المخلّص المنتظر

المخلّص المنتظر
مقال الإثنين: 22 /9/2025

بقلم: د. #هاشم_غرايبه
ربما كان مصطلح ” #المخلص ” هي أكثر فكرة عابرة لكل العقائد، وأول من جاء بها هم مدونو التوراة في عصور السبي البابلي، وكانت لرفع معنويات اليهود وابقائهم متمسكين بفكرة أنهم شعب الله المختار، وأن الله سيرسل لهم “المسيا” التي تعني بالآرامية المنقذ والمخلّص، وترجم بمعنى المسيح الذي سينقذ شعب الله ويهلك كل أعدائه وذلك في معركة “هرمجدون”، وبعدها سيغنمون خيرات الأرض وسيكون لكل يهودي 2800 عبد من الغوييم يخدمونه ويعيشون الدينونة العظمى وهي الجنة.
بالطبع يمكن فهم الأساس من التوراة الذي بنيت عليه هذه الأسطورة التلمودية، وهي البشارة برسالة المسيح الحقيقي عيسى بن مريم، لكن رجال المعبد رأوا في رسالته ما يفقدهم امتيازاتهم، لأنه جاء بصورة الداعية للصلاح والمحبة، وليس كما يأملون ملكا للجنود يقتل أعداء اليهود ويسلب ممتلكات الآخرين، فاتهموه بأنه مزيف، وحرضوا عليه الرومان.
أما فكرة المخلص في المسيحية فتعود الى “بولس” الطرسوسي الذي انقلب فجأة حين بلغ السابع والثلاثين من عمره من يهودي متعصب اسمه “شاول” يلاحق اتباع المسيح وينكل بهم، الى رسول منه إلى العالم، وبإنجيل خاص به، ادعى أنه تلقاه من المسيح رغم أنه لم يلتقيه في حياته، وبتعاليم جديدة مخالفة لما عرفه الناس والحواريون، وأهمُّ تلك التعاليم التي كانت بكل معنى الكلمة انقلابًا تامًّا، وقاعدة لدين جديد يقوم على دعامتين: الأولى: إعلان الوهية عيسى عليه السلام، والثانية: أن موت عيسى وصلْبَه كان تكفيرًا عن خطايا البشر، لكن الأخطر في معتقده كانت عقيدة التثليث، فقد حول العقيدة عن التوحيد الى الشرك، ففي ختام الرسالة الثانية لأهل كورنثوس يقول لهم بولس: “نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبَّة الله، وشركة الروح القدس مع جميعكم” [ كو13: 14].
وجدت أوروبا في القرن الرابع فيها توافقا مع معتقداتها بتعدد الآلهة وبشريتها، لذلك دخلت في المسيحية، وأدخلت تعاليمه هذه في صلب تعاليم الكنيسة، فقد جاء في “كولوسي 1:15”: “المسيح صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة، فيه خلق الكل ما في السموات والأرض..الكل به وله خلق..”.
فكرة المسيح المخلص في العقيدة المسيحية، مبنية على أن الله أراد برسالة المسيح تخليص البشر من إثم عصيان آدم لربه، فمن آمن بالمسيح وتعمد باسمه ينجو.
هذه الفكرة مناقضة للمبدأ الإلهي: أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، فالذنب لا ينتقل الى الأبناء بالوراثة، ولا يعرف من جاء بها هل هو بولس أم غيره، إذ لم يقل بها المسيح عليه السلام، لكن الكنيسة تمسكت بها لتعزيز نفوذها، واستغلتها بصكوك الغفران أو الحرمان.
وعندما خرج “مارتن لوثر” الألماني عام 1529 على تعاليم الكنيسة الكاثوليكية تحت عنوان الإصلاح، فظهرت البروتستانتية، الرافضة لصكوك الغفران، قال إن الخلاص ودخول الجنة متحقق لكل من تعمد باسم المسيح، بلا حاجة المرء الى العمل الصالح.
فكرة التخليص دخلت الإسلام من خلال تغلغل الإسرائيليات في الفقه الإسلامي في القرنين الثاني والثالث، حيث كان العلماء شغوفين بالإتيان بما لم يأت به الأوائل، فكانوا يبحثون عند أهل الكتاب في تفاصيل لم ترد في القرآن، فكانت قصص مثل ظهور المهدي ونزول المسيح آخر الزمان، وبالطبع فالقرآن المحفوظ من أي تحريف لم يذكر أيا من هذه القصص، رغم انه ذكر قصصا عن أحداث آخر الزمان أقل أهمية، مثل يأجوج ومأجوج، والدابة التي تخرج من الأرض وتكلم الناس، ويوم تأتي السماء بدخان، ويوم تكون السماء حمراء …الخ.
نخلص في النتيجة أن البشر دائما ما يبحثون عما يعزيهم عند الكروب، وما يقدم لهم الحلول المجانية التي لا تحتاج منهم الى بذل الجهد، ولا يحبون الاحتكام الى السنن الإلهية التي تربط دائما بين المقدمات والنتائج، مما يرتب عليهم المسؤولية ويحملهم عواقب ما يصيبهم.
يريدون دائما نصرا من غير تضحيات، وأجرا دنيويا مسبقا جزاء إيمانهم، ومعجزات إلهية تحقق رغباتهم وهم قاعدون.
تلك أماني بعيدة ..فليسوا أكرم على الله من رسله والأوائل الذين آمنوا معهم، فلم ينصرهم في أية مرة إلا ببذلهم قصارى جهدهم، وعندما كانوا يقصّرون كما في أحد وحنين، تخلى عنهم رغم وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى