المراهقون وعذابات التواصل الاجتماعي/ د.محمود أبو فروة الرجبي

يَعِيش مراهقونا هَذِهِ الأيام مثل غيرهم حَالَة من التوهان، سببها مواقع التواصل الاجتماعي والضخ الإعلامي المتواصل من خلالها، ولأنَّ هَذِهِ الْوَسائِل جاءتنا مثل التسونامي، دونَ مَوْعِد، أوْ تحضير، أوْ حَتْى دونَ امتلاك الحد الأدنى من الثقافة اللازمة للتفاعل مَعْهَا، وهضمها فإنها ما زالت تُؤثر عَلَى قطاعات كَثِيرة من النَّاس بسلبية، ومِن ضمنهم المراهقين.
فِي الأصل فإن المراهق يَعِيْش فترة غير مستقرة عاطِفياً، ووجدانيًا فِي غالب الأحوال، وَفِي سبيل سعيه من أجل ترسيخ صورته، ومكانته فِي الـمُجْتَمَع، يَدْخُل فِي صراعات عديدة، مَع أهله، ومدرسته، ومحيطه، وإذا تحالفت قلة خبرته، مَع عدم نجاعة ما يَفْعَلْه الآخَرونَ حوله، يؤدي هَذَا إلى نَتَائِج لا تحمد عقباها.
وَمَع انتشار وَسَائل التواصل الاجتماعي الَّتِي أعطت المراهق مرجعية غير تقليدية لأفْكارهِ، ومعتقداته، وسلوكياته، زاد تمرده، وأخذ شحنة قوية من الثقة الزائدة بالنفس، أوْ قلة الثقة عِنْدَ البَعْض، مِمَّا أدى إلى زيادة مشكلاته، وصراعاته الَّتِي تتخذ مناحٍ غَرِيبَة فِي بَعْض الأحيان تنعكس عَلَى سلوكه، وتصرفاته، وملابسه، وَطَرِيقَة قصه لشعره، وتعاطيه مَع مُخْتَلِف جوانب الْحَياة، فَكيفَ نتعامل مَعهُ؟
لا بُدَّ دائمًا من بِنَاء ثقافة هاضمة، وَمُضَادَة فِي الوَقْت نَفْسه. الـمَقْصُوُد بالثقافة الهاضمة تربية الـمُجْتَمَع كُلهُ عَلَى تقبل الآخر، والتعددية، بِنَاء عَلَى القيم الَّتِي يؤمن بِهَا الشخص، أوْ الـمُجْتَمَع، وَقَدْ يعترض معترض وَيَقُول عَن أي قيم تَتَحَدَّث. الـمُجْتَمَع مشتت: فَهُنَاكَ قيم دينية، وَأخْرَى علمانية، وتتفاوت النَّاس فِي بلادنا ما بَيْنَ الليبرالية وَالـمُحَافظَة، فَمَاذَا نفعل؟
بَلَدنَا لَيْسَتْ غَرِيبَة كَمَا يَحْصل فِي العالم كُلهُ، فَلا توجد دَوْلَة بلون واحد حَتْى فِي أكثر الدُّوَل ديكتاتورية، فَقَد خلقنا هَكَذَا متعددون، وأفكارنا مُخْتَلِفَة، وعقائدنا متضاربة، وقيمنا متعارضة، لَكِن يَجِبُ أن نبني نموذجًا ثَقَافِيًا قائِمًا عَلَى التعددية وتقبل الآخر، وفق مَجْمُوعَة من القيم الإنسانية الَّتِي لا يَخْتَلِف عَلَيْهَا اثنان.
أمَّا الثقافة المضادة فالمقصود بِهَا الثقافة الَّتِي تقف سدا أمام الانحلال، والذوبان السلبي، وتبني هوية وطنية جامعة يقبل بِهَا الأردنيون كلهم، وَتَكُون بنكهة إنسانية، ولا تغفل التراث، والتاريخ، والدين، وغيرها.
وَسَائل التواصل الاجتماعي طوفان مليء بالسلبية، والإيجابية، ولا يُمْكِنُ لشخصية مهزوة لا لون لَهَا أن تستقي مِنْهُ ما هُوَ مُفيد، وتبعد ما هُوَ غير ذلِكَ، لِهذا آن لَنَا أن نُرَسِّخ القيم الإيجابية فِي مجتمعنا، وأن نعزز الثقافة الجيدة، ونستبعد ما هُوَ سلبي مِنْهَا، حَتْى نعيش بأمان فِي هَذَا العصر الغَرِيب.
وبغير ذلِكَ سنبقى ندور فِي حَلَقَة مفرغة.

Mrajaby1971@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى