المخابرات العامة والإنتخابات النيابية
الدكتور حسين عمر توقه
باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي
لقد أجمعت كافة أطياف الشعب بما فيها أصحاب القرار من الهيئات الرسمية وغير الرسمية والأحزاب السياسية “إذا كان لدينا أحزاب سياسية حقا” والصحافة والإعلام بأن أنزه إنتخابات نيابية في الأردن قد جرت حين كان معالي الفريق أول طارق علاء الدين مديرا للمخابرات العامة .والسبب في ذلك أنه أعطى أوامره بألا تتدخل المخابرات العامة في العملية الإنتخابية .
واليوم ونحن نشهد هجمة شرسة من كافة المواقع الإلكترونية والتي تصف نفسها بمواقع التواصل الإجتماعي المنتشرة في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا والنرويج على شخصيات محددة من ضباط المخابرات العامة وبالذات إثنين من يحملون رتبة عميد توليا نفس الموقع تباعا طالتهما التعليقات بالتجريح ونسبت الى احدهما تلقي رشاوي بمبالغ ضخمة من قبل بعض المرشحين وتم إتهام أحدهما بتعيين زوج أخته عينا في مجلس الأعيان .
كما انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة عجيبة غريبة بين المرشحين تمثلت بإنسحاب بعض منهم وتعنت البعض الآخر في التمسك بحقهم في ترشيح أنفسهم لخوض الإنتخابات النيابية . ولقد ذكر لي أحد هؤلاء المنسحبين بأنه قد تم إرسال بعض الذوات من عشيرته طلبوا منه أن ينسحب.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا من هي الجهة التي طالبت هؤلاء المرشحين بالإنسحاب؟؟ وكيف أوصلت إليهم الرسائل ؟؟ هل كانت عن طريق الترغيب أم الترهيب؟؟ علما بأن هناك من اعترض ورفض وأصر أن يخوض الإنتخابات رغم كل الضغوط وتم نشر فيديوهات مسجلة لهؤلاء النواب الذين أصروا على ترشيح انفسهم ونحن بإنتظار ما ستؤول إليه الأنتخابات المقبلة.
لقد تساءلنا من قبل لماذا تم حل مجلس الأمة في هذا الظرف القاسي بالذات لا سيما وأن جائحة الكورونا قد أصابت كل العالم بأسره وارتفعت أعداد المصابين في الأردن إلى الآلاف ألم يكن من الأجدر أن يتم التمديد للمجلس السابق لمدة عام أو عامين .
ولو تساءلنا هل قامت كل المجالس المتعاقبة بمنع قرار واحد أو معاهدة أو إتفاقية أو أدانت أي رئيس مجلس وزراء سابق بتهمة الفساد . فإذا تم وصف النسبة الأعلى من النواب السابقين بأنهم “نواب الهلو” يتلقون التعليمات على الهاتف الجوال . فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل نحن بحاجة حقا إلى مجلس نيابي جديد من أجل تمرير بعض القرارات المصيرية الصعبة.
قسوة الكتابة:-
إن الأخوة القراء يفترضون بالكاتب أن يكتب كل ما يريدون سماعه ويفترضون بالكاتب أن يعرف كل شيء في كل الأوقات ولكن الكاتب كغيره من الناس يخطىء ويصيب ويعلم ويجهل وإن أي فكرة قد يطرحها الكاتب هناك فكرة تقابلها في الإتجاه المعاكس .
والكاتب النظيف الشريف هو أسير لفكرة تستحوذ نفسه وعقله وضميره فهو يسعى من أجل سبر أغوارها والتعرف على حقائقها وإطلاع الناس عليها . وقد تأتي هذه الحقائق مؤلمة وجارحة لا سيما إذا كانت المواضيع والأحداث التي يتطرق إليها حساسة وهامة . وقد يقضي الكاتب الساعات الطويلة في البحث عن المراجع والمصادر الموثقة من أجل ترجمة بعض الأفكار إلى كلمات مكتوبة وفي أحيان كثيرة لا يرضى الكاتب عما يكتب فيمزق في غمرة من المرارة والأسى كل الأوراق. ولكنه في كثير من الأحيان يبقى أسير المقولة ما كل ما يعرف يقال .
وإنني وأنا أكتب مقالتي هذه ” المخابرات العامة والإنتخابات النيابية ” أتحمل مسؤولية كل كلمة أكتبها وأنا لا أمثل أحدا من الناس غير نفسي ولا أنتمي لأي تنظيم ديني أو أي حزب سياسي بل لا أمثل عشيرتي التي عرفت بولائها وإخلاصها على مر السنين . فأنا وبكل بساطة جندي من جنود الحسين رحمه الله آمنت طوال مسيرتي بالإخلاص لله وللوطن الأردن الأغلى وإلى الملك الحسين رحمه الله وإن أي كلمة أكتبها هي نابعة من إخلاصي لهذا الوطن الغالي وإلى الشعب الأردني الطيب الأصيل .
واجبات المخابرات العامة :
في المادة رقم (8) من قانون المخابرات العامة لسنة 1964
تم تحديد واجبات ومهام المخابرات العامة بحماية الأمن الداخلي والخارجي للأردن من خلال القيام بالعمليات الإستخبارية اللازمة لذلك
وتنفذ المخابرات العامة الواجبات التي يكلفها بها رئيس الوزراء بأوامر خطية . “تم تعديل هذا البند في التعديلات الأخيرة في الدستور التي تجعل مدير المخابرات العامة مرتبطا إرتباطا مباشرا بجلالة الملك”.
وفي عام 1965 برزت المخابرات العامة الأردنية على سطح الأحداث وأثبتت كفاءتها وبراعتها على مستوى الإقليم حين تمكنت من إلقاء القبض على سعيد رمضان زوج إبنة حسن البنا وتم الكشف عن محاولة لإغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر .
ولقد أثبتت المخابرات العامة أنها من أكفأ وأقوى الأجهزة المخابراتية على مستوى العالم وقامت فعلا بتنفيذ واجبها في حماية الأمن الداخلي والخارجي ضد كل أنواع التآمر بكل كفاءة واقتدار ولقد تعاقب على تسلم إدارتها نخبة من رجالات البلد عرفوا بالحرفية والأمانة والرجولة والإستقامة في ظل جلالة المغفور له الملك الحسين رحمه الله لم تشبهم شائبة ولم تدخل جيوبهم أموال الحرام .
وخلال العقود الماضية تطورت واجبات المخابرات العامة حتى أصبحت اليوم تشمل الواجبات التالية
• جمع المعلومات وتقديمها إلى الحكومة لتستعين بها في رسم السياسات المناسبة
• مقاومة الأنشطة التخريبية للتنظيمات التي تعمل بسرية وغير مرخصة على الأراضي الأردنية
• مقاومة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية التي تستهدف في أنشطتها أمن الدولة وسلامة المواطنين
• مقاومة عمليات التجسس
هذه هي الواجبات كما وردت في قانون المخابرات . ولكن الأحداث الأخيرة وتصريحات بعض المسؤولين السابقين من رؤساء الحكومات والوزراء السابقين ومن الأعيان والنواب تفيد بأن هناك بعض الواجبات والمهام التي تمارسها المخابرات العامة غير منصوص عليها في الواجبات التي حددها القانون ومن جملة هذه المهام العمل على تزوير الإنتخابات النيابية والعمل على حماية بعض الفاسدين والعمل على دعم وترشيح بعض الأشخاص في المناصب العليا مثل الوزراء والأعيان ورؤساء مجالس الكثير من المؤسسات والهيئات .
هل ينتهي عمل ضابط المخابرات وارتباطه بالدائرة بعد إحالته على التقاعد ؟
قبل التحدث عن موضوع التزوير وفرض التعيين يجب أن أتطرق هنا إلى توضيح نقطة تلتبس في كثير من الأحيان في ذهن المواطن البعيد عن أجواء العمل الإستخباري فيظن أن ضباط المخابرات هم عملاء وأن إرتباطهم بالدائرة يستمر حتى وفاتهم وأنا أود أن أوضح هنا أن ضابط المخابرات ليس عميل وأن واجب ضابط المخابرات هو إدارة العملاء وهم الذين يعمدون إلى تزويد المخابرات العامة بالمعلومات وفي بعض الأحيان يتم تكليفهم ببعض المهام .
الحالة الوحيدة التي يمكن أن يتحول فيها ضابط المخابرات إلى عميل حين تتمكن إحدى الدول أو أحد أجهزة المخابرات الأجنبية عربية كانت أو غربية من النجاح في تجنيد أحد ضباط المخابرات للعمل لديها ولصالحها وهو بهذا يخون وطنه ويبيع نفسه ويحكم عليه في معظم الدول بعقوبة الإعدام .
وأحب أن أؤكد هنا أن 99% من ضباط المخابرات تنتهي علاقتهم مع المخابرات العامة حال إحالتهم على التقاعد قانونيا وحقيقة على أرض الواقع وتبقى حماية هؤلاء العملاء والحفاظ على سريتهم وبذل المستحيل من أجل عدم كشف هويتهم مهمة رئيسة ومبدأ هاما من مبادىء العمل الإستخباري ولا يجوز بأي حال من الأحوال قيام أي ضابط إن كان على رأس عمله أو بعد إحالته على التقاعد أن يعمد إلى كشف شخصية أي عميل تم تجنيده من قبل المخابرات العامة إن كان أردني الجنسية أو غير أردني .
ومن المؤلم والمؤسف أن معظم الروابط بين المتقاعدين تزول وتتلاشى ولا تبقى بالطبع غير علاقات اجتماعية محدودة بل على العكس فلقد لمستُ في السنوات الأخيرة أن العلاقات الإنسانية والقيم الكريمة تتلاشى بين الضباط المتقاعدين وبين الضباط الذين تولوا المسؤولية منهم أو بعدهم . وأذكر أنني قمتُ بزيارة إلى أحد مدراء المخابرات السابقين بعد إحالته إلى التقاعد وبعد ثلاث دقائق ( نعم ثلاث دقائق ) من مغادرتي منزله تلقيتُ اتصالا من مدير مكتب مدير المخابرات الجديد وقال لي بالحرف الواحد يا دكتور حسين إن الباشا يريد التحدث إليك وبالفعل أخبرني مدير المخابرات الجديد في ذلك الوقت “أن من الأفضل يا دكتور عدم زيارة مدير المخابرات السابق “. وبعد أن تمت إحالة المدير الجديد إلى التقاعد قمت بزيارته في منزله وسألته هل سيقوم مدير المخابرات الحالي بالإتصال بي ويطلب مني عدم زيارتك ؟؟.
وأحب أن أذكر هنا أن أحد رؤساء الحكومات السابقين قد قام بترشيح أحد ضباط المخابرات السابقين لتعيينه وزيرا في حكومته وبكل أسف تم استبعاده من التشكيلة الحكومية لأن مدير المخابرات في ذلك الوقت قد اعترض على تعيينه علما بأن ضابط المخابرات المذكور بعد تقاعده كان يشغل منصب سفير في وزارة الخارجية الأردنية .
ولقد ظهرت خلال السنوات العشرة الماضية ظاهرة مؤلمة وقاسية تتمثل في قيام بعض مدراء المخابرات بإحالة مجموعة من الضباط الأكفاء وهم في قمة العطاء لأنهم محسوبون على المدير السابق وهي خسارة لا تعوض في الكوادر المدربة والشابة . حيث بلغ مجموع من تمت إحالتهم في زمن مدير مخابرات سابق 145 ضابطا .
ولعل أكثر ما يؤلم في مسيرة المخابرات العامة وتاريخها المشرف خلال العقدين الماضيين توجيه تهم الفساد إلى بعض مدراء المخابرات السابقين .
بين التزوير والتعيين :
ولقد طالعتنا المواقع الصحفية ووكالات الأنباء بأن النائب الأول لرئيس مجلس النواب النائب أحمد الصفدي كان قد صرح ( شخصيا نجحت في انتخابات 2007 بالتزوير ) ولا أحد يستطيع نكران ذلك .
ولو تابعنا محاكمة محمد الذهبي وتصريحات وزير الداخلية عيد الفايز بأنه قد تم تسليمه من مدير المخابرات في ذلك الوقت محمد الذهبي شيكاً بقيمة 500 ألف دينار وأتبعها بمبلغ 250 ألف عن طريق مدير مكتبه من أجل صرفها على الإنتخابات النيابية ولو طالعنا الخطاب الذي ألقاه النائب ممدوح العبادي في جلسات منح الثقة والذي جاء فيه ” ما دامت الحكومة تتمتع بهذه الجدية في مكافحة الفساد . إذن لماذا يكافأ الفاسد بدلا من محاسبته … لدينا مثال حي : فمن زور الإنتخابات عام 2010 أعطي بيتا قرب مدرسة البكالوريا قيمته تزيد على عشرة ملايين دينار أردني . ووُضع عينا في مجلس الأعيان فإن كانت الحكومة جادة في مكافحة الفساد فإنها أمام اختبار في أن تعيد ملكية هذا البيت للخزينة باعتباره ملكا للدولة وليس لمنتفع بفساد “.
ولقد أثارت هذه الكلمة غضب مدير المخابرات السابق ” رغم أنه لم يرد اسمه في كلمة ممدوح العبادي” والذي أخذ يتلفظ بألفاظ قاسية بحق العبادي ووصفه بالإنتهازي والجبان مبديا ندمه على أنه أسهم في إنجاحه في انتخابات عام 2007 التي أشرف عليها شخصيا حيث كان يشغل منصب مساعد مدير دائرة المخابرات العامة محمد الذهبي لشؤون المحافظات . وتم إنجاحه للمرة الثانية في إنتخابات عام 2010 حين كان مديرا للمخابرات العامة .
ولو عدنا إلى عشرات الإتهامات بالعمالة التي تم تبادلها بين العديد من النواب تحت قبة البرلمان والتي تم تسجيلها وتوثيقها لهالنا هذا العدد الكبير الذي تم الكشف عنهم.
إن الخطورة هنا ماذا يحدث لو قام كل مدير مخابرات أو أي ضابط مخابرات بالإعلان عن أسماء العملاء الذين يتولى إدارتهم أو أسماء النواب الذين نجحوا عن طريق التزوير أو أسماء الوزراء أو الأعيان أو رؤساء المجالس الإدارية للمؤسسات الحكومية الذين تم تنسيب أسمائهم وتزكيتهم عن طريق المخابرات العامة ؟؟؟
وفي تصريح لوكالة رم أنه تم عقد اجتماع تشاوري خاص برئاسة جلالة الملك لإختيار أعضاء مجلس الأعيان الجديد بحضور رئيس الحكومة في ذلك الوقت عون الخصاونه ورئيس مجلس الأعيان طاهر المصري ومستشار جلالة الملك لشؤون العشائر الشريف فواز الزبن وأن الخصاونه اعترض على تعيين رئيس الوزراء السابق معروف البخيت بسبب قضية الكازينو وأحد مدراء المخابرات السابقين المتهم بتزوير انتخابات مجلس النواب عامي 2007 وعام 2010 أعضاء في مجلس الأعيان . وقد انتهت حصيلة النقاش إلى تسوية تم فيها استبعاد معروف البخيت وإختيار مدير المخابرات السابق في مجلس الأعيان .
كثيرون يعرفون أن أجهزة الهاتف الخاصة بالنواب تشهد نشاطا متزايدا في كل قضايا الفساد الكبيرة التي شهدتها القبة البرلمانية وكثير من النواب يتلقون مكالمات هاتفية لتلقينهم بل وإصدار أوامر لهم في طريقة تصويتهم .
في صراع مرير بين رئيس ديوان ملكي سابق وبين مدير مخابرات سابق اعترض رئيس الديوان الملكي على قيام مدير المخابرات بتنسيب ثلث أعضاء مجلس الوزراء من المرتبطين بدائرة المخابرات العامة وحاول جهده العمل على تقليص هذه الأسماء بل واعترض أصلا على مبدأ تدخل مدير المخابرات في تعيين الوزراء .
وفي لقاء شخصي بيني وبين رئيس مجلس أعيان سابق أخبرني أن جلالة الملك طلب منه إعداد قائمة بالأعيان والتركيز على أسماء الأردنيين من أصل فلسطيني وأن ينهي هذه القائمة قبل عقد اجتماع بينه وبين مدير المخابرات العامة وبين مدير مكتب جلالة الملك وبعد عشرة أيام اتصل به مدير مكتب جلالة الملك وطلب منه إرسال القائمة وتم الإعلان عن تشكيل مجلس الأعيان الجديد دون الرجوع إلى رئيس مجلس الأعيان السابق والذي تم شطب اسمه من قائمة الأعيان .
يبدو أن هناك أكثر من جهة تساهم في إنتقاء أعضاء مجلس الأعيان ” مجلس الملك ” فرئيس ديوان سابق كان يتغنى بتعيين 22 عينا ولا نعلم كم هو عدد الأعيان الذين قام رئيس الوزراء بتنسيبهم ولا ندري هل ساهم مستشار جلالة الملك لشؤون العشائر بإنتخاب أي عين وهل قام مدير المخابرات العامة بالمشاركة في عملية اختيار أعضاء مجلس الأعيان أم لا .
وفي النهاية إذا كانت من مهام وواجبات دائرة المخابرات العامة مقاومة عمليات التجسس فإنني أتساءل لماذا يتم الإبقاء حتى الآن على وزراء ومستشارين تم فضح تواطئهم وعمالتهم لجهات غير أردنية وتم كشفهم في وثائق ويكيليكس .
من كل ما تقدم يبدو أن هناك مهام وواجبات جديدة تمارسها دائرة المخابرات العامة غير منصوص عليها في قانون المخابرات العامة .
وإنني أناشد الجهات العليا وأصحاب القرار إصدار أوامرهم ليس للمخابرات العامة فحسب بل ولكل الجهات الرسمية المعنية بالإنتخابات النيابية ألا تقوم بتزوير الإنتخابات النيابية وألا يتم تعيين العملاء في المناصب العليا للدولة وفي مقدمتها وزراء في أي حكومة مقبلة .