
المصالحة الفلسطينية المتسارعة
ما الذي يجري ؟
يحيى السنوار القيادي القوي في حركة حماس ومن يمسك بمعظم أوراق القرار في رسم مستقبل الحركة في غزة إلى أين يمضي بأكبر حركة مقاومة فلسطينية للاحتلال الصهيوني ،ما دوافع هذه المصالحة المتسارعة، وما مصير سلاح المقاومة، وهل ستكرر حماس تجربتها وتدخل في انتخابات الرئاسة والبرلمان القادمة إذا ما تمت المصالحة ، وما اثر المصالحة على تماسك حماس الداخلي في ظل الحديث عن أزمة حماس الداخل وحماس الخارج .
(1) لماذا ذهبت حماس للمصالحة ؟
• ما يتسرب بان حماس لديها قراءات بان الوضع في غزة يشارف على الانفجار وان حماس إن لم تذهب للمصالحة ستكون بمواجة الشارع والشعب الذي يعاني الكثير فالقطاع يعاني الفقر والمرض ونقص المواد الأساسية الكهرباء والماء الصالح للشرب والذي يحرم منه 75% من أهل القطاع، الحصار استطاع تحويل غزة إلى كنتون معزول وان للشعب الغزاوي طاقة على الصبر وان القطاع يشارف على الانفجار ، ما يعزز خطورة قراءة حماس للوضع في قطاع غزة مطالبة الجناح العسكري لحماس القيادة السياسية التخلي عن إدارة غزة لأنهم يعلمون أن الحاضنة الشعبية للمقاومة هي أهم حصن تتمترس خلفه المقاومة ولا يريدون خسارة تلك الحاضنة أو جرح ولائها .
• لقاء السنوار دحلان في القاهرة لقاء فاجئ الجميع وحرك المياه السياسية الراكدة لدى الكل ، لقاء قرأته قيادة فتح جناح عباس على أن مصر تخلت عنها وان القادم هو محمد دحلان خاصة بان عباس لا تربطه علاقة وثيقة بالقيادة المصرية صاحبة اليد الطويلة في القضية الفلسطينية مقارنة بالعلاقة بين دحلان ومصر مما حدا بمحمود عباس للإسراع في رفع الفيتو عن المصالحة والذهاب لتركيا والتي تربطها علاقة وثيقة بحماس لبحث الموضوع .
• رغبة القيادة المصرية في العودة إلى المشهد السياسي المؤثر بعد أن أصابتها العزلة السياسية الدولية بعد انقلاب يوليو 2013 فهي تدرك أن إعادة القضية الفلسطينية للحضن المصري سوف يعيد مصر إلى واجهة الصدارة السياسية في المنطقة ويلطف حدة التوتر في سيناء لذلك لم تدرج حماس اللاعب مؤثر في الساحة الفلسطينية على قائمة الإرهاب التي صدرت قبل شهور
• وجود قيادة حماس بالكامل في داخل القطاع والذي أعطى للقطاع أولوية كبيرة في برنامجه القيادة الحمساوية فكانت تلك التطورات سريعة كما أن وجود القيادة في الداخل جعل قيادة حماس تتخفف من أي ضغط من قبل الدول الداعمة أو المستضيفة فتسارعت القرارات بما يخدم المصالحة .
• الحسم الذي تتمتع به شخصية السنوار والذي يبدو انه مدعوم ويملك ورقة قوية داخل الجناح العسكري لحماس في غزة وهذا ما صرح به بان ما يطرحه بعلم وموافقة محمد ضيف القائد العسكري لكتائب القسام .
(2) مصير سلاح المقاومة ؟
في الوقت الذي لم يتطرق السنوار لسلاح القسام وان كان تحدث عن قوة كبيرة لحماس تحت الأرض في غزة ، وتحدث عن تنسيق عال مع بقية الأذرع المسلحة، متمنيا أن يندمج الجميع في وقت ما في إطار «جيش وطني فلسطيني “، على النقيض صرح محمود عباس انه لن يقبل باستنساخ تجربة حزب الله اللبناني في غزة ، فهل يكون سلاح المقاومة هو العقبة الكبيرة التي لن يستطيع الفرقاء تجاوزها ؟
لكن في ظل إصرار السنوار على المصالحة وتهديده بأنه سوف يكسر عنق كل من يعطل المصالحة فالواضح بان سلاح المقاومة سيكون على طاولة المفاوضات للنقاش لكن من المؤكد أن حماس لن تقبل التنازل حتى قيام الدولة الفلسطينية وبذلك يكون دمج الفصائل المسلحة في جيش الوطني الفلسطيني الذي تحدث عنه السنوار كاستحقاق لإقامة الدولة الفلسطينية الذي تتحدث عنه الشرعية الدولية لا استحقاق للمصالحة بين فتح وحماس.
حماس تدرك بأنها حركة مقاومة قامت من اجل دحر العدو لا من اجل المشاركة بالسلطة فأي شيء يهدد سلاحها ما دام الاحتلال قائم ستواجهه حماس وترفض التعاطي معه ولن تقبل المساومة عليه حيث وان تنازلها عن السلاح يعني أنها تسلم رقبتها للعدو الصهيوني ولخصوم السياسية الفلسطينية على طبق من ذهب .
(3) هل ستدخل حماس الانتخابات القادمة
بعد أن تصبح المصالحة ناجزة سيكون من أول استحقاقاتها انتخابات تشريعية في الضفة وغزة وانتخاب رئيس السلطة الفلسطينية، استطلاعات الرأي تقول بان هنية يتقدم على مشعل ومحمود عباس إذا ما قررت حماس الدخول في انتخابات رئاسية وترشح هنية .
لكن هل ستعيد حماس ذات التجربة وتخوض الانتخابات التشريعية بمبدأ الأغلبية الذي شاركت به في انتخابات عام 2006 ، الواقع يقول وان كانت حماس لا زالت تتمتع بشعبية كبيرة في القطاع والضفة لكنها لن تدخل الانتخابات من اجل الحصول على الأغلبية في الانتخابات التشريعية وإنما سوف تشارك من اجل المشاركة وسوف تسعى إلى تحقيق حصة جيدة في الانتخابات لكنها لن تسعى للأغلبية ، حصة تمكنها من المشاركة في تشكيل الحكومة والحصول على قوة تشريعية تمكنها من حماية سلاح المقاومة،
أما بخصوص الرئاسة فكل المؤشرات تقول بان حماس لن تترشح على رئاسة السلطة الفلسطينية فهي تعلم تماما استحقاقات شغل هذا المنصب وما يؤدي إليه من تنازلات ليس بوارد حماس الاقتراب منها فكل الذي يمكن أن تقوم به حماس هو أن تكون مؤثرة بقوة في حسم الاستحقاق الرئاسي بين أجنحة فتح والسعي لعقد الصفقات مع المتنافسين بما يخدم مشروعهم مع مرشحي الرئاسة ، حماس سوف تعمد لسياسة بيضة القبان وترجيح كفة احدهم على الأخر وخاصة في ظل الحديث عن إمكانية خروج مروان البرغوثي من معتقله ليقود السلطة ومحاولة دحلان العودة بقوة علاقاته المصرية و العربية والدولية مما يعطي حماس متسع كبير للمناورة وعقد الصفقات السياسية .
(4) هل المصالحة ستؤثر على تماسك حماس الداخلي
مما لا يمكن إخفاؤه أن هناك تباين وتمايز غير معلن ويتم مواراته بين حماس الداخل وحماس الخارج كانت بوادر هذا الانقسام تظهر في تصريحات الزهار عندما قال “حيث الدم تكون القيادة” إلا أن قيادة حماس السابقة استطاعت أن تتجنب الانزلاق ودملت بوادر أي انشقاق ، قيادة حماس الحالية جاءت نتيجة لهذا الانقسام فتركيز القيادة في غزة هو جزء من حراك داخلي واختلاف بين حماس الداخل وحماس الخارج .
كادت أن تنفجر أزمة داخلية بين حماس الداخل وحماس الخارج بعد لقاء السنوار لمحمد دحلان والذي ذهب إليه دون معرفة وعلم قيادات الخارج لكن هذه الأزمة تم معالجتها سريعا وطي صفحتها .
(5) هل ستنجح المصالحة
من يقرا تصريحات السنوار يدرك بان الرجل ذاهب إلى المصالحة مهما كان الثمن حيث هدد بأنه سيكسر عنق كل من يقف بوجه المصالحة وأردف بان المفاجئات ستكون كبيرة وان كل مفاجئة ستكون أعظم من التي قبلها وانه يسعى إلى دمج الفصائل المقاومة في الجيش الوطني الفلسطيني .
تصريحات عباس بددت التفاؤل باستكمال المصالحة شعبيا إلا انه يتم قراءة هذه التصريحات نخبويا من باب وضع الشروط لتعظيم المكتسبات في التفاوض وان الرجل يعي خطورة الاقتراب من هذا الملف وان إفشاله المصالحة سيكون البديل عنه دحلان الخصم اللدود له، النية جادة وحقيقية لدى حماس في إتمام المصالحة وهذه النوايا التي يحملها الرجل القوي المدعوم من الجناح العسكري قادرة على فرض المصالحة والمضي بها قدما أن صدقت نوايا وأفعال فتح ذلك ؟
في جميع الحالات إذا ما استطاعت حماس التخلص من عبء السلطة وإلقائها في حضن فتح وتوحيد الموقف الفلسطيني أمام المجتمع الدولي والاحتفاظ بسلاح المقاومة وتحولها إلى قوة ضغط في فرز من تقدم في الرئاسة الفلسطينية ومشاركتها في البرلمان كدرع يحمي سلاحها ستكون حماس خرجت من عنق الزجاجة بأقل الخسائر والذي علقت به منذ انتخابات 2006 لتزيد شرنقتها في علم 2007 بعد الحسم العسكري .
محمد العودات
كاتب سياسي وحقوقي أردني