرسال النبضات الخارجة من العقدة الأذينية البطينية من خلال ليف عصبي يسمى حزمة هيس (His bundle) تقع في الجزء العلوي من الجدار الفاصل بين البطينين والتي تتفرع إلى فرعين أحدهما يذهب إلى عضلات البطين الأيمن (right bundle branch) والآخر إلى عضلات البطين الأيسر (left bundle branch). ويبدأ هاذان الفرعان الرئيسيان بالتفرع إلى أفرع صغيرة تغطي كامل عضلات البطينين ابتداءا من القاعدة وذلك لضمان إنقباض قاعدة البطينين قبل جوانبهما وذلك لكي يتم ضخ الدم بأعلى كفاءة ممكنة.
ونظرا لخطورة تعطل العقدة الجيبية عن عملها في توليد النبضات فإن النظام العصبي في القلب قد تم تصميمه بحيث تحل العقدة الأذينية البطينية محل العقدة الأذينية الجيبية في توليد النبضات في حالة تعطلها ولكن بمعدل يتراوح بين 40 و 60 نبضة في الدقيقة. وفي حال تعطل العقدة الأذينية البطينية تستلم حزمة هيس مهمة توليد النبضات ولكن بمعدل يتراوح بين 30 و 40 نبضة في الدقيقة. وفي حال تعطل العقد الثلاث فإن جميع خلايا القلب العضلية قادرة على توليد نبضات كهربائية ولكن بمعدل منخفض جدا يتراوح بين 20 و 30 نبضة في الدقيقة ولكنها كافية لاستمرار حياة الإنسان لفترة قصيرة إلى حين تصحيح الخلل الحاصل في العقد القلبية الثلاث. وللعلم فإن معدل النبض إذا قل عن 35 إلى 40 نبضة في الثانية فإن حياة الإنسان لن تطول كثيرا بسبب قلة حجم الدم الذي يمكن أن يضخه القلب لأجهزة الجسم وخاصة الدماغ. ولضمان وصول النبضات الكهربائية إلى عضلات الحجرات الأربع للقلب في الوقت المحدد لها فإنه قد تم تقدير سرعات الانتشار في مسارات التوصيل المختلفة بدقة بالغة. إن سرعة الانتشار في الخلايا العضلية تبلغ نصف متر في الثانية وبما أن العقدة الجيبية موجودة في الأذين الأيمن كان لزاما أن يتم نقل نبضاتها إلى الأذين الأيمن من خلال حزمة باخمان (Bachmann’s bundle) وبسرعة انتشار تبلغ مترين في الثانية لكي يتم انقباض الأذينين في نفس اللحظة. وكذلك وبسبب كبر حجم البطينين تم زيادة سرعة انتشار النبضات في مسارات التوصيل الخارجة من حزمة هيس والمنتشرة في عضلات البطينين إلى أربعة أمتار في الثانية لكي يتم انقباضهما جميع عضلاتها ضمن فترة زمنية محددة.
إن توليد النبضة الكهربائية في العقدة الجيبية وتوقيت وصولها إلى مختلف عضلات القلب يتطلب تقديرا بالغا لكي تعمل المضخات الأربع في القلب على الوجه المطلوب ووفق الترتيب الزمني المراد. فعندما تقوم العقدة الجيبة بتوليد النبضة الكهربائية فإنها تنتشر في عضلات الأذينين فينقبضا ليفرغا ما فيهما من دم في البطينين. وأثناء ذلك تكون النبضة قد سرت باتجاه العقدة الأذينية البطينية من خلال ثلاث مسارات فتصلها بعد مرور 30 مللي ثانية وتقوم هذه العقدة بتوليد نبضة كهربائية جديدة ولكن بعد تأخير زمني يبلغ 100 مللي ثانية أي أن النبضة ستتولد بعد مرور 130 مللي ثانية من حدوث نبضة العقدة الجيبية وخلال هذا الوقت يكون الأذينان قد انبسطا بعد انقباضهما وأكملا مهمتهما. إن النبضة التي تولدها العقدة الأذينية البطينية تنتشر بسرعة عالية نسبيا تبلغ أربعة أمتار في الثانية في الألياف العصبية المرتبطة بعضلات البطينين فتعمل على انقباضهما بشدة ليضخا ما فيهما من دم إلى الجسم وإلى الرئة. وتستغرق عملية إنقباض البطينين أقل من عشر ثانية بينما يبقى في حالة الإرتخاء أو الراحة لما يقرب من سبعة أعشار الثانية حيث يستجمع القلب خلالها قواه ويحصل على الطاقة اللازمة لإحداث الإنقباض التالي كما هو مبين في مخطط القلب الكهربائي (electrocardiogram (ECG or EKG)). وعندما نتفحص مسار الألياف العصبية في جدار البطينين نجد أن هذا المسار يعمل على انقباض عضلات أسفل البطينين قبل عضلات الجوانب لكي يضمن ضخ الدم إلى الأعلى ولا ينحبس في داخلهما.
وترتبط العقدة الجيبية وكذلك العقدة الأذينية البطينية بمركز تنظيم نبضات القلب (cardiovascular centre) الموجود في النخاع المستطيل (medulla oblongata) من جذع الدماغ (Brain stem). ويقوم هذا المركز بزيادة نبضات القلب من خلال الألياف العصبية الودية (Sympathetic nerves) أو خفضها من خلال الألياف العصبية غير الودية (Parasympathetic nerves) وذلك تبعا لنشاط الجسم أو غير ذلك من المؤثرات الخارجية والداخلية. وتتم عملية تحكم الدماغ بالقلب من خلال القياسات التي تقوم بإرسالها مستقبلات الضغط (baroreceptors) والمستقبلات الكيميائية المركزية والطرفية ( central or peripheral chemoreceptors ) الموجودة في جدران القلب والشرايين الرئيسية وكذلك مركز التحكم. وتقوم هذه المستقبلات بقياس ضغط الدم وكمية الأوكسجين وثاني أكسيد الكربون ومعامل الحموضة وإرساله إلى مركز التحكم الذي يقوم بدورة بمعالجة المعلومات وإرسال إشارات تحكم إلى العقد القلبية لتنظيم معدل نبضات القلب.
تتكون العقدة الجيبية من نسيج عضلي عصبي (muscle and nervous tissue) وهي على شكل شريحة مستطيلة قد يصل طولها إلى ثلاثين ملليمتر وعرضها سبعة ملليمترات وعمقها ملليمترين وهي معزولة كهربائيا بطبقة من الخلايا الخاصة (paranodal cells) لكي لا يتم التشويش عليها من الإشارات الكهربائية المتولدة من خلايا القلب الأخرى. وتقوم خلايا هذا النسيج عند انقباضها وأنبساطها بتوليد نبضات كهربائية بشكل متكرر ومتواصل وبمعدل تم تحديده بتقدير بالغ لكي يتمكن القلب من ضخ كمية الدم الكافية لحاجة الجسم. ويتم توليد النبضات الكهربائية في العقدة الجيبية من خلال توليد ما يسمى بجهد الفعل (action potential) وهو عبارة عن تغير مفاجيء في مقدار وكذلك إتجاه فرق الجهد بين سطحي الغشاء الخلوي لخلايا العقدة. ومن المعلوم أنه يوجد بين سطحي الغشاء الخلوي لجميع الخلايا الحية فرق جهد غشائي ( membrane potential) تتراوح قيمته بين سالب أربعين وسالب ثمانين مللي فولت أي أن جهد السطح الداخلي للغشاء أخفض من جهد السطح الخارجي. ويستخدم فرق الجهد هذا في الخلايا الحية لمنع حركة مختلف أنواع الأيونات من الدخول والخروج في الخلية إلا من خلال بوابات خاصة يتم التحكم بها بنبضات كهربائية أو هرمونات وذلك عند الحاجة وهي البوابات المحكومة بالجهد (voltage-gated channels). وتختلف خلايا العقدة الجيبية عن بقية خلايا الجسم بأنه لا يوجد لها جهد سكون أو راحة (rest potential) بل إن فرق الجهد يتغيير بين سطحي غشائها بشكل متكرر فيكون موجبا تارة وسالبا تارة وبمعدل محدد.
ويتم توليد النبضات الكهربائية في العقدة الجيبية من خلال قيام غشاء هذه الخلايا بتوليد جهد الفعل (action potential) من خلال فتح وإغلاق قنوات الصوديوم والبوتاسيوم المحكومة بالجهد بشكل متبادل حيث أن هذه القنوات تفتح وتغلق تبعا لمقدار فرق الجهد الموجود بين سطحي الغشاء. فعندما تكون هذه القنوات مغلقة يكون فرق الجهد سالبا ومقداره -80 ملليفولت ولكن عند فتح قنوات الصوديوم (Na+ channels) إذا ما زاد فرق الجهد عن -40 ملليفولت فإن أيونات الصوديوم الموجبة تبدأ بالدخول من خارج الخلية إلى داخلها فتزيد بذلك الأيونات الموجبة عن الأيونات السالبة في الداخل فيتحول فرق الجهد من السالب إلى الموجب وبمقدار +50 ملليفولت وتسمى هذه العملية بإزالة الاستقطاب (depolarization). إن هذا الجهد الموجب يعمل على إغلاق قنوات الصوديوم وفتح قنوات البوتاسيوم (K+ channels) فتبدأ أيونات البوتاسيوم الموجبة بالخروج من داخل الخلية إلى خارجها فتعيد فرق الجهد إلى وضعه الطبيعي المستقطب ( repolarization). إن إزالة الاستقطاب يتم في فترة زمنية قصيرة إذا ما تجاوز فرق الجهد عتبة معينة (threshold) تبلغ سالب 40 ملليفولت فيتولد بذلك نبضة كهربائية موجبة سريعة وهي المسماة بجهد الفعل (action potential). إن خلايا العقدة الجيبية مصممة بتقدير بالغ في اختيار عدد قنوات الصوديوم والبوتاسيوم وكذلك توزيعها في الأغشية بحيث يتوفر شرط التغذية الراجعة الموجبة (positive feedback) الذي يحدث التذبذب المطلوب في فتح وإغلاق هذه القنوات وبالتالي توليد جهد الفعل المتكرر. إن جهد الفعل المتولد في العقدة الجيبية يتم نقله من خلال الألياف العصبية إلى عضلات حجرات القلب ليتم انقباضها في الوقت المحدد لها كما شرحنا سابقا.
أما العقدة الأذينية البطينية فهي أصغر حجما من العقدة الجيبية وهي أيضا على شكل شريحة مستطيلة يبلغ طولها خمسة ملليمترات وعرضها ثلاثة ملليمترات وعمقها ملليمتر واحد. وفي الوضع الطبيعي للقلب قإن هذه العقدة تعمل تحت سيطرة العقدة الجيبية وتستلم النبضات الكهربائية منها من خلال ثلاث ألياف عصبية متباعدة. وتقوم هذه العقدة بمهمتين بالغتي الأهمية في تنظيم عمل القلب أولها استلام النبضة الكهربائية من العقدة الجيبية والعمل على تأخيرها لمدة عشر ثانية تقريبا ثم إطلاقها من خلال حزمة هيس إلى الألياف العصبية المنتشرة في البطينين. أما المهمة الثانية فهي القيام بتوليد النبضات الكهربائية اللازمة لتحريك عضلات القلب في حالة تعطل العقدة الجيبية عن العمل ولكن بمعدل أقل يتراوح بين 40 و 60 نبضة في الثانية. إن الآلية العجيبة التي تستخدمها هذه العقدة في إنتاج التأخير الزمني المطلوب هو في تخفيض سرعة إنتشار النبضات الكهربائية في نسيجها إلى أقل من خمسة بالمائة من المتر في الثانية مقابل مترين في الثانية أو أكثر في أنسجة المسارات القلبية الأخرى.
تتألف عضلة القلب من خلايا عضلية مخططة كتلك التي في العضلات الهيكلية ولكنها تختلف عنها بأن لها نواة واحدة وبأن خيوطها لا تترتب على شكل حزم بل على شكل شبكة ثلاثية الأبعاد. وألياف عضلة القلب لها شكل مستطيل وليس مغزلي ويبلغ متوسط طولها 100 ميكرومتر ومتوسط عرضها 20 ميكرومتر ويتم ترتيبها بحيث ترتبط نهايتها ببعضها البعض بطريقة غير منتظمة من خلال ما يسمى الأقراص البينية (intercalated discs). وتسير الألياف بشكل لولبي من سطح عضلة القلب إلى الداخل بحيث تنغرز نهايتها في صفيحة وترية من النسيج الضام تقع في منتصف القلب في الجدار الفاصل بين الأذينين والبطينين. وعندما تنقبض هذه الألياف فإن عضلة القلب تنقبض إلى الداخل مضيقة بذلك الفراغ الذي في داخلها فتدفع الدم الذي في داخلها إلى الخارج عبر الشرايين. وعلى عكس العضلات الهيكلية التي تعمل فقط عند الحاجة فإن عملية الانقباض والارتخاء في عضلة القلب تتكرر بشكل متواصل طول فترة حياة الإنسان وبمعدل 70 نبضة في الدقيقة. وهذا يتطلب وجود عدد كبير من مولدات الطاقة أو الميتوكندريا في خلايا عضلة القلب والتي تعتمد فقط على التنفس الهوائي (aerobic respiration) لإنتاج الطاقة والذي لا يترك مخلفات أيضية كثيرة تعيق عمل القلب وكذلك تتميز بأن فترة الانقباض أقصر بكثير من فترة الارتخاء لتعطيها بعض الراحة.
ويتم إنقباض الألياف العضلية للقلب من النبضات الكهربائية التي تصلها من العقد القلبية عبر الألياف العصبية المنتشرة فيه. فعند وصول النبضة العصبية الكهربائية إلى المشتبك العصبي في الليفة العضلية فإنها تحفز على إفراز مرسل عصبي (neurotransmitter) فيعمل على إزالة الاستقطاب (depolarization) الموجود بين سطحي الغشاء الخلوي للخلية العضلية من خلال تبادل أيونات البوتاسيوم والصوديوم بين طرفيها من خلال فتح بوابات الصوديوم والبوتاسيوم (sodium/potassium channels). إن إزالة الاستقطاب يولد جهد الفعل (action potential) في الخلية وهذا يولد بدوره نبضة كهربائية تسمى النبضة العضلية (muscle impulse) التي تبدأ بالانتشار على طول جدار الغشاء الخلوي وتعمل على انقباض الليفة العضلية. وتحتاج الليفة العضلية عند انقباضها وكذلك عند انبساطها لكميات من وحدات الطاقة (ATP) وذلك لإحداث عملية انزلاق الخيوط الرفيعة والسميكة فوق بعضها في الليفة وكذلك لإعادة ضخ أيونات الصوديوم والبوتاسيوم .
من كتاب (إبداع الرحمن في جسم الإنسان) \ منصور أبو شريعة العبادي