الموت قَدَر ولكن الانتحار كُفْر

الموت قَدَر ولكن الانتحار كُفْر…
جمال الدويري

قدّر الله وما شاء فعل, نعم…مولدنا ورحيلنا, أقدار الهية مسجلة في لوح محفوظ, قبل ان نولد او نرحل, يعلم مواعيدها خالق الخلق سبحانه, ومقدر الأشياء والآجال, عزّ وجلّ, ولا من مؤمن يطلب رد الأقدار ومنع وقوعها, فهذا ايضا في حسابات غيبية لا يملك مفاتيحها الا صاحبها الذي قدرها, ولكن دعوة المؤمنين ورجائها, هي ان يلطف الله بها أن تسبق رحمته قدره.
هذه الدماء الزكية الغزيرة, التي تُهرق على شوارعنا وطرقاتنا, بين سوءات شبكات مواصلاتنا وطيشنا واستهتارنا وخروجنا الواضح الفاضح على تعليمات السلامة العامة ومحددات السرعة والتجاوز وأولويات المرور وتجاهل حق الغير بها, وتبديل المسارب الخاطئ دون اشارة او سابق انذار, الى نسيان ان الفرد منا ليس الوحيد الذي يستعمل الشارع والطريق, وليس الوحيد الذي يشغل حيزا على الأرض لا يمكن ملؤه في نفس اللحظة من اخر.
وإن هذا الكم من الموت والوجع والنكبات العائلية والإجتماعية والقانونية وهدر المقدرات, الكامن بين أنياب الحديد والجهل, وبين الغباء وألواح الصاج المتحركة على عجلات سياراتنا وحافلاتنا, المحدق بنا بين كل طرفة عين وردتها, بين اختراع وجد لخدمتنا وراحتنا وسهولة تنقلنا وقضاء حاجاتنا والوصول الى اعمالنا, والذي حولناه الى سيوف حادة تجز رقابنا وتقطع اوصال من نحب وشركاء لنا في هذه الحياة على هذه الارض, فإنما هي مقاربة تنمّ عن الكثير من عدم الفهم لمعاني الحياة ومغازيها, بل والقصور عن توخي وإدراك مفهوم الإيمان وكنه خلقنا ووجودنا والحكمة الربنانية منه.
ومثلما حولنا السيارة والحافلة لأدوات قتل وتدمير وأسباب الم وحسرات متكررة متتالية مستدامة, فقد حولنا ايضا, وللاسف الشديد, اختراع الموبايل, هذه الوسيلة الحديثة العجيبة المفيدة, للاتصال والتواصل وتقريب الشقة ونفي البعد وتسهيل التعامل, وبمحض ارادتنا واستخدامنا الكارثي غير السوي, أثناء القيادة واستخدام السيارة, الى أداة لهو تطيح بتركيزنا وتقهر وعينا بالمكان والزمان, وتلغي حرصنا الفطري على حياتنا والآخرين, وتقلب في طرفة عين, الحياة والسعادة الى عدمٍ ونهاية مروعة, ما فكرنا ولا حلمنا بها قبل ثوان او لحظات.
وحتى عندما نلوم القائمين على شوارعنا وطرقنا, هندسة وإنشاءا وصيانة وغيرها, وندين التقصير وسوء الأداء, فلا بد ان نؤشر الى انفسنا باللوم والإدانة والتفصير, لأن سوء الطريق بجب ان يتناسب عكسيا, مع نسبة التركيز والوعي وشدة الحرص والانتباه ونبذ التصرفات الملهية عن القيادة السليمة المتأنية الواعية, ولنعلم ان حيثيات وعوامل العملية المرورية واستخدام المركبات والشارع, ليست الى متلازمة ثابتة متكاملة مرتبطة بأطراف المعادلة كلها, من طريق وعربة وسائق, ولا تكون السلامة العامة, بعد ارادة الله ورحمته, الا بطريق ممتاز, وعربة سليمة تقنيا, وسائق ذو وعي وحرص وذوق ومهارة وصبر, محب للحياة والغير, غير اناني يرفض التقاسم والشراكة.
السيارات ليست طائرات, والشوارع ليست ساحة حرب او مضامير سباق وتسجيل نتائج للفائزين, الموت أقدار يرضي المؤمنين, اما الانتحار فهو كفر لا يليق بالمؤمنين, والتهور قتل وإيذاء لا يجوز ولا يقبله عقل او منطق.
نتمنى السلامة للجميع, ونتوجه بالرجاء والتمني على الجميع, بالحكمة والأناة وروحانية العقيدة, في كل حين ومكان, وخاصة اثناء استخدام الشوارع والطرقات وقيادة المركبات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى