المرصد العمالي ..حريق بالة إربد حلقة جديدة لمسلسل مخاطر العمل غير المنظم

#سواليف

لم يكن يدور في خلد سفيان أبو السكر أن يرن هاتفه يوما لينبئه بأن تحويشة العمر تبددت حتى جاءه اتصال صباح الأربعاء ليبلغه بأنّ بسطتيه في #بالة_إربد قد اختفى كل ما عليهما بعد أن التهم #حريق بعد منتصف الليل جزءاً كبيراً من #المحلات و #البسطات جنوب السوق.

فوجئ أبو السكر لدى وصوله بأن يجد ما عمل عليه خلال السنوات الماضية قد بات هباءً.

هذا حال معظم البسطات والمحلات التي التهمها حريق فجر الأربعاء في سوق بالة إربد بالقرب من منطقة التل، وقد أتى على عشرات البسطات والمحلات الكبيرة والصغيرة والمستودعات على اختلاف نشاط بيعها.

الأضرار و #الخسائر قصرت على الأمور المادية فقط، من #بضائع المحلات ومحتوياتها من تجهيزات وديكورات وملابس وأحذية وغيرها من سلع تباع داخل السوق، واستطاع الدفاع المدني السيطرة على الحريق قبل أن يمتد أكثر.

بالرغم من عدم وقوع خسائر في الأرواح أو أي إصابات بشرية، إلّا أنّ المعطيات الأولية تتحدث عن خسائر بمئات الآلاف من الدنانير، فضلاً عن أنّ الحريق التهم كل ما تحويه المحلات والبسطات في الواجهة الجنوبية مقابل بوابة سوق الذهب، ليترك عشرات العاملين وأصحاب البسطات في المنازل دون عمل، علماً بأنهم يعملون بأجور يومية.

يتحسر أبو السكر على عمله المستقل، بعد أن عمل كـ”شغيل” أكثر من عشر سنوات في البسطات والبالة، ليأتي الحريق على كل ما يملك من بضائع تقارب قيمتها ألفي دينار، وأصبح اليوم ينتظر في بيته “رحمة ربنا” غير آمل بتحسين وضعه أو الحصول على تعويض لعدم معرفة أحد حتى الآن بتفاصيل الحادث.

بدأت قصة أبو السكر مع البسطات قبل 18 عاماً، فتنقل في العمل عليها كـ”شغيل” عند أصحاب البسطات بدخل يومي، حتى قررت بلدية إربد الكبرى قبل سنوات قليلة تنظيم السوق مجدداً وتوزيع البسطات على الراغبين فيها، ولسوء حظه لم يكن أحد الحاصلين عليها، فاستأجر بسطتين من شخص ملّكته البلدية إياهما مقابل 150 دينارا عن البسطة الواحدة.

لا يتأمل أبو السكر بتعويض، فهو غير مسجل في الضمان الاجتماعي لعمله في المياومة والتزاماته الكثيرة بين إيجار بيت واحتياجات منزل وعائلة “طول عمرنا بنشتغل باليومية وعلى بسطات، عمري 36 سنة وما كنت أفكر في الضمان، بس الأيام هاي الواحد صار يفكر يسجل”.

الحسرة الكبيرة تكمن في أنّ هاتين البسطتين حولتاه إلى مدير أو متضمن يعمل لمصلحته ويكتفي بدفع الإيجار، وكان بيع الملابس الأوروبية يعطيه دخلاً يومياً بين 30 و50 ديناراً و100- 150 ديناراً في أيام فتح البالات والمناسبات الكبيرة كالأعياد التي تشهد ازدحام الأسواق.

لا يعرض أبو السكر مشكلته وحده، وإنما يتحسر على جيرانه من أصحاب البسطات والعاملين فيها، حتى المحلات الكبيرة التي خسرت في هذا الحريق مئات الآلأف وفقاً لحديثه، وجعل عشرات العاملين يقبعون في المنازل لا يعلمون كيف يؤمنّون احتياجاتهم.

أمّا عوض أبو سرايا، الذي لا تبعد بسطاته أمتار ا عن بسطتي أبو السكر، فقد نجت بأعجوبة من الحريق كما يقول لـ”المرصد العمالي الأردني”.

وهو رأى حزناً كبيراً خيّم على السوق صباح الخميس وكأن مأتماً أقيم فيه أسفاً على ما حدث.

أبو سرايا وغيره من أصحاب البسطات التي لم تدركها النار، لم يعملوا الأربعاء بعد إغلاق الأمن العام المنطقة للسير بإجراءات الإنقاذ ثم التحقيقات. ويؤكد أن ذلك غير مهم، فأوضاع جيرانه باتت مزرية للغاية، فمن بين ما التهمه الحريق 25 محلاً يمتلكها رجل واحد ولم تخرج منها قطعة قماش سليمة، كانت تشغّل عشرات العمال يومياً، باتوا جميعهم اليوم دون عمل أو أجر يومي.

ويروى قصة جار له في السوق، وهو عامل عربي الجنسية، اشترى بضائع بقيمة 8 آلاف دينار لم يبق منها قطعة واحدة.

أكل الحريق عشرات البسطات في السوق، ونجت بسطات اخرى، وإن تعطل عملهم مؤقتا بسبب الإجراءات الأمنية، ويقول أبو سرايا إن قوت يومهم لا يهم أمام خسائر جيرانهم، “فخسارة يوم ليست كخسارة عمر”.

حريق بالة إربد، يفتح باباً جديداً من أبواب العمل غير المنظم ومخاطره دون أن تأبه الجهات الرسمية لتنظيمه أو ضرورة العمل عليه، فمثلا؛ البسطات تم توزيعها من قبل بلدية إربد الكبرى، ومعظم من وزعت عليهم “قام بتأجيرها شهرياً” وفقاً لأحاديث عاملين في السوق.

قبل سنوات قررت البلدية إعادة تنظيم السوق على غرار ما فعلته أمانة عمان بسوق الجمعة بتوزيع بسطات بمساحات محددة، باتت اليوم تؤجر او تباع دون عقود أو اتفاقات رسمية، فهذا أبو السكر يقول إن العديد من البسطات بيعت بـ 2000 دينار و3000 دينار قبل سنوات ولا تتابعها البلدية حتى الآن.

كذلك يقول ياسر العربي الذي خرج من سوق البالة وتوجه لتجارة الألعاب الأوروبية في إربد على البسطات، إنّ مكاناً مثل سوق البالة يعتبر مكاناً عاماً كالحدائق ولابد من تعيين حراس عليه من قبل بلدية إربد الكبرى، فكيف لها أن توزع البسطات ثم تهملها وتتركها دون رقابة أو متابعة أو حتى حراسة.

ويستذكر العربي أنّ أصحاب البسطات والمحلات يدفعون لأشخاص 5 دنانير أسبوعياً مقابل حراسة السوق، غير أنّ البالة كبيرة في إربد ويصفون سوقها بأنه ربما أكبر من سوق عمان، إذ يمتد من وسط البلد وحتى مخيم إربد شمالاً على امتداد التل.

ما حدث في بالة إربد مثال على العمل غير المنظم الذي يستمر بتسجيل ارتفاعات وفقاً لتقرير ربيع 2022 الصادر عن البنك الدولي بعنوان “الاضطرابات العالمية تؤخر التعافي وخلق فرص العمل”، ولا تزال الإجراءات القادمة تهدد بارتفاع أكثر، فالتعديلات المزمعة على قانون الضمان الاجتماعي ستزيد عزوف الشباب عن الالتحاق بالضمان بعد توجهات حرمانهم من تأمين الشيخوخة خلال السنوات الأولى من اعمالهم، وتغيير الحسبة التقاعدية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى