المرئيات العربية تحت المجهر

#المرئيات_العربية تحت المجهر

عبدالبصير عيد

كان فيما مضى لنا أسرةٌ تجتمعُ لمشاهدة التِّلفاز الَّذي يَبثُ في الغالب لقناتين رسميتين. تُستقبل اشارته عبر “الهوائي” الذي يظهر فوق أسطح البُيوت. وكانت تلك القنوات تُقدِّم مُوجزاً من الأخبار في أوقاتٍ محددةٍ، والنَّشرة الرئيسةُ في تمام السَّاعة الثَّامنة مساءً. تمتاز هذه النَّشرة بالإيجاز وتغطية الحدث مع تحليلٍ يدركهُ المشاهِد العربي ويقفُ به على حيثياتِ المواضيعِ السَّاخِنة فيما وراء الخَبَرِ.
لكن مع تعددِ #القنوات_الفضائية غير الممنهج، وتعدد الممولين الَّذين تختلفُ أهدافهم وأغراضُهم من تلك القنوات، ومع ظُهور مواقعِ التَّواصُل الاجتماعي المُختلفةِ، صار المُشاهِد العربيُ في مَرمى الهَدَفِ واقفاً في مفترق طرقٍ يزدحمُ فيه المحتوى المرئي المتنوع، وقليل ما تجد بذلك المحتوى ما يَرقى لتطلعات الشَّارع العربي. ولا يُنكر أحد أن هذا التنوع يوسِّع آفاق ومدارك المشاهد العربي، ولكن بسبب التَّوجه الربحي لبعض القنوات حادت عن فكرة الإعلام الأصلية التي يقوم عليها.
الطَّرحُ الرَّكِيك والسَّخيف في بعض القنوات الفضائية وخاصة الإخبارية في التَّعاطي مع المستجدات العالمية والوطنية له دلالاتٌ خطيرةٌ.
الاستخفافُ بعقولِ النَّاس من خلالِ تقديم مُحتوى يمكن وصفهُ أنه فارغٌ في مضمونهِ جُملةً وتفصيلاً يسلِّطُ الضَّوء على مدى تدهور وسقوط الإعلام العربي عبر بعضِ القنوات الفضائية المتلفزة التي يمكن وصفها أنها تفتقر إلى المِهنية العالية وتحتاج إلى مزيدٍ من الجهدِ لوضعها على سِكَّة صحيحة سليمة.
وهذا بلا شكٍ دفع كثيراً من المتابعين لمتابعة القضايا العالمية عبرَ قنوات التواصل الاجتماعي المختلفة. وهذا أيضاً يضع المُشاهِدَ العربي ضمن خيارات مُتعددة ومُتنوعة في استقبال الأخبار المزيفة والمضللة.
عندما لا تجد القنوات التلفزيونية ما تقدمه تبدأُ بصنع خَليطٍ غير متجانس من المحتوى الفقير الذي لا يقدم ولا يُأخِر، حتى أن هذا المحتوى أو ذاك يدور في حَلَقةٍ مُفرَغةٍ من التَّفاهة. ومن العَجيب أن ترى المذيعَ أو المذيعةَ تخلطُ العربية الفصيحة بالعامية – مع تقديرنا لكليهما – لكن ذلك يجعل من المحتوى فيه ضَربٌ من الغرابة وخاصة عند دمجه بالأفكار الوضيعة والمشتَتَة وتقديمها للجُمهور على أنها محتوى مُتقدم وغاية في الحِرفية الَّتي تزخرفها الأنوار وفنون المُونتاج الَّذي يَعمل كسحرٍ يُراد به أن يَجذِبَ المُشاهد العربي والاستخفافِ به وبعقلهِ.
إن حجم الأحداث والتَّغيرات الَّتي تطرأ باستمرار في منطقتنا العربية زادت من الوعي السياسي عند هذه الشعوب، فليس من السهل أن يتقبل المواطن العادي فضلاً عن المثقف الطرح الركيك في بعضِ الفضائيات العربية في التعاطي مع القضايا العربية والعالمية.
رغم انغماس الشعوب العربية في مستنقعٍ من المشاكل الَّتي تحيطُ به على جميعِ الصُّعُدِ السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن هذه الشعوب تملك من الوعي تجاه قضاياها ما نَفخرُ به أمام شعوب العالَم. نعلم أن هناك مناطق في محيطنا العربي أصبحت تفتقر الي الأمن والاستقرار لكن الشعوب العربية شعوب ما زالت تناضل من أجل قضاياها وتشقُ طريقها نحو التنافس العالمي، وهذا النِّضال لا يحتاج إلى قنوات ترقُص على مآسي الشعوب، أو تَصُمُّ آذانها وتُغمِضُ أعينها، بل تريد قنوات فضائية تنظر بعينِ هذه الشعوب وتَسمعُ بآذانِها وتتكلمُ بلسانِها.
ما زالت الفُرصة قائمة لجعل الاعلام العربي يرقى في عيون شعوبها من خلال العمل الدَّؤوب وتظافرِ الجهود نحو التَّحسين والتَّطوير وتقديم مُحتوى وتحليله بمهنيةٍ عاليةٍ تنقلنا نحو الحِرفية والتَّنافُسيَّة العالمية، وبالتأكيد تكونُ عوناً لنا لا عَلينا في التَّعاطي مع المُستجدات والمُلمَّات. ففكرة التَّجديد وتقديم محتوى هادف يجب أن يكون من خلال شراكة حقيقية تنطلق من أساسٍ قوي وصلب. وهذه القاعدة لا تكون من خِلال أدعياء الشذوذ والانحلال بل من خلال الوقوفِ في خندقٍ واحد مع المثقفين والمُفكِرين والعلماء حتى لا يُدفنوا أحياءَ في مجتمعاتنا العربية.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى