المهندسون الأردنيون .. تخصصات راكدة وبطالة متزايدة

#سواليف

تخرّج سيف الحمد (27 عامًا) من قسم #الهندسة الكهربائية في الجامعة الهاشمية عام 2018، ورغم سعيه منذ التخرج للحصول على عمل ثابت في تخصصه إلا أنه ما يزال عاطلًا عن العمل، «ما خليت إشي من دورات مجانية أو بمصاري، وتدريب بهدف التوظيف، وكلها تنتهي بوعود على الفاضي»، يقول الحمد.

في واحدةٍ من محاولاته، انضمّ الحمد لبرنامج «خدمة وطن» الذي أطلقته رئاسة الوزراء مطلع عام 2019، لتنفذّه وزارة العمل بالتعاون مع القوات المسلحة، من أجل تدريب نحو 20 ألفًا من الكوادر الشابة وتأهيلها لدخول سوق العمل في القطاعات الصناعية والإنشائية والسياحية، وينقسم البرنامج إلى مرحلتين؛ الأولى عسكرية تشبه خدمة العلم ومدّتها شهر واحد، والثانية تدريب مهني لثلاثة أشهر بالتزامن مع تدريب #عسكري. ما أن أنهى الحمد المرحلة الأولى حتى أوقف البرنامج بسبب جائحة كورونا.

ومنذ عام 2020 يعمل الحمد بشكل متقطع محاسبًا (كاشير) في مطعم، باحثًا في الوقت نفسه عن فرصة عمل أفضل، سواء في مجال الهندسة أو غيره، وصار يفكر مؤخرًا بالسفر إلى ألمانيا أو كندا «إلي أصحاب طلعوا هناك وكملوا دراسة واشتغلوا».

الحمد واحدٌ من نحو 187 ألف مهندس ومهندسة مسجلين في نقابة المهندسين الأردنيين، يضاف إليهم نحو 37 ألف طالب على مقاعد الهندسة في الجامعات الأردنية، فضلًا عن خمسة آلاف طالب هندسة خارج البلاد. ما يجعل نسبة المهندسين في الأردن الأعلى عالميًا مقارنةً بعدد السكان، حيث بلغت النسبة مهندسًا لكل 40 مواطن، يتنافسون في سوق عمل صغيرة لا تستوعب كل هذه الأعداد.

مهندسون أكثر وبطالة أعلى

أظهرت دراسة صادرة عام 2019 عن منتدى الاستراتيجيات الأردني أن معدل النمو السنوي في أعداد المنتسبين لنقابة المهندسين خلال الأعوام 2009 إلى 2018 يبلغ 7.6%، وهو بحسب الدراسة «معدل مرتفع إلى حدّ ما».

ووفقًا لنقابة المهندسين، فقد وصلت النسبة العامة للبطالة بين المهندسين إلى 40% أوائل العام الحالي، صعودًا من 32% أوائل عام 2021، و26% أوائل 2020، بحسب دراسات سابقة أصدرتها نقابة المهندسين حول #البطالة في القطاع الهندسي.

في آخر نشرة لها، صنفت #نقابة_المهندسين معظم فروع الهندسة على أنها «راكدة»، تكون فيها الفرص المتاحة أقل من أعداد الباحثين عن عمل، أو «مشبعة» حيث الفرص مساوية لأعداد الباحثين عن عمل، وقد خرجت أربعة تخصصات من الهندسة الكهربائية عن هذا التصنيف باعتبارها تخصصات مطلوبة، وهي: الذكاء الصناعي والأنظمة الذكية، والطاقة المتجددة أو المستدامة، وهندسة أمن الشبكات، واتصالات إنترنت الأشياء.

يرى زياد أبو هزيم، رئيس لجنة المعماريين الشباب في نقابة المهندسين، أن مشكلة البطالة المرتفعة بين المهندسين لها عدة أسباب، أبرزها أن أعداد الخريجين سنويًا لا تتناسب مع حجم سوق العمل، «سوقنا صغير وما بتحمّل»، مشيرًا إلى أن وجود تناقصٍ في أعداد المنتسبين سنويًا للنقابة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة مقارنة مع سابقاتها، وهو ما يعكس برأيه «وعيًا أكثر لدى الشباب».

إضافة إلى ذلك، يعزو أبو هزيم مشكلة البطالة إلى عدم تناسب مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، فضلًا عن عدم إلمام الخريجين الجدد بالجانب العملي من المهنة، حيث إن انخراطهم في الجانب العملي يقتصر على فترة تدريب عملي توفره لهم الجامعات، لكنه يرى أن الطلبة يتعاملون معها باستخفاف، وتغيب عن الجامعات متابعة الطلبة المتدربين للتأكد من التزامهم بالتدريب المقرر لهم.

أما حسام طالب، مدير قسم التدريب في النقابة، فيعتقد أن ارتفاع أعداد #المهندسين مشكلةٌ مركّبة يدخل فيها بعدٌ ثقافي يتمثل بميول مجتمعية نحو هذه التخصصات، كما يعتقد بوجود خلل في سياسات القبول الجامعي أساسًا، نظرًا لما يعتبره خضوعها لمعايير استثمارية بعيدة عن المعايير المهنية واحتياجات السوق الحقيقية. مضيفًا أن الصفوف الدراسية في بعض الجامعات تضمّ أعدادًا كبيرة من الطلبة، تصل أحيانًا في بعض الشّعبِ إلى «90 طالبًا في حين أن العدد الموصى به عالميًا هو 20 طالب للشعبة الواحدة» كما يقول، وهو ما يتسبب في تدنّي المستوى العلمي للخريجين بأعداد كبيرة سنويًا.

الفرص في القطاع العام

في العموم، وحتى نهاية شباط الفائت، وصل العدد التراكمي للمهندسين المتقدمين بطلباتٍ لديوان الخدمة المدنية بانتظار وظائف حكومية حوالي 69 ألف طلبٍ، من أصل 455 ألف طلبٍ في أدراج الخدمة المدنية لمختلف التخصصات.

وفي عامٍ واحد، بلغ إجمالي عدد طلبات التوظيف الجديدة في ديوان الخدمة المدنية حتى نهاية شباط الماضي نحو 38 ألف طلب، 15% منها (حوالي 5800 طلب) لحملة الشهادات الهندسية؛ الجامعية والدبلوم.

بالمقابل لم يزِد إجمالي التعيينات الجديدة لمختلف التخصصات في دوائر الخدمة المدنية لعام 2021 عن حوالي 5200 تعيين، فيما بلغت حصة التخصصات الهندسية 300 تعيين تقريبًا، أي حوالي 6% فقط من إجمالي التعيينات.

وكان ديوان الخدمة المدنية قد نشر أوائل آب دراسته الأخيرة حول مؤشرات العرض والطلب على التخصصات العلمية لحملة المؤهلات الجامعية والدبلوم الشامل لكليات المجتمع، وجاء فيها أن التخصصات الهندسية المطلوبة للجامعيين الذكور هي الهندسة النووية وهندسة الطرق، وللجامعيّات الإناث هي الهندسة النووية فقط. علمًا بأن نقابة المهندسين صنّفت هذه التخصصات الهندسية على أنها راكدة.[1]

في آخر نشرة لها، صنفت نقابة المهندسين معظم فروع الهندسة على أنها «راكدة»، تكون فيها الفرص المتاحة أقل من أعداد الباحثين عن عمل، أو «مشبعة» حيث الفرص مساوية لأعداد الباحثين عن عمل.

وفي كل الأحوال، لم يصنّف ديوان الخدمة بقية التخصصات الهندسية على أنها راكدة «كونها تخصصات تقنية وفنيّة وتطبيقية يحتاجها سوق العمل، وترتبط درجة حاجة إليها بالتطوّر والانتعاش الاقتصادي محليًا وخارجيًا»، بحسب الدراسة.

من جهتها، أصدرت وزارة التعليم العالي قائمة بالتخصصات المطلوبة والراكدة والمشبعة في القطاعين العام والخاص، حيث توافقت مع ديوان الخدمة حول التخصصات المطلوبة في القطاع العام للجامعيّات والجامعيين، لكنها على عكس الديوان صنّفت بقية التخصصات الهندسية باعتبارها إما راكدة أو مشبعة.

وقد وضعت الوزارة قائمة منفردة للتخصصات المطلوبة لسوق العمل في القطاع الخاص محليًا. وعلى خلاف النشرة الإرشادية لنقابة المهندسين، جاءت بعض تخصصات الهندسة الكهربائية والميكانيكية والكيماوية والمدنية والمعمارية وغيرها، ضمن التخصصات المطلوبة.

وكان مجلس التعليم العالي قرّر مؤخرًا تخفيض أعداد الطلبة المقبولين في التخصصات الطبية، وتخفيض القبول في التخصصات الراكدة والمشبعة بنسبة 50% في الجامعات الرسمية للعام الجامعي القادم، كما قرر إيقاف القبول في 42 تخصصًا في الجامعات الرسمية نتيجة تجاوز الطاقات الاستيعابية للجامعات، أو الإخلال بمعايير الاعتماد الخاص التي تهدف إلى ضبط جودة مخرجات البرامج الدراسية في مؤسسات التعليم العالي بمختلف التخصصات عبر تطبيق معايير ضمان الجودة.

من جانبه، قال مهند الخطيب، الناطق باسم وزارة التعليم العالي، إن الوزارة تعمل باستمرار على تطوير الخطط التعليمية، والحث على استحداث تخصصات جديدة مطلوبة، وعلى وقف القبول في التخصصات الراكدة.

تغيّرات سوق العمل الخليجي

تعتبر دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، الوجهة الأولى للمهندسين الأردنيين العاملين في الخارج، حيث يعمل في الخليج حوالي 26 ألف مهندسٍ أردني، بحسب نقابة المهندسين. لكن أوضاع سوق العمل للقطاع الهندسي اليوم ليست كما كانت عليه قبل سنوات، خصوصًا لحديثي التخرج، بعدما اتبعت معظم دول الخليج سياسات توطين الوظائف لخفض نسب البطالة المرتفعة بين مواطنيها، وفرضت ضرائب مختلفة تمسّ الوافدين في المقام الأول، في محاولة لتعويض عجز ميزانيّاتها الناتج عن انخفاض أسعار النفط إلى مستويات قياسية خلال الأعوام 2014 إلى 2017، فضلًا عن تكاليف الحرب على اليمن. وما إن حلّ العام 2020 حتى تسببت جائحة كورونا بوقف الكثير من المشاريع.

تعتبر دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، الوجهة الأولى للمهندسين الأردنيين العاملين في الخارج، حيث يعمل في الخليج حوالي 26 ألف مهندسٍ أردني، بحسب نقابة المهندسين.

السعودية مثلًا، وهي صاحبة الحصة الأعلى من المهندسين الأردنيين العاملين في الخليج، فرضت أواسط عام 2017 ضريبة شهرية على عائلات المقيمين الأجانب فيها بقيمة 100 ريـال شهريًا عن كل مقيم على أراضيها، وتصاعدت سنويًا حتى وصلت إلى 400 ريـال شهريًا لكل مقيم عام 2020. كما فرضت منذ مطلع العام 2018 ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% على عددٍ من السلع الأساسية، تبعها زيادة في أسعار الوقود بنسبة وصلت إلى 120%، ما انعكس على أسعار الماء والكهرباء.

شكّلت هذه القرارات عبئًا على عموم المقيمين في السعودية، ودفعت بعض العائلات للعودة إلى بلادها فيما يظلّ العامل وحده في السعودية. مهندس الميكانيك زياد* (48 عامًا) أحد هؤلاء، وكان قد قضى في السعودية 23 عامًا، وهو رب أسرةٍ من زوجةٍ وثلاثة أبناء، وقد ترتب عليه في البداية مبلغ 4800 ريـال يدفعها سنويًا عن كل أفراد أسرته بدل ضريبة المقيمين، «هاد لسا مرحلة أولى، وحسب القرار هاد المبلغ راح يترتب على الفرد الواحد سنويًا» يقول زياد، مضيفًا أن هذا «مبلغ كبير» خصوصًا لو أُخذ بعين الاعتبار غلاء المعيشة وتكاليف المدراس، والتأمين الصحي الإجباري الذي كانت تتكفل به شركته لكنه صار «شيء نادر هذه الأيام».

دفعت هذه الحال عائلة زياد إلى العودة إلى الأردن عام 2017، فيما ظل وحده هناك حتى آب من عام 2021، حيث فضّل الاستقالة ليكون قريبًا من أسرته، «بعدين الوضع صار أسوأ وأسوأ، والشغل قلّ بسبب كورونا، وتوقف كثير مشاريع في السعودية والخليج عمومًا». وقد أنشأ بعد عودته إلى الأردن شركة صغيرة للاستشارات الهندسية تعتمد في معظم عملها على شركاتٍ من الخارج.

إضافة إلى ما سبق، اتّخذت السعودية قراراتٍ مسّت المهندسين بشكل مباشر، حيث أوقفت عام 2017 وزارة العمل والتنمية الاجتماعية السعودية بعد التنسيق مع الهيئة السعودية للمهندسين استقدام المهندسين ممن تقلّ خبرتهم عن خمسة أعوام، مع إلزام المهندسين المستقدمين باختبارٍ مهنيّ ومقابلة شخصية عن طريق الهيئة.

كما اتخذت وزارة الموارد البشرية في السعودية (وزارة العمل سابقًا) عام 2020 قرارًا بتوطين المهن الهندسية بنسبة 20% في المنشآت التي يعمل فيها خمسة مهندسين فأكثر. وهو ما جعل المهندسين السعوديين العاملين في القطاع الهندسي يحتلون المرتبة الأولى من إجمالي العاملين في القطاع الهندسي بنسبة بلغت 28%، في حين كانت نسبتهم عام 2016 حوالي 8% فقط.

وفي العموم، صار يُلاحَظ انخفاض رواتب المهندسين الأجانب الجدد، والتوقف عن منحهم بعض البدلات أحيانًا بما في ذلك السكن والمواصلات. فيما ارتفعت رواتب المهندسين السعوديين ومُنحوا امتيازاتٍ تشجعهم على العمل. يقول حسام طالب، مدير قسم التدريب في نقابة المهندسين الأردنيين، إن السوق الخليجي لم يعد يستقبل أعدادًا كبيرة من المهندسين، «حتى فرص العمل للمهندسين الجدد بطلت مغرية صار المهندس يطلع على ثلاثة آلاف ريـال أو أربعة آلاف ريـال».[2]

محمد* (31 عامًا) أحد المهندسين الذين لمسوا فرقًا في الرواتب مقارنة مع خبراتهم، وهو مهندس مدني بخبرة تصل إلى ثمانية أعوام قضاها في العمل في عدد من المشاريع خارج الأردن، لكنه اضطر إلى العودة على إثر جائحة كورونا، ليعمل في الأردن بالمطاعم وتوصيل الطلبات، قبل أن يوقّع عقد عملٍ في السعودية مطلع العام الحالي.

ورغم سنوات خبرته، إلا أن محمد يتقاضى حوالي ثمانية آلاف ريـال شهريًا (ما يعادل 1500 دينار تقريبًا)، وهو يجد أن الأوضاع المعيشية من ناحية السكن والمواصلات صعبة بالنسبة إليه، «زمان كان الخريج الجديد يوخذ خمسة آلاف ريـال. كان شائع إنه المهندس الأردني أول ما يوصل يشتري سيارة، هسا مستحيل مع الأسعار الجديدة».

وكان محمد قد تلقى عرض العمل قبل أربعة أشهر من زواجه، وهو يحاول استقدام زوجته إلى السعودية، لكن إيجارات المنازل المرتفعة في الرياض تصعّب هذه الخطوة عليه ما لم تفِ الشركة بوعدها بالمساهمة في تمويل سكنه العائلي، «صارلي بشتغل سنة وللآن ما صار إشي بهذا الخصوص»، يقول محمد.

لكن، رغم هذه الصعوبات، يعتبر محمد أن السعودية ما زالت هي الوجهة المفضّلة للمهندسين الأردنيين، خصوصًا العاملين في مجالات البناء والتشييد، نظرًا لقلة فرص العمل المتاحة لهم في الأردن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى