المرأة العربية والإنتاج المعرفي

#سواليف

#المرأة_العربية و #الإنتاج_المعرفي
د. #لينا_جزراوي

تتكرّر كثيرًا في الأوساط الأكاديمية والمعرفيّة مقولة : أن المرأة العربية مُقلة في الانتاج المعرفي ولا أنكر أن هذا صحيح، لكن دعونا نفهم السبب أو نحاول فهمه؛ ففي عالمنا العربي أعتقِد أن الرّجال أيضًا مُقلّون في الإنتاج المعرفيّ ، وإن أردت الخوض في هذا الجدل ، سأقول بأن الرجل العربي على الرّغم من دعم المجتمع وثقافته، ومرونة الوقت ،وقلّة المسؤوليّات المُلقاة على عاتِقِه مُقارنة بالنساء ، فهو بالكاد يُنتِج معرِفيّاً، لأسباب ساذكرها في مقال آخر ، لأني هنا أريد أن أسلط الضوء على المرأة العربية وأسباب ضعف إنتاجها المعرفىّ. أعترف بأن المرأة العربية بالعموم مُقلّة في الاهتمام بأي شأن فِكري أو معرِفي ، ولو نقوم بجولة على الفيديوهات النّسائيّة المُنتشرة على وسائل التواصل الاجتِماعي سنعرف اهتِمامات النّساء العربيات ، حيث إن محتوى هذه الفيديوهات لن يتجاوز الأربعة عناوين الرئيسة التالية: التجميل والجسد ، والمطبخ، وأمور الدين والعبادات ، والتطريز والأعمال اليدوية والفنية المختلفة ، وهذا مؤشر واضح على أن اهتِمامات النساء العربيات ، وتوجهّاتهنّ لا تتجاوز أعمال الرعاية لأنها أولويّة، في حين سنلاحظ أن الفيديوهات التي يُقدّمها الرّجال العرب متنوعة ما بين المعلومة الطبية لمُتخصصين ، والمعرفة العلمية، ومعلومات مهنية، ولا يخلو الامر من بعض الفنون، والرياضة ، والكوميديا الركيكة . فلا أجد مثلًا فيديوهات نسائيّة تقدّم توعية حول قضيّة اشكاليّة ، أو تُناقِش نمطًا فِكريا معينًا ، أو تنشُر محتوى معرِفيا ذا قيمة، أو حتّى تطرح نقاشًا ذا طابع سياسي ، أو جدل حول قضيّة ما تشغل الفضاء العام ، في الوقت الذي اتابع فيه كثيرا من الصفحات والمواقع التي يديرها رجال تتناول هذه الأمور الاشكالية. لقد أنشأنا بناتنا على نمط تربوي أحبّ أن أسميه أولويّات نسائيّة ، وهذه الأولويات ليست مخصصة للعقل ولا للفِكر ، ولا للجدل ، بل للرّعاية، وما يندرِج تحتها من مسؤوليّات . ولو دقّقنا في طريقة تنشِئتنا لبناتنا وأولادنا في المجتمعات العربية سنكتشِف أنّنا نوجّه البنت نحو الإهتمام بشكلها وجسدها ، وأمور البيت والرعاية أكثر بكثير من توجيهها نحو تطوير وتنمية مهاراتها الفِكريّة والعقليّة ، في المقابل ندفع الولد نحو الأمور التي تُطوره عقليّا، ومهنيّا ومعرفيّا ، بدرجات مضاعفة ، عدا استِثناءات بسيطة.
في هذا الجانِب ، أرى بأن المرأة العربية مُقلّة في انتجاها المعرِفي نعم، لكنّ لأنّها تُقدّم إنتاجًا من نوع آخر ، إنتاجًا عائليًّا وأسريًّا ، حتى نموذج المرأة المُتعلّمة، والعاملة في أي مجال لم يشفع لها خروجها للعمل في التخفيف من أعبائها الرعائيّة، بل العكس تمامًا فهي تعود الى بيتها بعد يوم عمل شاقّ ، لتبدأ عملًا شاقّا آخر نعرفه جميعًا.
أخيرًا، فإن المرأة العربيّة غارِقة في دوّامة الإنتاج الأسري التي لا تنتهي ، وبالكاد يتاح لها بعض الوقت حتى تقرأ صحيفة، أو تكتُب فِكرة، وغالِبًا لا تجد هذا الوقت ، ودائِمًا أقول أن نموذج المرأة العربيّة هو صنيعتنا ، نحن أردناها راعية صالِحة، أكثر ممّا أردناها مُفكّرة وعالِمة.
فلا تُلام على قلّة انتاجها المعرفيّ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى