المسارات المهنية أُفشلت قبل أن تبدأ..!
د. مفضي المومني.
2023/4/4
هذا المقال نشرته قبل سنتين، ونشرت قبله مقال عن مشروع المسارات المهنية والنفاذية، وهو مشروع قدم من جامعة البلقاء قبل 3 سنوات ومعروف من اقترحه…! وبالمناسبة هو ليس إختراع اردني… ! وليس لاحد حق إدعاء ملكيته أو إختراعه، فهو نظام مطبق منذ سنين طويله في بعض الدول المتقدمة صناعياً ولو قدر له أن يطبق لدينا بشكل صحيح ربما ساهم في تطوير وضع التعليم المهني والتقني، ولكن جهل بعض الإدارات السابقة في التعليم المهني والتقني وغياب الفكر الإستراتيجي عن المشهد، وعبثية الإستعراض أفقدته معنى وجوده، حين اختزل بالبكالوريوس التقني..!.
المشروع لم يرتكز على مبررات حقيقية حين تم اقراره… حيث كان العبث وتشويه الحقائق سيد الموقف سابقاً، مشروع المسارات المهنية والنفاذية والذي أقره مجلس التعليم العالي في عهد وزير اسبق، وكنت من المشجعين لهذا المشروع ونجاحه ولكن ضمن شروط أجهضت منذ البداية أوضحها بما يلي:
1- وجب تنفيذه تدريجيا من البداية وبشكل متكامل من القبول لخريجي الثانوية غير الناجحين أو الناجحين ضمن معطيات محددة وحتى الدكتوراه وضمن سلسلة تعليمات تحفظ وتنظم المسيرة التعليمية التتابعية، وكذلك الإنتظام في سوق العمل ومتطلباته وكذلك متطلبات التطور التكنولوجي المتسارع، بحيث يُشترط الإنتقال لطلبة المسار في مستويات الإطار الوطني، تحقيق المؤهلات أي الدرجات المهنية من دبلوم وحتى دكتوراه، إضافة لتحديد سنوات الخبرة والعمل التي تفصل بين الدرجات بما يحقق الحصول على الدرجة وبذات الوقت عدم تسرب الكفاءات المهنية من المصانع وقطاع الإنتاج والخدمات، وسنوات الخبرة والعمل هذه في سوق العمل؛ إذ يجب أن يحددها نظام او تشريعات مخصصة لذلك ومقرة من مجلس التعليم العالي، وبحيث لا يكون القبول لمرحلة البكالوريوس مباشر لطلبة الثانوية العامة أو طلبة الدبلوم الناجحين وكأننا نتحايل على إيقاف التجسير أو تقنينه… ! والذي أقرته الأستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، وبالتالي تعزيز التعليم الجامعي المُغرق أصلاً على حساب التعليم التقني والتطبيقي المتوسط…!. والإضرار بالتعليم التقني وأعداد المقبولين فيه.
2- يحتاج تطبيق المسارات المهنية قاعدة صناعية وتشاركية حقيقية وفعالة مع القطاع الخاص، لأن البرامج والقبول ستكون مشروطة ومعتمدة على التدريب والتطبيق العملي في مواقع العمل والمصانع والمؤسسات الإنتاجية للطلبة لأن التركيز الأكبر هنا هو على إكساب المهارات المهنية والفنية بمستوياتها، إضافة لتشغيل حقيقي في المصانع والمؤسسات الإنتاجية كونه شرط قبول للمستوى الأعلى لمستويات الدرجات المسكنة في الإطار الوطني للمؤهلات، من دبلوم مهني الى بكالوريوس مهني إلى ماجستير مهني إلى دكتوراه مهني.
3- الوضع الإقتصادي الراهن ما بعد وقبل جائحة كورونا أطاح بالكثير من المؤسسات الصناعية والإنتاجية، أو إنتقلت لبلدان أخرى ويصل الرقم لأكثر من ثلاثة الآف، وهذا سيؤثر بشكل مباشر على التنفيذ للبرنامج، ولا أعتقد ان مجلس التعليم العالي حصل على دراسات قبليه حقيقية ورصينة بهذا الموضوع ولكافة التخصصات..!، تؤمن تشاركية فعالة مع قطاع التصنيع والخدمات والمنتجات.
4- الذهاب فورا في تنفيذ المسارات المهنية لطرح بكالوريوس تقني كما اعلن في موافقة مجلس التعليم العالي في جلسته الثالثة2022/2021، بعهد وزير أسبق، ليكون القبول مباشر فيه لطلبة الدبلوم المتوسط، وخريجي الثانوية العامة، هو إخراج كما اسلفت للمسارات المهنية والنفاذية عن هدفها ومضمونها، وكذلك قتل للتعليم التقني الجامعي المتوسط الذي يحتاجه سوق العمل وهو الرافعة الحقيقية للإقتصاد الوطني وحل مشكلة البطالة، فالسوق مغرق بخريجي الجامعات ولكم أن تتخيلوا أن عدد المهندسين العاطلين عن العمل يتجاوز 37000 مهندس في مختلف التخصصات، وهؤلاء يقبلون باي عمل في المصانع والمؤسسات الإنتاجية وعندهم الإستعداد للعمل كتقنيين مع بعض التدريب إلا أن سوق العمل لا يستوعبهم، فهل نحن في عجلة من امرنا لنزيد الطين بلة..! ونخرج أفواج من حملة البكالوريوس التقني والذي هو رديف الهندسي ليزيدوا أعداد العاطلين عن العمل..! وأيضاً وحتماً سندخل في مشكله لاحقة مع نقابة المهندسين، إذ قد يطالب هؤلاء الخريجين بعضويتها أسوة بزملائهم في المسار الأكاديمي..!،وفي حالهم هم ليسوا مهندسين، والمحصلة هذا الفعل والإستحداث لبكالوريوس تقني لم يكن موفقاً ولا صحيحاً وتم دون أدنى دراسات حقيقية…!،
هل نحن بحاجة لإغراق سوق العمل بخريجي بكالوريوس أكثر مما هو موجود..؟؟، بدل التركيز على زيادة أعداد المقبولين للتعليم التقني أو المسارات المهنية للمرحلة المتوسطه..!.
5- قبل إستحداث أي تخصص وبأي مستوى وفي ظل التخبط والعشوائية ووصول التخصصات الجامعية لأكثر من 500 تخصص وخاصة في المستوى الجامعي، يجب على مجلس التعليم العالي أن لا يقر أي تخصص إلا بعد دراسة مسحية حقيقية لحاجات سوق العمل وبعد التشاور مع نقابة المهندسين بما يخص التخصصات الهندسية والتقنية، ويبرز السؤال وهل تمت مثل هذه الدراسات؟ ومن قام بها؟ وأين محاضر الإجتماعات إن تمت؟ وهل تم إشراك القطاع الخاص؟ والإرتكاز على حاجات فعلية؟ أم أن الموضوع ارتجالي وعشوائي وإستمرار لما كنا عليه فبدل أن نصلح، نخرب بأيدينا ونستمر في الغرق، وليجرب مجلس التعليم العالي الطلب من قطاعات التشغيل الخاصة والعامة ويطرح عليهم السؤال التالي: (من منكم طلب،… أو لديه حاجة لبكالوريوس تقني؟ لن تجد من يجيبك، صحيح أن بكالوريوس تقني موجود ببعض دول العالم المتقدم وخاصة التي لديها قاعدة صناعية متقدمة جدا ونجحت في ترسيخ التعليم التقني، والمهني ونسب القبول فيها تصل 50% أو تزيد من خريجي الثانوية، وليس لديهم عقدة مهندس وفني ومهني… ! لان الفني امتيازاته اكثر من المهندس أحياناً، ولكنهم أوجدوه بعد أن نجحوا في التعليم المهني والتقني والهندسي، ولديهم قاعدة وبنية تحتية صناعية تؤمن العرض والطلب للتدريب والتشغيل، ولدينا نسب الإلتحاق في التعليم المهني والتقني تدور بين 5-10% وقد تقل لبعض التخصصات.
6- أولويتنا الوطنية وكتبت بذلك كثيراً، تفعيل وتطوير التعليم التقني لمستوى الدبلوم المتوسط ( سنتين أو ثلاث سنوات) وهذا ما يحتاجه سوق العمل ولا أعتقد لا بل نعترف أننا لم نحقق الطموح المطلوب بذلك لتاريخه، المملكة العربية السعودية بدأت بذلك منذ سنوات ومن خلال مؤسسات إعتماد عالمية، وهو مشروع كبير وضخم يحتاج سنوات وميزانيات كبيرة، وكذلك في مجال التعليم المهني فالوضع ضعيف جداً، من حيث التمويل والبرامج ونسب الإنخراط المتدنية جدا فيها، وكذلك غياب جسم وطني يصنع سياسات واستراتيجيات التعليم المهني والتقني المشتتة، فمنذ سنوات ونحن ندور بحلقة مفرغة، وكذلك عدم وجود جسم وطني يحدد الكم والنوع وينسق العرض والطلب في مجال القوى البشرية على المستوى الوطني، هذه اولوياتنا الوطنية التعليم التقني والمهني، اما التعليم الهندسي المكمل لثلاثية هرم القوى العاملة التي تزودنا بالخدمة والمنتج فهو مغرق جداً، وأعداد المهندسين في النقابة تجاوز النسب العالمية باضعاف نسبة لعدد السكان.
7- يبقى التعليم المهني والتقني الأكثر كلفة بالمقارنة مع التعليم الإنساني والعام وغيرها… وهنا هل لدينا ميزانيات طموحة وبنية فنية ومهنية وموارد فنية بشرية ومدربين وغيره… قادرين على تنفيذ ذلك..؟ لا أعتقد، ولم نعمل لتاريخه لتنفيد إستراتيجية وطنية للتعليم المهني والتقني… عدا عن التصريحات… التي نسمعها منذ زمن وامتهنها البعض… دون فعل على الواقع.
أخيرا… هذا رأيي الشخصي من خبرتي ومعرفتي وتخصصي في التعليم المهني والتقني، وقد يوافقني عليه كل عارف، المسارات المهنية جيدة ولكن يجب ان تطبق كل متكامل دون تجزئه، مع ضمان البنية التحتية التعليمية والتدريبية في الجامعات وسوق العمل، وكذلك التدريب بمستوى متقدم في المصانع والمؤسسات الإنتاجية، وكذلك حاجات سوق العمل، وغير ذلك فنحن ندق مسمار جديد في نعش التعليم التقني ونظامنا التعليمي بشكل عام.
مقترحاً تعليق القبول للبكالوريوس التقني، لحين وضع نظام تنفيذي للمسارات المهنية والنفاذية أو الغاء المشروع كاملاً… ودعونا نصلح ما لدينا أولاً…ولا نراكم مشاريع سنكتشف بعد سنوات اننا أخطئنا في طرحها… وأفسدناها قبل أن تبدأ… حمى الله الاردن.