النائب د . رلى الحروب تكتب … خوفي على وطني

خوفي على وطني

ما يجري على الساحة الوطنية من ممارسات تهدف الى مصادرة الرأي الآخر وقمع الحريات واسكات كل الألسنة التي لا تغرد في السرب بغض النظر عن اتجاهها الفكري يخيفني كمواطنة قبل أن يخيفني كنائبة وإعلامية.
والعداء المنهجي الغريب الذي تظهره بعض مواقع صنع القرار لأي حراك سياسي جاد، والتشبه بمسيرة دول قمعية من حولنا لا يمكن تفسيره إلا بأن ردة تظلل المشهد اليوم بعدما استعادت قوى الشد العكسي جبروتها بعد تجاوز هبة الحراك.
ما أنجى الاردن من نيران الربيع العربي كان ذلك التسامح الذي أظهره النظام مع الرأي الآخر، حتى وإن تطرف أو شطح، وذلك الاحتواء الحصيف للجميع، والبحث عن أسباب الغضب واجتثاثها، وكانت النتائج إيجابية، فأنشئ صندوق المحافظات الذي حسن واقع الخدمات في الاطراف، وزيد الانفاق الرأسمالي في موازنات الحكومات وارتفعت المساعدات الاجنبية لمعالجة الاحتياجات المتنامية للفئات الاجتماعية المحتجة، وعدل الدستور وقانون الانتخاب عام 2012عبر لجان حوار وطنية وملكية، وإن لم تسفر عن كل النتائج المأمولة، إلا أنها كانت خطوة إلى الأمام، واستفاد الوطن والمواطن في نهاية المطاف.
أما اليوم، ومع أربع سنوات رافقت عمر هذه الحكومة وهذا المجلس النيابي الذين تم توظيفهما بقصد أو بدون قصد لوأد الصحوة الشعبية وإلهاء الشارع في خلافات جوفاء بين الحكومة والنواب، بعيدا عن المصلحة الوطنية، فقد فرغت قوانين الاصلاح وشعاراته من مضمونها وعادت الخطط لإجهاض أي حراك وتشويه أي شخصيات تعبر عن طموحات الشارع، ليتم استبدالهم بحراك لم يولد من رحم الجماهير ترسم ملامحه في قاعات مغلقة ، وقليل من الاطلاع على الواقع يؤكد أن الانتخابات المقبلة من الصعب أن تكون نزيهة، فقد بدأت مناخات التأثير في أجوائها قبل أن يعلن موعدها، ولعل ما يجري من محاولات لتفكيك أي تجمع يمكن أن يكون له أثر في الشارع واختيار بعض الشخوص في بعض المواقع المؤثرة أبرز المؤشرات على عدم صدق النوايا تجاه العمل الحزبي، ورغبة المطبخ السياسي في ان تبقى لعبة الانتخابات رهينة قوى المال السياسي والتصويت المحكوم بأبعاد اجتماعية بدلا من البرنامج السياسي، باستثناء برنامج تلك القوى المصطنعة الطارئة التي تحمل فكرا يعبر عن فكر ذلك المطبخ.
في هذه السنوات العجاف لم تتحمل الحكومة اعتصاما سلميا لأحزاب تيار التجديد أمام مجلس الأمة تطالب فيه بتعديل قانون الانتخاب وقررت منع الاعتصام بالقوة واعتقال من يتحدى أمر المنع، وها هي اليوم تمنع إجراء انتخابات مجلس شورى الاخوان، وتغلق مقرات جماعة الاخوان المسلمين – التي باشرت عملها في المملكة منذ عام 1945- وتشمعها بالشمع الاحمر بقرارات إدارية لا سند قضائي لها، والعجيب أنها في الوقت الذي تقمع فيه نشاطات الاحزاب السياسية غير المنضوية في بيت الطاعة، تسمح بنشاطات لأحزاب أخرى وتيارات فكرية ودينية أخرى تغرد بأصوات تطربها أوتخدم غايات تحقق مآربها، حتى لو كانت تلك النشاطات تتضمن اعتصامات في الجامعات المكان الاخطر الذي تتولد منه الثورات، أو تسهل ظهور أفكار متطرفة دينيا واجتماعيا وسياسيا وعنصريا ستدفع بنا في أتون الفوضى والدماء وتعيدنا إلى عصور الفتن والنعرات بممارسات تلغي أربعة عشر قرنا من المدنية والحضارة.
هذه السياسات غير الحصيفة لم تنل فقط من الحريات والحقوق الدستورية، بل رافقتها سياسات اقتصادية انكماشية أدخلت السوق في حالة عميقة من الركود وأضعفت القوة الشرائية للفرد والاسرة وضربت معظم القطاعات الإنتاجية والخدمية ضربات موجعة دفعت بالاستثمار الى خارج الاردن ، ناهيك عن مركزية لا مثيل لها، وبيروقراطية متأصلة ازدادت غطرسة، وفساد تجاوز الرؤوس الى القاع، حتى بات هرم القرار الاداري في معظم طبقاته مصابا بعلل الواسطة والمحسوبية والرشوة وتدني الانتاجية وضعف الدافعية في ظل رواتب لا تسمن ولا تغني من جوع وغلاء في المعيشة يحلق في فضاءات اللا معقول.
كل ذلك أدخل النخب المسيسة والشعب الاردني في دوامة من الاحباطات واليأس وفقدان الثقة بجميع المؤسسات، سيكون لها آثار وخيمة على مستقبل العمل السياسي وعلى حركة الاقتصاد التي شلت في عهد هذه الحكومة لعوامل تتحمل هي مسؤوليتها بشكل رئيس، وإن كان الظرف الاقليمي قد غذاها وأججها.
إن دفاعنا عن الحريات العامة ضمن الثوابت التي أرساها الدستور من غايات مشروعة ووسائل سلمية تحفظ أمننا وترعى وحدتنا ونمط حياتنا ولا تهدد مستقبلنا إنما هو دفاع عن المبدأ، وبغض النظر عن اختلافنا او اتفاقنا مع أي فريق، فإننا سنكون دوما في خندق الدفاع عن حق شركائنا في الوطن في ان يمارسوا حريتهم ويعبروا عن رأيهم، حتى وإن كان لا يعجبنا، طالما أنهم يلتزمون بثوابت الدستور والأمن والتعددية وقبول الآخر ولا يفرضون منهجهم على الآخرين أو يحتكرون السلطة حين يصلون إليها، أما فريق العصاة والطابور الخامس ممن يعملون خفية أو علانية لإلحاقنا بمسيرة الدماء من حولنا، فلن نكون لهم إلا بالمرصاد، وأرواحنا وكل ما نملك رخيصة في سبيل الذود عن أمن وطننا ورخائه.
إن نشوة الانتصار التي تستشعرها قوى الهيمنة اليوم بعد تراجع قوة الشارع الاردني هي وهم سيزول، فالمراهنة على شراء الرموز او تهديدهم أو حتى سجنهم والتضييق عليهم أو إفشالهم في الانتخابات لن ينتج إلا فراغا سياسيا، والتاريخ يظهر أن هذا الفراغ لن تملأه الرموز المصنعة في خطوط إنتاج الزيف والتضليل لأن الشعوب لا تخدع ولا تنسى الأسية، بل ستملؤه رموز جديدة أكثر تطرفا وعنفا، وسنترحم على اليوم الذي كان فيه فلان وفلان أو ذلك الحزب أو تلك الحركة ينتقدون سلميا أداء المؤسسات لأن بديلهم لن يكون إلا أكثر شططا.
وعليه، ولأنني أحب وطني، ولا وطن لي إلا هذا الوطن، ولأنني أرغب أن يحيا أبنائي وأحفادي بأمن، ولأن كل أردني هو أخ لي أو ابن أو عم أو جد أو صديق أو جار، ولأنني أرغب أن نحيا برفاه وحرية لأننا نستحق، ولأننا مختلفون، فإنني أدعو إلى إعادة النظر في هذه المناخات غير المريحة حفاظاً على أمن وطننا ووحدة نسيجنا الاجتماعي، وصوناً لحقنا وحق أجيال المستقبل في الاختلاف، مؤكدين على أن القهر لا ينتج أمناً، ولا يبني وطناً، وأن وحدتنا في تنوعنا، وليس من حق أي لون أن يصادر باقي الالوان.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى