المُعَلِّمُونَ يُسَطِّرُونَ أَرْوَعَ الحُرُوْفِ فِيْ عِزَّةِ وكرامة الوَطَنِ / د. منتصر بركات الزعبي

المُعَلِّمُونَ يُسَطِّرُونَ أَرْوَعَ الحُرُوْفِ فِيْ عِزَّةِ وكرامة الوَطَنِ
د. منتصر بركات الزعبي

بَعْدَ عُقودٍ طويلةٍ منَ التهميش والتَغِييبِ لِهويَّةِ التعليمِ فِي الأردنِّ ، وَقهْرٍ وزرعٍ للخوفِ ، مِنْ قَبْلِ الحُكُوماتِ المتعاقِبةِ ، حتَّى كادَ الكثيرُ يَجزِمَ بِضياعِ شَخْصيَّةِ المُعلِّم المَعروفَةِ بالإصرارِ والعزيمةِ.
تَبَدَّلَت الأحداثُ ، وجاءتْ الفرصَةُ ،ووصَلَ الغضبُ ذروَتَهُ ،عندما “مُنِع المعلمون من وقفتهم على الدوار الرابع أمام مبنى رئاسة الوزراء” ،فكانَت الشرارةُ التي أشْعَلَت فتيلَ الغضب ،فخرجَ المعلمونَ بقضهم وقضيضهم ،بعدَ أنْ طفحَ بِهمْ الكيلُ رافضين لكل الإملاءات الحكومية ،وقوى الظلامِ والهيمنة التِي رَفَعَت عَقيرَتَها دونَ خَوفٍ أو حَياءٍ ،لإقصاءِ وطمسِ هويَّةِ المُطالِبيِن بِحقهم ،رغمَ اعترافِ كلِّ قوى مُؤسَسَاتِ المُجْتَمَعِ المَدنِي بِعدالةِ القضيَّةِ ،وفداحةِ الظلمِ والتهميشِ الذي يُعانِيهِ المعلمونَ، إلا أن الحكومة حاولت جاهدة إلصاق تهمة تسيس القضية للنيل منها إلا أنها لم تفلح.
وكانَ على صُنَّاعِ القرارِ ، أنْ يلتفِتوا إلى قضيةِ المُعلِّمِين باعتبارِها قضيةً إنسانيةً عادِلةً ، وينبغي أنْ يكونَ لَهُم مَوقِعٌ فِي خارِطةِ الوطنِ ، يتناسبُ معَ إمكانَاتِهِم التعليميَّةِ والثقافيَّةِ وموروثهم الحضارِيِّ ، وكانَ ينبغِي على الحُكُومَاتِ التفرِيقُ بَينَ المُطالبةِ بالحُقوقِ ، وبَيْنَ إقصَاءِ الآخرِين ، وإبعادِهم مِنَ المُشارَكَةِ فِي بنَاءِ الوَطَنِ وتقدُّمِهِ .
مِمَّا كانَ لَهُ أكبرُ الأثرِ فِي فَهْمِ حِراكِ المُعلِمين بِشَكْلٍ خاطِئٍ ، وتَحَوَّلهِ إلى حَالةِ احتقانٍ ظهَرتْ مَخاطِرَهُ فِي الوَطنِ ،وكادَتْ تُهدِّدُ نسيجَهُ الاجتماعيَّ ، بِسببِ مُمَارساتٍ خاطِئَةٍ لِقوَى الاستكبَارِ النافذةِ ، والمُتَنَفِّذةِ في الحكومةِ فِى ضَغْطِهِمْ على المُعلِّمين ، ُبغْيَةَ ثنيهِم عَنِ المُشَارَكَةِ فِى مُمَارَسَةِ حَقِّهم الدستوريِّ
فابتلي أهل الحق ” المعلمون” ومنذ اللحظة الاولى ،حيث خرج من اتهم الحراك بانه مسيس ،ثم بدأت حملات تنكر وجحود للمعلم ،عبر الصحف الصفراء ،وشاشة التلفزيون الحكومي ،الذي يفترض أنه تلفزيون شعب ووطن وحكومة بمعنى كان عليه أن يكون متزنا في التعرض لهذه الازمة .
كان الهدف تجييش الشارع ضد المعلم ،والنتيجة أن الكل يتفهم مطالب ومظالم المعلمين ،سوى من أراد أن يغمض عينيه ويصم الاذان ،إما لأنه كان فاشلا ،وإما لأنه مكلّف وينتظر تحقيق نصر على حساب المعلمين.
وتكلم الرُوَيْبِضَةَ وصارَ لِدُعاةِ جَهَنَّمَ مَنابِرُ لا سُتورَ عليها ولا حُجُبَ دونَها، يُنادون مِنْ فوقِها بِأعلى أصواتِهِم بأنهم – المعلمين – خانوا الوطنَ والأمةَ ،مُحَرِّضِينَ ومُتَوَعِّدينَ .
وصدق الله العظيم إذ يقول :(إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا) الأحزاب 11- 12
إنَّ مِثلَ هذهِ الأساليبِ كانتْ أقربَ إلى العمَلِ البَلْطَجِىِّ الرامِى إلى التغطِيَةِ وَحَجْبِ الحقائِقِ .
كنت أتمنى على النواب الذين يراقبون الأحداث من ثقب الباب ،أو من خلف ستارة ،أن ينتفضوا للوطن والمواطن ،ولو لمرة واحدة ،وأن يعملوا على طمأنة المواطن بحسن التصرف ،وحسن ادارة الأزمات ،والتخطيط السليم ،والخروج من عنق الزجاجة ،والخلاص من سطوة الحكومة وعنجهيتها، وإعادة الحياة في شرايين الوطن ،وان يقتربوا من هموم الناس قليلاً ،ليقف المجلس على حيله وتعاد ثقة الناس به ،لكن الحاصل أن المجلس ومن خلال تجارب عديدة أثبت أنه ليسَ أكثرَ مِنْ ديكور للزينةِ ،لتجميلِ وجهِ الحكومةِ الذي أفسَدَهُ الدهرُ ،وانه ملخبط وغير متجانس ،من الصفحة الأولى حتى الفِهْرس!!
ولكن فضلِ اللهِ ورَحمَتِهِ ،وحُسنِ تَدبيرِهِ وتَصريفِه ، أنْ جَعَلَ لِهَذا الأمرِ طائِفةً قائِمةً عَلى الحَقِّ ظاهِرين مَنصورين ،لا يَضُرُّهم مَن خَذَلَهم ولا مَن خالَفَهم ،يسّر الله على أيديهم ،وبعد عقود من التهميش الحكومي ، استرداد الضّالة من الفئة الضّالة.
وعاد الحق لأصحابه ، لإعادة إطلاق دورهم ، وللبوح بمعاناتهم ، وأنهم أصبحوا رقما لا يستهان به ، وأنهم أصبحوا شركاء في صناعة القرار لا يمكن تجاهلهم . ولتضع حدّاً لما يزيد عن خمسين عاما من الوصاية ، والعزلة والإقصاء والتغييب .
وفي الختام ،أدعو مؤسسات المجتمع المدني وقيادات القوى الوطنية ،إلى وقفة جادة وحقيقية ،لاستيعابِ الدرس ضِمنَ مَشروعِ البناءِ الوطنِيِّ في البلاد .
ويسعدني أن أقدم لكم أيها المعلمون يا ورثة الأنبياء ، أسمى آيات التهاني والتبريك بهذا الإنجاز حصدتم ما زرعتم ووجدتم ما أجتهدتَم من أجله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى