#المنافقون في كل #زمان و #مكان . . !
لا شكّ بأنه حيثما وُجدت #السلطة، بأي شكل من الأشكال، وفي أي #مجتمع من المجتمعات، يكثر المنافقون في كنفها. ومن يمارسون هذه المهنة البغيضة، التي تحتاج إلى نوعيات خاصة من الناس، يملكون وجوها مصفّحة ومشاعر قاسية، لا تستحي ولا تتأثر بآراء الناس، من أجل تحقيق #المكاسب_الشخصية. وهذه الصفة، تنطبق غالبا على بعض المستشارين والناصحين، لدى كبار المسؤولين بشكل خاص، في أي دولة من الدول.
ومن الجانب الآخر فإن معظم المسؤولين يرغبون بسماع العبارات المحببة : “صحيح سيدي . . تمام سيدي “. وللمقاربة في هذا الموضوع، سأروي القصة الحقيقية التالية، التي عايشتها خلال خدمتي العسكرية، كنموذج لما يجري في مجتمعنا الأردني وفي المجتمعات العربية الأخرى.
ففي عقدي الستينات والسبعينات الماضيين، كنا كقادة كتائب في القوات المسلحة الأردنية، نتنافس في مَنْ كتيبته أكفأ من غيرها في قدراتها القتالية. وكان السبيل لمعرفة ذلك، هو من خلال اختبارها في التمارين العسكرية السنوية ( المناورات الميدانية )، التي تجري تحت إشراف محكمين، من ذوي الخبرة العسكرية، حيث يرافقون مجريات التمارين من بدايتها وحتى نهايتها، ثم يقدمون تقاريرهم إلى القيادة العامة.
وفي الكتيبة التي يبلغ عدد ضباطها وأفردها حوالي 500 شخص، يتم اختيار أحد ضباط الصف برتبة وكيل أو رقيب أول، ممن يتصفون بالذكاء والنشاط وقوة الشخصية ليعين ” وكيل قوة الكتيبة “. وتمييزا له عن بقية ضباط الصف، يحمل عصا مثبت على طرفها العلوي تاج صغير، ويُسند له واجب حفظ النظام العام في الكتيبة، وتجهيزها لأي اجتماع يطلبه قائد الكتيبة.
اقترب موعد خروج كتيبة أحد الزملاء للتمرين والاختبار السنوي، مع بداية فصل الصيف. فطلب قائد الكتيبة من وكيل القوة جمع الكتيبة في ساحة التدريب، كما طلب من أركان حربه إبلاغ الضباط بحضور الاجتماع، لكي يعطي توجيهاته المتعلقة بالتمرين المقبل، ويحفّزهم على العمل بجد ونشاط، كي تحرز الكتيبة درجة مميزة في الاختبار.
بعد أن اكتمل أفراد الكتيبة في ساحة التدريب، بدأ القائد بإلقاء توجيهاته للحضور، مبينا أهمية التمرين القادم، وضرورة استيعاب الدروس التكتيكية والإدارية، التي سيجري تطبيقها خلاله، لكونها قد تواجههم في العمليات العسكرية مع العدو إذا وقعت مستقبلا. في تلك الأثناء كان وكيل القوة يقف قريبا من المحاضر، مستعدا لتنفيذ أية أوامر تصدر إليه من قائده فورا.
أسهب قائد الكتيبة بتوجيهاته وتحذيراته للمجتمعين، إلى أن قال في الختام : أريد من كل واحد منكم أن يبذل كل ما أوتي من جهد، وكأنه في معركة حقيقية، لنحقق نتائج مشرّفة في هذا الاختبار، وأن يطبّق ما جاء في الآية الكريمة : ” إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب ! “.
ولكنه استدرك في لحظتها وفكّر بأنه قد أخطأ في ما قاله، فتساءل قائلا : ” “والله ماني عارف هذه آية ولاّ حديث ؟ “. فانطلق وكيل القوة النبيه، مستجيبا لتساؤل قائده قائلا : ” نعم سيدي . . هذه آية من القرآن الكريم . . وجاءت في سورة الذئب “. ( استغفر الله العظيم عما يقوله المنافقون والجاهلون ). ثم انفضّ الاجتماع، وبدأ الجميع بالاستعداد للتمرين المقرر.
ختاما أقول : إن هذا النموذج من المنافق يتكرر يوميا، من قبل معظم حاملي ألقاب المستشارين أو الناصحين على المستويات العليا، في دولنا العربية، وهم في الحقيقة لا يطبقون من ألقابهم غير سوء الاستشارة وتجنب النصيحة. ولو فعل المسؤولون في دولنا العربية، ما أوصانا به سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، حينما قال : ” صديقك من صَدَقَكَ لا من صدّقَكَ “، لتجنبنا الكثير من الأخطاء والأزمات المتلاحقة، التي نغرق بها بين حين وآخر . . !
التاريخ : 16 / 1 / 2023