المدرسة المطلوبة والمدرسة الطالبة المتطلبة

#المدرسة #المطلوبة والمدرسة #الطالبة #المتطلبة

د. ذوقان عبيدات


بداية، المدرسة المطلوبة هي المدرسة الجاذبة التي يسعى الطلبة إليها بشوق وحماسة، بينما المدرسة المتطلبة هي المدرسة ذات القوانين الصارمة والتي تضع مواصفات عديدة، تجعل الطلبة ينفرون منها!!
(1)
هل مدارسنا مطلوبة أم متطلبة !د.

نشأت المدرسة بشكلها الحالي في العصر الصناعي، الذي اتخذت المدرسة شكل المصنع: مدخلات وعمليات ومخرجات، بما في ذلك خطوط إنتاج لمواد مختلفة. ونتيجة للعصر الرقمي، دار حديث حول مدى صلاحية ” المدرسة المصنع” للعيش في هذا العصر، وبدأت مطالبات تفاوتت بين تعديل المدرسة: شكلا ومضمونا على مبدأ : إما اعتدلت وإما اعتزلت، وبين مقاطعة كلية ومطالبات بإنهائها، وإحالتها على التقاعد لتكون من مخلفات العهد الصناعي!!
في العهد الصناعي، كان للمكان قيمته الهائلة، فلكل مصنع مكان، وبناء، وعمال يذهبون ويغادرون ، ومواد أولية تتحول إلى منتجات جديدة، تغيرت المصانع وصار العامل غير مرتبط بمكان، وبإمكانه ممارسة العمل من أي مكان. كما أن المصنع تشتت بين أماكن عديدة: فالإدارة في بلد، والإنتاج في بلد، والعلاقات العامة في كل بلد وكذلك التسويق…. الخ فهل لهذه التغيرات انعكاساتها على المدرسة؟
عودة إلى المدارس المطلوبة، كيف نجعل منها مدرسة مطلوبة؟
المدرسة المطلوبة تقدم جوا أو بيئة ثقافية منفتحة، وبيئة مادية أنيقة وسليمة وصحية، وبيئة نفسية آمنة، لا تتنمر على طلبتها، ولا على أهالي الطلبة، ولا على المجتمع!! فالمدارس الراقية نفسيا، وماديا، واجتماعيا ستكون مطلوبة، وعكس المدارس المطلوبة هي مدارس طالبة أو متطلبة، ويكفي أن نعرف أن هناك مدارس طالبة في نظامنا التربوي. ففي كل مدينة توجد مدرسة ذكور ومدرسة إناث على الأقل مطلوبة، بينما مئات المدارس الأخرى مدارس لا يسعى إليها أحد غير المجبرين عليها!! ومن المهم هنا أن أحدد الجديد في خصائص المدارس المطلوبة:

  1. المدارس المطلوبة الآن، هي مدارس متعلمة، بمعنى أن المدرسة تنتج معارف ولا تستهلك المعارف. فالمدرسة متعلمة ، ومديرها متعلم، ومعلموها متعلمون، وأهالي الطلبة متعلمون قبل أن يكون الطلبة متعلمين !! ولذلك فلا حقائق تفرض، بل معارف جديدة تنتج بما فيها مناقشة الحقائق القديمة ونقدها وتحليلها!
    المدرسة الطالبة مدرسة مستهلكة ومعلمة، والمدرسة المطلوبة هي مدرسة متعلمة أولا وأخيرا، وهذا الفرق بين التعليم والتعلم. فالتعليم غالبا يستهلك حقائق معروفة، والتعلم غالبا ينتج معارف حقيقية!!
  2. والمدارس المتعلمة قد لا تحتاج إلى مكان أو على الأقل تقل حاجتها إلى أبنية ضخمة، فالتعلم يتم عبر مصادر متعددة بينها المعلم والمدرسة.
    إن ضعف الحاجة إلى مكان قد يعطي مزايا عديدة مثل أن يتم التعلم في مكان الحدث أو في قلب الحدث، وهذا ما يسمى ” التعلم الانغماسي”حيث يكون المتعلم في المكان المناسب، يلاحظ ويشاهد ويتفاعل ويشارك وهذا ما ينتج تعلما اتقانيا أو تعلما لا ينسى.
    والمدرسة المتعلمة مطلوبة، حيث تقل القيود السلوكية المنطقية وغير المنطقية كثيرا، وبإمكان كل طالب أن يتعلم في جو آمن ومثير .
  3. طبعا مواصفات المصنع الجيد معروفة، لذلك لن أتوسع في الحديث عنها، فهي: مدخلات جيدة: قوانين، بيئة، بناء ، معلمون، أموال….الخ وعمليات جيدة : تدريس، إرشاد، رقابة، ضبط… الخ ومخرجات وفق المواصفات: طلبة هادئون ، ملتزمون، حققوا الأهداف…الخ ولذلك نرى هذه المدرسة متطلبة:
  • تضع قوانين صارمة، يمنع تجاوزها دون عقاب
  • تضع مواصفات صارمة دقيقة للنجاح والرسوب: خمسين ناجح، وتسع وأربعين راسب!!
  • تضع معايير لضبط الجودة
  • تضع مناهج وكتبا مدرسية للالتزام بها.
    سواء كانت هذه المتطلبات محقة أم لا، فإن المطلوب مناقشتها على ضوء معايير الحقوق والواجبات والمسؤوليات ومعنى التعلم وأهدافه وغاياته!!
    أليست غاية التعلم بناء شخصية ؟ إذن هناك عشرات الطرق والتوجهات لبناء الشخصية غير التي تحددها أي جهة حتى لو كانت ذكية ودقيقة!!

(2)
كيف ننتقل من مدارس متطلبة إلى مدارس مطلوبة؟

هذا السؤال لا يتعلق بالتعلم عن قرب أو عن بعد أو عن الأوضاع الحالية!! فهناك مؤشرات على أن الطلبة اشتاقوا لمدارسهم وهناك سببان لهذا الشوق أو تفسيران :
الأول، إنهم افتقدوا الحضوروالتفاعل
الثاني، شعروا بالخسارة التعليمة الناتجة عن غياب المدرسة باعتبارها عند الكثيرين المصدر الوحيد للتعلم، خاصة عند أبناء المناطق الفقيرة!! إذن لا أحد ينكر أهمية تواصل الطلبة مع مدارسهم ، ولا كمية الفقد التعليمي الناتج عن عدم التواصل!!

لنتفق أولا ماذا خسر الطلبة من بعدهم عن المدرسة ؟طبعا الإجابة السريعة والواضحة جدا، إنهم خسروا المهارات الأساسية في القراءة والكتابة وأساسيات العلوم والرياضيات خاصة عند أطفال ما دون الصف السادس ! كما خسروا معظم المعلومات الواردة في الكتب التي لم يقرأوا فيها منذ أزمة كورونا إلا نادرا!!
في ميزان الأرباح والخسائر، فالخسائر فادحة قياسا إلى قلة الأرباح _ إن وجدت! عملت الوزارة إلى تعويض الفقد التعليمي مع بداية العام الدراسي، لكن هذا ليس كافيا، فالمعلمون والطلبة بحاجة سنة كاملة لإعادة بناء الطلبة!! فهم بحاجة إلى المهارات الأسياسية في القراءة والكتابة وفهم المعنى، ولا شيء غير ذلك!!
ولنعد إلى السؤال:
كيف ننتقل من مدرسة طالبة إلى مدرسة مطلوبة؟!!
وبمعنى آخر معايير المدرسة المطلوبة، للإجابة عن سؤال واسع ، حاولت جميع مؤسسات البحث التربويالخوض فيه، فإنني سأنقل ما هو مشترك وما أصبح أشبه بالمسلمات العلمية.وأحدد الانتقالات الضرورية من مدرسة طالبة إلى مدرسة مطلوبة :

  • من مدرسة يتلقى الطلبة فيها معلومات وحقائق معدة مسبقا إلى مدرسة تمكن الطلبة من مناقشة هذه المعلومات وتقييمها وحذفها ، وإعادة بنائها ، والإضافة عليها، بحيث تصبح المدرسة مركز إنتاج لمعلومات جديدة وأفكار جديدة وقيم جديدة.
  • من مدرسة مركزية تنفيذية، تطبق قواعد مشتركة إلى مدرسة بشخصية مستقلة تضع قيمها واستراتيجياتها وفق رؤية خاصة ورسالة خاصة وأهداف خاصة، بذلك سوف تجذب المدرسة طلابا وطالبات وفق الرؤيا والرسالة الخاصتين بالمدرسة، فهناك مدارس تعلم التفكير، وأخرى تعلم الحوار وأخرى تعلم إتيكيت السلوك، وأخرى تعد للجامعة وهكذا … هنا تكون المدرسة مطلوبة بذاتها ولذاتها.
  • من مدرسة يكون القرار فيها من السلطة الإدارية العليا إلى مدرسة يسهم الطلبة في وضع قواعدها وقيمها واجراءاتها وثقافتها وبرامجها، فالطلبة ليسوا مستعدين لتلقي معلومات أو تعليمات لمجرد صدورها من سلطة عليا! فالمدرسة المطلوبة تحتاج إلى التعامل مع الطلبة كشركاء لا عملاء!!
  • من مدرسة تسجن الطلبة ست ساعات إلى مدرسة تحتفظ بالطلبة، ولا يغادرونها فرحين بالخلاص من دوامها، فالمدرسة السجن هي مدرسة طالبة والمدرسة المختبر هي مدرسة مطلوبة ، ففي المختبر تتم عمليات البحث والتجريب والنقد والتفاعلات والحوارات، وفي السجن يتم تلقين كل شيء بما في ذلك مواعيد وجبات الغداء ونوعها وتفاصيلها، فالطلبة يغادرون المدرسة المطلوبة بشوق العودة خلافا لما يغادرونها خلاصا من ضغوطاتها.
  • والمدرسة الطالبة تقيس ما يسهل قياسه مثل، المعلومات والمواعيد والأسماء والأحداث والمعادلات والرموز وغيرها، بينما تركز المدرسة المطلوبة على ما يجب قياسه مثل نوع الشخصية وتأثيرها وإمكاناتها المستقبلية!
    المدرسة المطلوبة تقيس ما يجدر تعلمه بينما المدرسة الطالبة تقيس ما لم يتعلمه الطالب بدلا مما تعلمه الطالب.
    المدرسة الطالبة تقيس لحظة في حياة الطالب، والمدرسة المطلوبة تقدم تغذية راجعة لتنمية حياة الطالب وإغنائها .

(3)
المدرسة الطالبة والمطلوبة والتكنولوجيا

قلت لا علاقة بين نوع المدرسة واستخدامها للتكنولوجيا، لكن المؤشرات توضح أن كلا المدرستين يمكن لهما استخدام التكنولوجيا وإن لأغراض مختلفة.
فالتكنولوجيا في المدرسة الطالبة هدف وفي المدرسة المطلوبة أداة ولذلك من المهم، معرفة كيف نستخدم التكنولوجيا؟
في كل أزمة التعليمم في فترة كورونا، يمكن توضيح أن التعلم عن قرب أو عن بعد ، تأثر بهذه الأزمة، كما تأثر بها الأهالي والمجتمع والطلبة والنظام التعليمي. فرض ما يسمى بالتعليم غير الوجاهي نفسه، وكان حلا لتعقيدات كورونا ! فهل نتراجع عنه إذا زالت هذه التعقيدات؟
جوابي، في المدرسة الطالبة قد يتم التخلي عن تعليم ” أون لاين” ومتاعبه لصالح التعليم الوجاهي، ولكن في المدرسة المطلوبة سيجري البحث في دعمه وتعميقه وتحسينه، وسيمارس التعليم “أون لاين” جزئيا …. للتوسع فيه من حيث يلزم .

ولإحداث النقلة من مدرسة طالبة إلى مدرسة مطلوبة، فإننا بحاجة إلى توفير متطلباتها وهي ببساطة :

  • معلم متعلم ومدرسة متعلمة
  • إرادة سياسية تؤمن بالتغير التربوي
  • مجتمع يرغب في الحداثة.
    وهذه شروط بعضها أو كلها تعجيزي!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى