المدرسة في هالزمانات / نبيل عماري

المدرسة في هالزمانات

قبل بداية المدرسة تشعر بحركة غريبة بالسوق التجاري يخرج قماش المرايل من المخازن وكان يباع في اليارد وتخرج مسطرة البائعون في سوق شدوان بالزرقاء يقيس الأذرع وتبدأ ماكنات السنجر المنزلية تدرز وتخيط المرايل الولادية والبناتية ويبدأ بشراء الكلف والأزرار من محلات حواء ومرقة وتسمع دربكات الماكينات بكل الحارة ، ويتسلل شهر ايلول معلناً بدايات المدارس وتشاهد الأزدحام حول مكتبة السعادة والوطنية لشراء لوازم المدرسة من دفاتر وطوابع وورق تجليد وأقلام وبرايات هنا دفتر للحساب وأخر للطبيعة وذاك للأنجليزي ودفتر الخط
وعلى بسطات محلات الأحذية يخرج البوط الصيني ذو الخط الأبيض لحصص الرياضة ويتم الأتجاه لمحلات بسيسو لشراء شورت او بلوزة ، كانت المدرسة بالزمانات مرتبطة بروائح وخاصة فاكهة الجوافة والتي تعلن برائحتها بداية المدرسة بعد عطلة طويلة وكذلك منظر البلح الأصفر المعلق على العربات ووصول البطيخ الحلبي بحجمة الكبير ،
كانت للمدرسة مغناطيس يجذبني لها من خلال لسعة برد قادمة ايلولية او زخة شتاء تعطي رائحة رائعة تصنعها التربة وكذلك تجمع أهل البيت بقص أوراق التجليد وتجليد الكتب والدفاتر وألصاق الطوابع على زاوية كل دفتر مع ذكر الأسم والمدرسة ونوع المادة هنا تشعر بقيمة العائلة ونقاء زماننا وأيام كان كل شيء جميل .
والحديث عن الماضي وعن الحياة الإجتماعية التي عاشها الناس وتحديداً في مدينة الزرقاء هو حديث ذات شجون وذكريات جميلة لاتنسى ، وتخزن الأذهان جزء من ذاك الماضي الجميل الذي كان وهجه يملأ الدنيا ضياء ، كان أول يوم مدرسة يوم أستلام الكتب الجديدة ويوم معرفة غرفة الصف يوم الكل يلبس الجديد والكل برنجي يلمع وحتى المعلمين والمعلمات يلبسون أبهى ما لديهم ندخل الصف وبطبشورة بيضاء يكتب المعلم جملة جميلة على اللوح وهي العقل السليم بالجسم السليم لذا كانوا أهالينا يرغمونا على شرب كاسة حليب وبيضة نيئة وحبات زيت السمك قبل الذهاب للمدرسة وكذا بكافة المدارس كانت وجبة غداء يومية تتكون من فاصوليا بيضاء بصلصة البندورة وبصحن ألمنيوم وملعقة وباكيت بسكويت سويسري كان يأتي معونات خاصة بعد حرب 1967 ورغيف خبز .

وقد كان اليوم الدراسي يبدء بالطابور الصباحي لجميع الطلاب في مختلف صفوف المدرسة الواحدة بشكل منظم حيث يكون مدير المدرسة وكافة المدرسين موجودين في المقدمة بمواجهة الطابور ، وكان لكل صف مدرس يطلق عليه (مربي الصف) هذا المدرس كان يقف امام طابور صفه الدراسي ،
وكان المدير ونائبه وبقية المدرسين والمدرسات يتواجدون في مواجهتهم ، وعبر الميكروفون وقبل الدخول للصفوف يتم أذاعة أناشيد وطنية ومدرسية مثل أيها الساري إلى مجد العلى وأني لأقسم بالله قسماً تخر له الجباة وما تسمى الأذاعة المدرسية ولكنها لا تغني عن النشيد الصباحي الذي كنا ننشده وقوفاً مثل خافقاً بالمعالي والمنى عربي الظلال والسنا وعندما نصل في الذرى والأعالي فوق هام الرجال يعلو صوتنا ويكاد يصل لكل البيوت المجاورة خاصة عندما نقول اهيبا أهيبا
وكذا نشيد يا علمي يا علم يا علم العرب أشرقي بالأفق الأرزق يا علمي يا علم وكنت اشعر بروعة النشيد عندما نصل إلى مقطع يا نسيج الأمهات في الليالي الحالكات لبنيهن الأبات كيف لا نفديك كل خيط فيك إلى أخر النشيد
وغيرها من الأناشيد والتي تحمل روحاً وطنية عالية . وقبل الدخول للصف يتم التفتيش على حلاقة الشعر واللباس الموحد ومحرمة الكروهات القماشية وهي تبدو مرتبة ونظيفة وأظافر اليدين والغير . بعد الإنتهاء يتوجه الطلاب بصفوف منتظمة نحو الصفوف ويتم تعين عريف للصف لغايات حفظ النظام أثناء غيات المعلم وتسجيل أسماء المشاغبين على يمين اللوح وعريف الصف مكروه من قبل الطلاب وهو بمثابة العوايني حسب المسلسل السوري باب الحارة .
أما الصحة البيئة والفنية المدرسية كانت حاضرة في كل مدرسة ، وأيام التطعيم لها في القلب موضع فهي اعلان عطلة ثاني يوم لأرتفاع في حرارة والتطعيم يتم لجميع الطلاب تطعيم ضد السل بالتشطيب على الكتف وتطعيم ضد الكزاز والجدري بالتنقيط والغير من وكذلك زيارة طبيب الأسنان لمعاينة أسنان الطلبة فيوم التطعيم هو يوم عيد بالنسبة للطلاب ففي مدرسة كان يوجد غرفة خاصة لعلاج الأسنان والتسوس عند الأطفال ، ومن المظاهر الجميلة المرتبطة بالصحة والنظافة هي حلاقة الشعر وهي نوعان نوع على الصفر ونوع أفرنجي نمرو واحد وكذلك قص الأظافر والتفتيش عليهم وبيان المحرمة القماشية وهي نظيفة وتمسك مع التفتيش على الأصابع

أما نظافة المدرسة وبيئة المدرسة فكان للطلاب موقع عبر تنظيف لفناء وساحة المدرس وممراتها وصفوفها الدراسية ومداخلها الرئيسية وهي نوع من الخدمة العامة الوطنية ومساعدة للأذن أو الأذنة وعندما تكون المدرسة نظيفة يدخل الطالب ليجدها نظيفة فينشرح صدره لبدء يومه الدراسي ، وكان بالزمانات لكل مدرسة حديقة يتم الأعتناء بها من قبل الطلاب ، فقد كانت زراعة الأشجار والورود في المدارس جزء من العملية التدريسية والتربوية ، يشرف على هذة العملية معلم يقوم الطلاب ومدرسيهم بالأهتمام بالزراعة من حيث تشذيب الأشجار وتنظيف احواض التشجير والحشائش وتسقيتها .
أما الأنشطة الرياضية والكشفية فلها حيز واضح من لعبة كرة القدم وتنس الطاولة وتنس الريشة والفولي بول وكرة السلة وغيرها من الألعاب الجميلة والتنافس بين فرق المدارس ودوري المدارس وكذلك لعبة الشطرنج محركة العقل أما الحركة الكشفية فكانت متجذرة بزماننا ولها قوانين وأنظمة ولباس جميل والأعتماد على النفس وخدمة الوطن والتحية الخاصة والأنتظام والنظام وعدة اناشيد كشفية ما زلت أحفظ بعضها مثل عشية المخيم عيشة هنية لولا الأوامر يا قائد صعبة عليه ، وليك ليك ليك عاش المليك قائد الكشاف إلى الأخر وأناشيد وطنية من موطني وفي سبيل المجد والأوطان ، ونحن الشباب لنا الغد ومجده المخلد نحن الشباب وحتى نشيد الجزائر كنا نردده قسماً بالنازلات الماحقات والدماء الزاكيات ونشيد دمت يا شبل الحسين قائد الجيش الأبي / راعيا للنهضتين حسن جيش يعربي نحن حراس البلاد جيشنا الممنع نحن أعلام الجهاد عزمنا لا يدفع
« ونشيد « ياعلمي ياعلم».ومنه: ياعلم العرب اشرق واخفق في الافق الأزرق. يا نسيج الأمهات في الليالي الحالكات / كيف لانفديه كل خيط فيه»…الخ.ولا أدري إن كان قد بقي في المدارس الحكومية اليوم صدى لتلك الاناشيد الوطنية والقومي لم يعرف جيلنا الجديد ان مدارس زمان مدارس للتربية قبل التعليم وكان المعلم أو المعلمة لها هالة محبة وتقدير وذكريات جميلة لزمن جميل لأيام لا تنسى .

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى