المؤسّسات: الحزبية، والتمثيلية، والعسكرية ٤

المؤسّسات: #الحزبية، و #التمثيلية، و #العسكرية ٤

بقلم: د. #ذوقان_عبيدات

         الغرض من هذه المقالة هو استكشاف المكانة التي ستحتلها المؤسّسة الحزبية المصنّعة، كمؤسّسة مستقبلية حاكمة، وهل ستكون المؤسّسة الأولى القائدة للبرلمان والسلطة التنفيذية الكاملة خلافًا لما اعتدنا  عليه في #الأردن ؟ وهل ستتقدم  على المؤسّسة التمثيلية، والعسكرية؟ أم ستبقى مهمّشة؛ بمجرّد أنها ديكور شكلي تجميلي غير مؤثر، واضعًا في الذهن أن أي مكانة  حقيقية للحزبية قد تؤثر على المؤسستين التمثيلية والعسكرية!

         إذن: بكل احترام وثقة بالمؤسّسة العسكرية كونها مؤسّسة محبوبة من الشعب ومُهابة، ومتقدمة على المؤسّسات الأخرى، فإنني مجرد باحث عن أي تغييرات ستحدثها المؤسّسة الحزبية على مكانة التمثيلية والعسكرية، ولعل ذلك ينبّه إلى ضرورة  التخطيط لعلاقات قادمة! فحين تنشأ مؤسّسة حزبية قوية”غير مصنّعة قد لا تقبل إلّا بالسيطرة الكاملة، حتى لو كان للدستور رأي آخر!

          تحدثت في المقالات السابقة عن أن هناك ثلاث مؤسّسات في الدولة، مع ما يتضح من تباين في أهمية كل مؤسّسة حسب نظام الدولة السياسي. ففي الدول الديموقراطية تكون السيادة للمؤسّسة الحزبية، وفي الدول غير الديموقراطية تكون السيادة المطلقة للمؤسّسة العسكرية، ولا قيمة لأي برلمان أو حزب دون ذلك.

         وقلت: إن السيادة في  معظم الدول العربية للمؤسّسة العسكرية. ومن الواضح مثلًا أنك تستطيع نقد أي حزب أو أي برلمان دون أي إشكال. هذا وضع سائد عربيّا، فلماذا – على سبيل المثال – يحرّم ويجرّم مَن نقدَ أداء الجيش السوداني، أو الروسي، أو المصري؟ ففي السودان هذه الأيام: هل يجب نقد أداء المؤسّسة العسكرية واحترافها؟ وهل أنّ الأحزاب السودانية  قد تكون أكثر حرصًا على المجتمع والوطن؟

         وإذا أردنا الحكم على ترتيب المؤسّسات في الأردن، ومن المؤسّسة السائدة، فإنني أضع المعايير الآتية:

القدرة على التأثير في القرار؛ الإمكانات المادية والفنية والسياسية؛ الارتباط بالسلّم الهرمي للدولة؛ مكانة الأفراد المنتمين للمؤسّسة؛ الامتيازات الممنوحة لمنتسبيها؛ مشاعر المجتمع نحو المؤسّسة؛  الهالة والمحرمات والتقديسات والممنوعات التى تحيط بالمؤسّسة؛ حرية النقد؛ الإشادة الاجتماعية بالمؤسّسة ( أغانِ، احتفالات.أعياد…إلخ)؛ وأخيرًا الذكريات التاريخية في نشأة كل مؤسّسة.

          لو طبقنا هذه المعايير على  معظم الدول العربية لَمَا احتار أحدٌ في الاختيار، فالمؤسّسة العسكرية موجودة بقوة، وبغياب كامل لبرلمان، أو أي حزب جادّ- طبعا لبنان استثناء- فالأحزاب هي الأقوى، والبرلمان خاضع لها، كما أنها تسيطر على الجيش .

          ماذا عن الأردن؟ ما ترتيب المؤسّسات عندنا؟ وهل يسهل الجواب كما أجبنا عن الدول العربية؟ هل من يعتقد أنّ الحزبية في الأردن لها النفوذ الواسع والأول؟ ربما وجدنا عددًا قليلًا- وأنا لست واثقًا- أن هناك من يعتقد أن الحزبية في المستقبل ستكون هي الحاكمة. وهل سيكون البرلمان هو المؤسّسة القويّة مستقبلًا؟ على العموم، لقد عدّلنا التشريعات حيث لا يكون لأي حزب أو برلمان أي تأثير على المؤسّسة العسكرية، ولذلك يتبدّد أي وهم بتغيير حقيقي في ترتيب أهمية المؤسّسات.

         أما ما يتعلق بالنقد، فهناك مسلّمات تقول بأنك  تستطيع بالتأكيد كتابة ألف نقد للحزبية، والبرلمان دون أن يقنصك “أحد” أو مواطن، فليس لديها خطوط حُمْر، ولا يمتلك البرلمان أو حزب ما أي قدسية من أي مواطن، فهناك هالة من الاحترام والقدسية  والحب، وربما الهيبة والرهبة للمؤسّسة العسكرية ما لم يتوافر بعد للأحزاب والبرلمان.

         فالنقد متاح  لغير المؤسّسة العسكرية، طبعًا يفهم كل مواطن كيف اكتسبت المؤسّسة العسكرية الأردنية هذه السمعة والثقة؛ نتيجة تضحيات جسام. فهل هذه الثقة والسمعة سوف تحدثان يومًا ما للبرلمان، أو للحزب حتى لو استشهد نصف الأعضاء؟

         ونظرة إلى سطح المجتمع، لنرى ما الأسماء اللامعة فيه تاريخيّا، وحاليّا، ماذا نرى؟ هل من يعرف اسم رئيس البرلمان السابق، أو رؤساء الأحزاب القديمة؟ هل من يعرف اسم وزير الأشغال أو المال، أو حتى التربية؟ وهل اسم وزير الداخلية أكثر شيوعًا؟

         من الأكثر شهرة أسماء مديري الأمن والدرك، والمخابرات، أم أسماء وزراء الاقتصاد والاستثمار؟ من مثلًا يستطيع تجاهل أسماء مثل المرحومَين محمد رسول الكيلاني، وحابس المجالي، ومشهور الجازي وعبد الله التل؟ وحتى أسماء الشوارع، هل ستمتلئ بأسماء وزراء الاقتصاد والثقافة والتربية، ومديري البنك المركزي والجمارك واللاعبين الرياضيين والفنانين؟

         وفي مجال الأناشيد والأغاني والإعلام، هل هناك أغانٍ تُشيد بالمعلمين وبالبرلمانيّن وبعمل الضريبة؟ هل هناك إذاعات للمعلمين والاستثمار، والصحة؟

طبعًا الكل يعرف من يمتلك وحده مثل هذه الإذاعات والشهرة! وهل سيحصل المعلم على مزايا ضابط؟

وإذا تعثر وضع مؤسّسة ما، هل نرسل لها برلمانيّا أو زعيم حزب؟ وفي وقت الأزمات، هل نلجأ إلى الحزب أو البرلمان، أم إلى  مؤسّسة أخرى! طبعًا ما زلنا نؤمن أن المؤسّسة البرلمانية والحزبية ليس لهما سوى دور مرسوم أو كما يقول الأردنيون”مهندَسًا”.

   ومما سبق، لو أراد الأردنيون ترتيب  أهمية المؤسّسات هل سيختلفون على ذلك! لدينا مؤسّسات عريقة: عسكرية، وبرلمانية وحزبية، مررنا بأحزاب وطنية قبل الخمسينات، ولدينا برلمان قوي قبل الستينات، ولدينا أسماء اختفت من الذاكرة الوطنية، ولدينا أحزاب وطنية: المجلس الاستشاري – وصفي التل، وحزب العهد – عبد الهادي المجالي، اندثرت بعد قوة: أحزابنا الوطنية والقومية والدينية، باستثناء الإخوان الذين تمت المحافظة عليهم لأسباب غيروطنية أو دينية، تم القضاء عليها جميعها، وإضعاف من بقي حيّا!

         ولذلك، هل يمكن القول عن الوضع الحالي: إن البرلمان يمتلك مكانة وهَيْبة لدى المواطنين! وهل من يستطيع تعداد أسماء ثلاثة نوّاب من غير محافظته؟ أو حتى ذكر أسماء ثلاثة أحزاب أردنية حديثة؟ وسؤال آخر ولست مسؤولاً عن إجاباتكم عليه: هل جاءت الأحزاب الحديثة لغايات بناء المجتمع، أم  أداةً لتجميل وضع ما؟ طبعًا! أنا جوابي: أحزابنا عظيمة، وستخرج من  يريد منًا من عنق الزجاجة! لكن المشكلة ما جواب المواطنين! وهل نحتاج دراسة للإجابة؟

         وإذا سألنا المواطنين: ما المؤسّسة الأولى؟ هل تكون إجابته البرلمان، أم الحزبية؟ وربما سؤال أخير: هل إذا بقيت المؤسّسة العسكرية هي السيدة بين المؤسّسات الثلاث _ وأرجح أنها ستبقى _ فهل يعني ذلك أن الديمقراطية الأردنية ستبقى بالضرورة شكلية ؟!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى