المؤسسية والفزعة في العمل العام / طارق زياد الناصر

المؤسسية والفزعة في العمل العام

بقلم : طارق زياد الناصر

صار من الطبيعي ان يستخدم احدهم كل كلمات الوطنية الممكنة لجمع بعض الاشخاص في ساحة ما لتسجيل موقف ما، ويمكن ان ينادي احدهم “الفزعة يا نشامى” فتظن انه بحاجة لخدمة انسانية للتفاجئ انه يبحث عن حضور لجلسة نقاشية او ينوي الترشح للانتخابات في احدى المؤسسات او المجالس، وفي مكان اخر قد يحادثك احد مدراء المؤسسات التطوعية مستخدما كلمات المحبة والصداقة ثم يدعوك الى اقامة ندوة حول موضوع ما او المشاركة مع مؤسسته في عمل ما او التدريب في مجال ما علما ان مؤهلك الوحيد هو صداقته، وفي ذات السياق يكون مستفزا جدا ان تكون الدعوة عامة ولا محددات لها لنشاط يفترض ان يكون نوعيا او انتقائيا ولمؤسسة يفترض ان لديها من يخطط ويدير ويشارك في انشطتها وبالتالي تمتلك برنامجا واضحا لعملها .
ربما يكون معظمنا قد مارس الفزعة في العمل العام فيما مضى، وهبوا كلما ظنوا انه من الممكن ان يقدموا شيئا جديدا لمجتمعاتهم،او كلما استنفرتهم كلمات الفزعة، لكننا نكبر ويتغير فهمنا للعمل العام، لكنني على المستوى الشخصي لم اعد اجد مكانا امارس فيه فهمي الجديد لهذه المنظومة، وبات من الضروري ان تتحول هذه الاعمال الى منظومة مؤسسية مبرمجة تقوم على اهداف واضحة وبرامج نوعية مبررة وموزعة بحسب احتياجات المجتمع والظروف المحيطة.
مشكلة اخرى في مؤسساتنا المحلية تحتاج الى تحليل ودراسة عميقة وهي تغير الادارات والرؤى الادارية التي تحتكم لها المؤسسات، وربما تغير قناعات ادارة قديمة، فيعاد بناء المؤسسة من اساسها بما يتناسب مع القناعات الجديدة فلا تعود كما كانت ولا تبقي كما هي ، ولا اقول ان الشكل المؤسسي للعمل العام غير موجود ولكنني متاكد من طغيان مفهوم الفزعة في غير مكانه ليطغى على المؤسسية والتخطيط، ناهيك عن الشخصنة وتغليب المصالح الذاتية او العلاقات النفعية على مصلحة المؤسسة او مصلحة الفئة التي تستهدفها، وادعي انني اقول ذلك من واقع تجربة شخصية طويلة في العمل العام وفي اكثر من مؤسسة تعنى بالشباب او الخدمة الاجتماعية والعامة.

ان وصف المشكلة هو نصف الحل، لكن المنطق لا يقبل توصيفا دون حلول، وباعتقادي ان جوهر الحل يكمن في اعادة هيكلة مؤسسات العمل العام اولا، ثم تمكينها من خلال ادارات تعي مفهوم المؤسسية وتؤمن به كنهج اداري، ثم ايجاد برامج توعوية حقيقية تقوم على التشارك والتكامل لا التصارع والتناحر لايجاد مؤسسات حقيقية وجيل مؤسسي واعي، وتدريب الشباب وقادة المجتمع على المفاهيم الاصيلة للعمل العام وعلى اليات الاتصال والتواصل الفعال واليات التخطيط وبناء الفرق والاهداف بما يتناسب مع الواقع ، مع الحد من مركزية التخطيط واتخاذ القرار .
ولان خير الكلام اقله اترجم هدف مقالي هذا بدعوة كل المؤسسات المعنية بالعمل العام والتطوع لايجاد استراتيجية حقيقية قابلة للتنفيذ فورا وليس لتكون طي الكتمان في الادراج المغلقة ، فكل الخوف من ضياع جهود كنز الاردن وثروته الحقيقية وهو المواطن بحسه الوطني وانتمائه الاصيل، ولنخدم الوطن ومؤسساته ولنبني القدرات ونستفيد من المهارات فيعلو الوطن بجهدنا وتعلو هاماتنا وتستمر مسيرة البناء .

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. استاذ طارق دائما مبدع في مقالاتك ، نعم لقد اصبت كبد الحقيقه فلا يجوز أن تذهب جهود المخلصين من أبناء الاردن هباء منثورا ليستغلها حفنه من الوصوليين لتحقيق مآرب شخصية

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى