المتلازمة لات بين الواقع والمأمول

المتلازمة لات بين الواقع والمأمول

د. علي مفلح محاسنة
من المشهور عند الحديث عن #المتلازمات أنها تنحصر في المتلازمات #الطبية التي تطلق على #أمراض #نادرة قد تصيب بعض البشر، من مثل: متلازمة #نقص_المناعة المكتسبة ومتلازمة أوشر ومتلازمة كارني ومتلازمة داون، لكن هناك متلازمات تنحو عن المجال الطبي مولدة نوعا مستقلا في مجالات مختلفة قد تكون متلازمات لغوية أو نفسية أو اجتماعية أو فكرية أو غيرها.
ألقي الضوء في هذا المقال على المتلازمة الاجتماعية ( لات ) وهي تكاد لا تنفصل عن الناس أثناء تواصلهم سواء أكان بقصد أم بغير قصد. وقد أطلقت عليها ( لات ) كونها نابعة من أساس لغوي، إذ تتكون من ( لا ) الناهية وحرف المضارعة ( ت ) وكونها تجري على الألسنة بشكل ملحوظ، إلى أن ارتقت لتصبح في فلك التلازم، كقولنا: لا تقاطعني، لا تغادر، لا تلعب، لا تتكلم، تبعا لذلك سننعت من يتصف بها بلفظ المتلازِم.
تنفر #الطبيعة_البشرية من تلقي الأوامر أو النواهي المبالغ فيها، ونرى الضجر واضحا في المتلازمة لات، إذ تؤثر على متلقيها من الناحية النفسية لكثرة استعمالها في المجالات المختلفة والمواقف المتعددة، ولفهم كنهها سأتناول المجالين الأسري والاجتماعي أنموذجين توضيحيين.
متلازمة لات في الحياة الأسرية
تكون المتلازمة لات حاضرة من الأب أو الأم أو الأخ الأكبر أوالأخت الكبرى إما لهيبا لاذعا وإما توجيها لطيفا، فخذ أيها الطفل ما تشاء وما لم تشأ من نواهٍ وإرشادات وتوجيهات، من أهدافها إظهار السلطة أو الحب أوالخوف أوالحرص أوتقويم السلوك، وما إلى ذلك. والأولاد تبعا لذلك متباينون في تقبلها فمنهم من يأخذها وينفذها دون ضجر ولا ملل ومنهم من يستحيب لها بتأفف وكلل ومنهم من لا يلتفت إليها أبدا. والحالة الأخيرة لافتة للنظر، ذلك أن كثرة الأوامر النواهي تحدث نوعا من اللامبالاة عند الأولاد لا سيما إن علموا بسلوك المتلازم وردود أفعاله من صراخ أو عقاب نفسي أوبدني فيعتادون الأمر ويتقبلون العقوبات في سبيل استمرارهم بالأعمال التي نهوا عنها؛ لأن الأولاد قد يئسوا من هذه المتلازمة ونجم عن يأسهم فقدانها لمقاصدها وتمردهم على مستعملها فتتحول المتلازمة عن أصلها في تعديل السلوك إلى متلازمة في تقرير السلوك. وفقا لذلك عليك عزيزي المتلازم استخدام المتلازمة لتكون سيفا تضرب به أنّى شئت بأن لا تستعملها في الأوقات كلها بل حدد أولوياتك في استخدامها واستعظ للبقية بعبارات أخرى لا تقلّ شأنا عنها فعربيتنا تساعدك لتبلغ شأوك ولتحقق مأربك. ولك أن تنظر كم يمكن الاستعاضة عن المتلازمة الموجودة في قولنا المشهور المتداول لا تستعمل الهاتف لساعات طويلة، بالعبارات: هل تلاحظ يا بني أنك استعملت الهاتف كثيرا اليوم، هل من الممكن أن تشاركني الحديث بعيدا عن هاتفك، أراك قد أسرفت في استعمال الهاتف، هلّا تركت الهاتف، …،. وليكن هذا ديدنك في التعامل مع القضية أيها المتلازم وإن كان الملل قد يصيبك في بداية الأمر عندما ترى قلة الاستجابة عند أولادك.
واستخدام بدائل للمتلازمة مع الطفل يحقق مآرب أخرى من أليقها إشراك ابنك في اتخاذ القرار ومن أرقاها تقوية شخصيتة وزيادة ثقته بنفسه ومن أعظمها تنمية تحمل المسؤولية وتطويرها في نفوس الأطفال، وبذلك يتحقق لك هدفك الأصيل في النواحي كافة.
متلازمة لات في الحياة الاجتماعية
لا غَرْوَ في أن الحياة الاجتماعية تظهر المتلازمة واضحة جليّة فتأخذ من الفائدة أسناها أو من الخسارة أشنعها، فَجُلّ أفراد المجتمع مهما كان مستواهم الأكاديمي أو المهني يوظفون متلازمة لات في محادثاتهم ومجالساتهم وتواصلهم فتراها عند بعضهم ذهبا خالصا يُتَحقَّقُ فيها ما يُرنَى إليه، وعند بعضهم الآخر مرافقة له كظلة يصرفها هنا وهناك كأنه هو المنعم المتفضل على الناس.
يقوم الفرد بواجبه تجاه مجتمعه في النصح والإرشاد والتوجيه فتكون المتلازمة واجبة الحضور في كونها تصدر عن كل خبير في مجاله فيأخذها الناس برحابة صدر وطيب خاطر، من مثل قول الطبيب لا تتناول الدواء جائعا، وقول المهندس لا تقلل من الحديد في البناء وقول المعلم لا تؤجل واجباتك وقول مسؤول الأمن والسلامة لا تتدافع أثناء الدخول وقول … وقول …. وهي على هذا النحو كسكر الطعام تحلو حياة الناس بها من جانب وتُبقي للمتلازِم حضوره وقيمته من جانب آخر. والمتلازم بالصفة آنفة الذكر يجب أن يكون بصيرا في توظيفها واستعمالها وأن لا يسرف في صرفها، بل عليه أن يجعل الناس يفتقدونها ليكون أثرها المرجو فعّالا عند إطلاقها.
وتأخذ متلازمة لات وقعها السلبي في الحياة الاجتماعية إذا غُولِيَ في استخدامها فيكون الخبير وغير الخبير سيّان إذا ما اشتركا بصفتها هذه. فترى الفرد نفسه عالما وأستاذا جامعيا وطبيبا ومهندسا ومعلما وبنّاء ومصلحا اجتماعيا و…و…. وإن لم تعجبك لات فلات أخرى بانتظارك.
تكشف المتلازمة بصفتها السلبية دوافع نفسية مستكنة في نفس المتلازم من أبرزها حب الظهور والشعور بالنقص والغيرة والحسد وإثبات الذات؛ لتصرخ كل لات قائلة أنا موجود. والناس أيها المتلازم واعون فاهمون محللون بل إنهم يستنبطون من متلازمتك أعمق مما نقشته هذه السطور، فدعهم وأمورهم فهم ليسوا بحاجة إلى منغصات وليسوا مجبرين على غثّك وسمينك بل أطربهم بكلامك مع أن سكوتك أفضل ما تُشَنَّف به آذانهم ولا تتدخل أخي في ما لا يعنيك والتهِ بما ينفعك لا بما يبكيك ولا تنصّب نفسك سلطانا تصدر المراسيم.
أما أنت أخي السامع فالمتلازمة لات ليست بذي أثر عليك إن أخذت المتلازم بحلمك وسعة صدرك بل إن تصرفك الإيجابي قد يئد المتلازمة السلبية ويجعل المتلازم يعيد النظر في متلازمته، ولا تغفل أثرها الإيجابي إن كان هناك موجب لاستعمالها.

رئيس قسم اللغة العربية

أكاديمية ديار الخاصة / الفجيرة
dr.alimahassneh@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى