المواطن وهيبـة الدولـة / د. قــدر الدغمــي

المواطن وهيبـة الدولـة

تمثـل اليـوم أعظـم ركـن مـن أركان الدولة الحديثـة، وذلك لأن هيبـة الدولة هـي الحد الفاصل بيـن ثبـوت الدولـة ووجودهـا وبيـن زوالهـا وانتهائهـا، فهيبة الدولة واحترام القانون والنظام العام حاجة قصوى، لا تستقيم الدولة بفقدانها، وهذا أمر ليس محلاً للخلاف، إلى جانب ذلك وقبله تعد كرامة الموطن ضرورة تستمد الدولة هيبتها من خلالها، وما وجود الدولة والسلطة إلا لحفظ تلك الكرامة وإعلاء شأنها، وامتلاك القدرة على الدفاع عنها وصيانتها من جميع أنواع العدوان، وكل أشكال الضرر والعبث، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال دولة قوية وسلطة سياسية مطاعة، قادرة على اتخاذ القرارات وتنفيذ الأوامر وتطبيق القانون بطريقة حاسمة تخلو من أدنى درجات المساومة أو المجاملة أو المحاباة أو التردد، بمعنى آخر لا طريق لحفظ كرامة المواطن وصيانة حقوقه في ظل الفوضى والتمرد على القانون وكسر هيبة الدولة.
في البداية نحن بحاجة ماسة للاتفاق على مفهوم هيبة الدولة ومضمونها، وما هي العوامل التي تؤدي إلى وجودها وحفظها، وأسباب استمرارها، والحيلولة دون ضعفها أو انهيارها، بعد الاتفاق على ارتباطها الوثيق بكرامة المواطن ومصلحة الوطن العليا، وربما تكون هذه المسألة هي الأكثر أهمية والأكثر جدلاً والأكثر حاجة إلى التركيز والاهتمام، في ظل سيادة الانطباع الخاطئ لدى البعض بأن هيبة الدولة لا تتحقق إلا بالظلم والقوة الغاشمة والعصا الغليظة.
تتمثل هيبة الدولة في ترسيخ قيم العدالة، لدى المسؤول أولاً ولدى المواطن ثانياً، بحيث يشعر المواطنون بالمساواة أمام القانون، وأمام القضاء وأمام الدولة، بغض النظر عن العرق أو الدين أو اللون أو المكانة الاجتماعية والسياسية، فلا مجال للمساومة على هذه القيمة، مما يجعل العامة تنساق طوعا للقانون، وتخضع للنظام بحب وثقة وطمأنينة، لأن أي خلل يطرأ على هذه القيمة يشكل عاملاً من عوامل ضعف هيبة الدولة، وعاملاً من عوامل التمرد على القانون والنظام العام.
ايضا تتمثل هيبة الدولة بصلاح صاحب المسؤولية بالدرجة الأولى، وبعده عن الفساد بجميع أشكاله، لأن أهم خلل يطيح بمنظومة العدالة في الدولة أن يتسرب الفساد إلى أصحاب مواقع المسؤولية، مما يؤثر حتماً على قيم العدالة، ويخل بمعيار تطبيق القوانين والأنظمة، لأن الفساد يعد مِعول الهدم الذي ينحت مصداقية الدولة وسلطتها وهيبتها، والفساد له أشكال كثيرة ومجالات عديدة، فلا مجال لفرض هيبة الدولة تحت وصاية الفاسـدين.
الأهم من ذلك كله تتمثل هيبة الدولة بالانتماء الوطني، الذي يجب أن يتوافر بدرجة عميقة لدى كل مواطن بلا استثناء، ولكن يجب أن يتوافر بدرجة أكثر عمقاً ووضوحاً لدى من هم في هرم السلطة، لأن من فقد الانتماء الوطني الصحيح سوف يكون فريسة لمصالحه الشخصية والفئوية، ويصبح الوطن لديه في مرتبة متأخرة، وهذا أكثر ما يطعن بهيبة الدولة وقوتها وقدرتها على تطبيق القانون وحفظ النظام، وتصبح المسؤولية لديه طريقاً للسطو على المال العام واستغلال حاجة المواطن، ولقد شاهدنا أمثلة عديدة على ذلك، مما أدى إلى ضعف شخصية الدولة والتفريط بالمصلحة العامة، والتفريط ايضا بمصالح المواطنين، وهذا حتما سيؤدي إن أستمر إلى إضعاف هيبة الدولة وإضعاف هيبة القانون، حيث يُعد الفساد ثغرة في جدار الدولة وصدع كبير في هيبتها، وهو بمثابة خرق تنفذ منه جميع الأمراض والآفات التي تضعف من قدرة الدولة على الاستمرار.
المسألة الأخيرة تتمثل بإرساء قيم التعاون وبناء الثقة بين المواطن والمسؤول، لأن كرامة المواطن خط أحمر، وهيبة الدولة ايضا خط أحمر، فلا مجال لتجاوزهما تحت كل الظروف العادية أو الاستثنائية، فالحفاظ على الدولة وتكريس هيبتها قضية لا تقبل النقاش وعلى جميع مكونات المجتمع الدفاع عنها، وبالتالي لا ينبغي السكوت عن أي استقواء من شأنه الانتقاص من هيبة الدولة ومؤسساتها ورمزيتها ومكانتها داخليا وخارجيا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى