المهنة راعي

المهنة راعي / عيسى الشبول أبو حمزة

#المهنة_راعي

أقول وأنا صادق، لطالما تمنّيت أن أعيش حياة هذه المهنة ولو لأيّام، بالذات فرعي الأغنام… برأيي، أنَّ هذه المهنة وما يرافقها من انطلاق في أرض الله الواسعة تُعيد الإنسان إلى إعداداته الأولى، إلى نمط الحياة الأول الذي عشناه في سبعينيّات القرن الماضي حيث البساطة واللطافة ونقاء الناس، الراعي يرى النور باستمرار، يرى الشمس وشروقها الأخّاذ وقد أهدت للحلال يوماً جديداً، يرى الأرض على امتدادها، هضابها، تِلالها، وديانها، يرى ينابيع المياه ويسمع صوت خريرها، يرى الأشجار والأعشاب بأنواعها ويعيش التجربة كل يوم، يتمعّن في شق الصخور ويرى الشمس وقد تزاورت الى اليمين والشمال مُخلِّفةً ظِلّاً وبَراداً طازجين.

كان يوماً حافلاً لهذا الراعي وقد تمعّن في خلْق الله وملكوته في كل ِّ لحظة، هو في طريقه الى الحظائر وقد أزِفَ النهار على الرحيل، يرى الشمس المُدبرة وقد غَطَسَ قُرصها الحارق في الأفق، يعود بأغنامه على وقْعِ جرس المرياع واستقبال الخِراف الصغيرة لأمهاتها، إنّها الفِطرة وقد تجلّت بكامل معانيها، هذه الأغنام اسمها حلال وهي آية من آيات الله، فهي تمثّل الوداعة والعطاء والبذل.

عندما يعود الراعي بأغنامه تكون مهمّته في ذلك اليوم قد انتهت وقد كُتب له الأجر، حياة الراعي قريبة من النفس البشريّة السويّة، همّه أن يرعى القطيع وأنْ يقتات الحلال من فضل الله، وأغلى أمانيه سلامة أغنامه وإطعامها وحلْبِها، الراعي يأنس بحلاله وتأنس به ولا يعرف ذاك الأُنس إلاَّ من جرّب، يتكلم معها بأصوات بسيطة وليس بكلمات أو جُمَلْ وهذا يكفي لِفَهمها وامتثالها، الأغنام تحسُّ وتفهم على راعيها وهي مُطيعة ولا تعرف العِنَادْ ، وأولاً وآخراً يعيش الراعي حياة نقيّة ويشمُّ هواءً نقيّاً ويكفي أنه بعيداً عن القيل والقال، بعيداً عن سماع الأخبار وتحليلات الخُبراء، بعيداً عن قراءة أعمدة المُتكسبين وأوراقهم الصفراء، بعيداً عن صخب الحياة وضجيجها وتلوّثها، بعيداً عن كل ما من شأنه أنْ يقصف العمر..
دمتم بخير.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى