المفسدون في الأرض

المفسدون في الأرض
د. هاشم غرايبه

انتشرت على وسائل التواصل تغريدة منسوبة الى أحد المنافقين من شيوخ السلاطين، وفيها صورة لأردوغان وهو يقبل يد شيخ مسن، وتعليق يقول: “أيها الإخوان المسلمون هذا خليفتكم المنتظر وهو يقبل يد روتشيلد أبو الماسونية، فماذا تقولون بعد هذا”.
بالطبع سرعان ما انكشف التزوير المفضوح، فالصورة كانت للأستاذ الذي درّس “أردوغان” وهو عالم التاريخ التركي “إينالجيك”.
في هذا العصر، تأتي ابتلاءات الله لأمته، لتظهر بجلاء سنة الله الدائمة الواردة في قوله تعالى: ” لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ” [الأنفال:37].
فيلاحظ المتمسكون بكتاب الله العزيز وسنة نبيه الكريم، وفي كل ابتلاء جديد، كم يتساقط من المنافقين من بينهم، ممن كانوا متسترين عن العيون، فيتراكم الخبيث المكشوف قديما مع الخبيث المنكشف حديثا، ليلقى في مزبلة التاريخ الدنيوي، بانتظار عقابهم الأخروي المحتوم.
كان أول المتساقطين في القرن العشرين، العرب المتآمرين مع الغرب على الدولة الإسلامية، التي كانت آنذاك في احتضار بسبب فساد الطبقة الحاكمة وبعدهم عن مبدأ الله القويم، ادّعى هؤلاء أنهم يسعون لتحرير العرب من تسلط الأتراك، وكاد الناس ليصدقوهم، لولا أنهم نقلوا الأمة من تحت الدلف الى تحت المزراب، عندما سلموا قيادهم للمستعمر الأوروبي إذ تقبلوا انتدابه، والتزموا بخطته (تقسيمة سايكس بيكو)، ونفذوا رغبته المعلنة بمحاربة العودة للإسلام.
تلاهم في السقوط أولئك النفر من المثقفين العلمانيين، هؤلاء اتهموا الفكر الإسلامي بالظلامية، وبادعاء (التنوير) استبدلوا الخبيث بالطيب، فأشاعوا أن التقدم والفلاح لا يكون بغير هجر المنهج القويم الذي لم تنجح الأمة العربية في كل تاريخها بغيره، وإن السبب في تأخر الأمة في هذا القرن ليس الإستعمار الأوروبي ونهبه لخيراتها، بل هو في اتباع الإسلام.
ولما كان نهج هؤلاء يخدم أولئك الساقطين الأوائل (الذين كافأهم الإستعمار بتسليمهم السلطة)، فقد استعانوا بهم كأدوات للسلطة لترسيخ الإفتراق، واستكمال الإلتحاق بالغرب والتبعية له.
وهكذا ركم الله الخبيث الثاني فوق الخبيث الأول، فنشأ تحالف بينهما أنجب مسلسل الهزائم المعروف.
في عام 2011 وبعدما حقق تحالف الخبيثين الفساد والفشل علاوة على الهزائم، فاض الكيل، فاستعر أوار الثورات العربية، وعندما ظهر أن خيار الثائرين هو العودة الى التمسك بمنهج الإسلام، انكشف جيل ثالث من المتساقطين، وهم فئة كانوا يسترون عداءهم للإسلام، بعضهم بشعارات تقدمية براقة، وآخرون ممن يتسربلون بأردية سلفية متشددة مزاودة ونفاقا، اخترقهم أعداء الإسلام، وبثوهم بين الصفوف ليزيدوا المسلمين خبالا، ويدعموا الأنظمة العربية العميلة للعدو بذريعة طاعة ولي الأمر.
هذا الجيل الثالث انكشف نفاقه عندما انضموا الى المركومين الأول والثاني، ليتحالف الخبيثون الثلاثة مع أعداء الأمة للإجهازعلى الثورات العربية.
هكذا ظهر بجلاء أنه قد تبلور فرز قسم الأمة الى فريقين، فريق متمسك بدينه لا يتخلى عنه ولو جابهته كل قوى شياطين الإنس والجن، وفريق هم امتداد تاريخي للمنافقين الأوائل، اسلامهم تقية، يكيدون لدين الله كيدا، ولا يتورعون عن التعاون مع أعداء الأمة، استغلوا الحالة الجهادية بعد سقوط العراق، فأسسوا تنظيما دعموه حتى شمل العراق وسوريا ينتمي الى الإسلام زيفا، نفذوا أعمالا بشعة لتشويه مفهوم الجهاد، وتحت مسمى محاربة الإرهاب تحالفوا مع الحملة الصليبية الأخيرة ضد العالم الإسلامي.
فشلت هذه الحملة في وأد روح الإسلام (الجهاد)، فلم تنجز إلا الموت والدمار، لذا أرادوا استكمالها بمعركة فكرية، فنشروا ذبابهم الإليكتروني من خلال مواقع التواصل يبثون سمومهم وأكاذيبهم، فاخترعوا قصصا ملفقة غير موجودة سوى في خيالهم المريض، مثل قصة جهاد النكاح وتقاسم السبايا واغتصاب القاصرات..الخ.
وما التلفيق الذي نسب لأردوغان إلا حلقة أخرى في هذيان المنافقين وأكاذيبهم المفضوحة.
على ان هؤلاء لن يضروا المؤمنين إلا أذى، بل على العكس فهم يكشفون أنفسهم، فيسقطون في عيون الناس، قد يخدعون بعض الناس بطول لحاهم أو بمواقعهم العلمية، ويطمعهم أن السلطة في أيديهم، فيظنون أن الله غافل عنهم، لكن الله خادعهم، وأراد أن يمد لهم في غيهم فيسقطون أنفسهم بايديهم بكشفهم سوء طويتهم.
هكذا شاءت حكمة الله، أن يميز الخبيث من الطيب في الحياة الدنيا حتى يلاقي الخبيثون الخزي مرتين..في الدنيا وفي الآخرة.
وبذلك تتحقق بشرى الله للطيبين..”وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ” [القصص:83].

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى