المربى غلب الأصل!

المربى غلب الأصل!
م. عبدالكريم أبو زنيمة

يُحكى أن مزارعًا كان يملك مجموعة من الأبقار وكان يعيش بأمنٍ واستقرار وراحة البال، إلى أن بدأت حوادث السرقة بالوقوع في القرية، فقرّر المزارع حينها أن يشتري كلباً لحراسة مزرعته وأبقاره، فذهب إلى رجلٍ يُربي مجموعة من الكلاب واشترى من عنده أحدها وعاد به إلى مزرعته وهناك اعتنى به حتى تعوّد على بيئته الجديده، وبعد عدّة أيام أطلقه في المزرعة ليقوم بمهام الحراسة. مضت الأيام والمزارع وأُسرته ينامون ليلهم الطويل موكلين مهمة الحراسة لكلبهم الجديد، وفي صبيحة أحد الأيام نهض المزارع من نومه ليتفقد أبقاره فوجدها مسروقة! بحث عنها في القرية وأطرافها ولم يجد لها أثراً! توجّه للشرطة وقدّم بلاغاً بالسرقة وعاد إلى مزرعته، وبعد فترة حضر محقق الشرطة إلى المزرعة لكنّ كلب الحراسة استشرس في النباح والتصدي للمحقق ومنعه من الدخول، وعلى صوت نباح الكلب تنبّه المزارع بأن هناك من يقف في الخارج ويحاول الدخول، فهرع لينظر من القادم، وإذ بالمحقق يقف بعيداً ولا يجرؤ على الدخول! وهنا بادر المحقق بسؤال المزارع: “كيف تُسرق أبقارك وعندك مثل هذا الكلب الشرس؟ وكيف لم تسمع نباحه عندما سُرقت أبقارك؟” وهنا أجاب المزارع: “والله يا بيك ما نبح طول الليل!” دُهش المحقق مما سمعه؛ ثم قال: “أليس هذا كلبك الذي تربى عندك؟” وهنا أجاب المزارع: “نعم هو كلبي ولكنّه لم يتربى عندي بل اشتريته!” وهنا كان المحقق فطينًا وذكيًا وقال: “يا عم ما فيه داعي للبحث والتحري، أبقارك عند من اشتريت منه هذا الكلب، فالكلاب وفيّة لمن تربت عنده، وهذا الكلب لم ينبح ولم يدافع عنك عندما سرق مربيه أبقارك بل رحّب به وتملق له وسهّل له السرقة!”.
كثيرٌ ممن درسوا وتعلموا وتربوا في بلاد الغرب على حساب الشعب الأردني ونفقة الدولة وحصلوا على جنسيات تلك البلاد وتنعموا بخيرات الوطن وتقلّدوا المنصب تلو الآخر وترأسوا مجالس الإدارات والمؤسسات الدسمة التي فصّلوها لهم ولابنائهم – الذين لا يرطنون بلغتنا حتى – تخلوا اليوم عن الوطن في زمن الشدة ولم يهبوا لنجدته، بالأمس في زمن الغنائم كانوا لا يتغيبون عن حفلٍ وطني ولا يفارقون شاشة إعلاميّة صادحين بشلالات الشعارات الوطنيّة والولاء والانتماء، ولكنّهم تواروا واختفوا اليوم عندما احتاجهم الوطن، اليوم يتخلون عن الوطن ليواجه مصيره في هذه الفترة العصيبة وأموال الشعب الأردني التي نهبوها مكدّسة في أرصدتهم، ولكن لا عجب في ذلك! فهم تربوا في الغرب وولائهم لمن تربوا عندهم، و “المربى غلب الأصل” كما يقول المثل الشعبي الاردني.
كان للوطن رجاله عبر التاريخ وسيبقى للوطن رجاله في كل زمان، وهذه الفترة التي مرَّ بها الأردن والأردنيين من وصول هؤلاء الغرباء وتحكّمهم بمفاصل الدولة ومحاولتهم تزييف التاريخ والتراث والمبادئء والقيم والسلوك الأردني وتحطيم كل ركائز وأعمدة الدولة، زائلة لا محالة، ولمثل هؤلاء نقول: بأنّ الأردن سينهض وسيتعافى، وما أنتم بنظر الشعب إلا شيالكة “جمع شيلوك” العصر!
وهنا لا بدّ من الانحناء احترامًا وتقديرًا لكل الجهود المبذولة للتصدي لهذا الوباء، ولرجال الوطن مدنيين وعسكريين ممن يتفانون في أداء واجباتهم من منطلق الولاء والانتماء بصمت ودون ضجيج إعلاميّ، وهنا لا بدّ من الإشادة بالدور الريادي والإنساني الذي يؤديه جهاز الدفاع المدني بكل كفاءة واقتدار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى