اللي يعمله الراعي يطيب للمعلم
م. عبدالكريم أبو زنيمة
ليس بعد الإذلال إهانة، وإذلال الشعوب يكون عبر تجويعها وتضييق آفاق حرياتها وترهيبها، فإن هي استكانت ورضيت بحالها هذا، يتم استعبادها والتسيّد عليها والتحكم بمصيرها بما يحلو للمتسيّد عليها، لتصبح شعوبًا مُذلّةً مُهانة، خاضعةً لما يُملى عليها، وراضيةً بالفتات الذي يُلقى إليها.
العبوديّة في الوطن العربيّ تشكّلت من خلال الشعوب نفسها –فالشعوب هي التي قارعت وحاربت الاستعمار وهي من قدّمت الدماء والشهداء لنيل حرياتها– هذه الشعوب هي التي غنّت وحلمت ذات يومٍ بوطنٍ عربيٍ واحد من المحيط للخليج وهي نفسها من اصطفت خلف حكامٍ حافظوا على خطوطٍ رسمتها لهم سايكس بيكو –هذه الشعوب هي من جعلت من الحُكّام أربابًا وآلهة يسجدون لها ويسبّحون بحمدها ونعمتها- هذه الشعوب هي من صمتت على طغيان حكامها وتماديهم في تجهيلها وتجويعها ونهب ثرواتها وتغاضت عن تحالفهم وتواطئهم مع أعدائها..واليوم ما عاد خافيًا على أحد حجم التآمر على الأوطان والشعوب بإعادةِ استعمارها وبأشكالٍ ثقافيّة واقتصاديّة، فإذا كانت أكبر وأغنى دولة عربيّة يُهان ويُذلُّ حُكّامها على مدار الساعة، ويبتلعون هذا الخزيّ والعار مقابل حفاظهم على عروشهم، فماذا ننتظر من البقيّة إذًا؟
قبل سنوات بشرنا أحدهم بأنّنا سنخرج من الزجاجة التي وضعونا فيها، واليوم نقول له أنَّكم لم تضعونا فيها لنخرج منها بإرادتكم، فقد أعّددتم كل الأسباب والظروف لنبقى فيها حتى يكتمل مشروع إسرائيل الكبرى، فأنتم جزء من هذا المشروع، لكن السؤال الأهم هو: هل سيقبل الشعب الأردني بأن يبقى في قعرِ الزجاجة؟
هناك مؤشرات كثيرة تدُلُ على أنَّ الشعب الأُردني لن يبقى طويلاً في قعرِ الزجاجة، فالفجوة بين الشعب ونظام الحكم تتسع وتكبر يومًا بعد يوم ومن كان يرى أنَّ نظام الحكم هو صمام أمان لهذا الوطن أصبح يضع إشارات استفهام حول هذا المفهوم، فغالبية الشعب الأُردنيّ يعرف أنَّ ملك البلاد هو صاحب القرار الأول والأخير؛ وما هذه الحكومات التي تأتي وترحل إلا أدوات لتنفيذ برنامجٍ واحد، وأكباش فِداء لتحمل الأوزار، وأنَّ كل ما حدث ويحدث فقد تمَّ بعلمٍ منه، وكما يقول المثل الأردنيّ الذي يعرفه الجميع: “اللي يعمله الراعي يطيب للمعلم”. الأردنيون اليوم قد فقدوا الأمل بالإصلاح والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد واسترداد الأموال، الأردنيون فقدوا الأمل بالعيش بكرامة بعدما أصبح غالبيتهم يبحث عن لقمة عيشه في حاويات القمامة، اليوم غالبيّة الشعب الأردنيّ يقف ويدعم مطالب نقابة المعلمين وكثيرٌ منهم يقف نكايةً بالسياسات الحكومية بل ويذهب الكثيرون منهم المطالبة برفع سقف المطالب لمطالب وطنية تنهي نهج الفساد، لكن أبرز ما لاح خلال هذه الأيام هو أنَّ هناك نقم شعبي وازدراء لذوي العباءات المُستأجرة والسحيجة، الذين حاولوا الوقوف في صف الحكومة وتحريض الشعب على المعلمين، اليوم لم نعُد نسمع في أي مجلس من يدافع عن النظام وحكوماته، بل صار الجميع يهاجمه وهناك أصوات تتعالى وتطالب بما هو أخطر.
الفجوة تكبر يومًا بعد يوم، وكل مؤشرات انهيار الدولة تنذر بالفاجعة، مثل التضخم، ارتفاع معدل الجريمة، انتشار المخدرات، البطالة، ارتفاع نسب الطلاق، ارتفاع المديونية، عجز الموازنة، تغوّل الفساد، تردي الخدمات وخاصةً الخدمات الصحيّة، الأردنيون اليوم يعرفون أنَّ حجم الأموال المنهوبة والمكنوزة في بنوك الغرب والشرق هي أكبر من حجم مديونيتنا وعذاباتنا ومعاناتنا، أمام هذا الواقع ليس هناك خيار سوى الإسراع في تشكيل حكومة إنقاذ وطني متوافق عليها وطنيًا تتولى إدارة البلاد ورسم الاستراتيجيات المستقبليّة التي تنقذ البلاد من براثن أعداء الخارج ووكلائهم وعملائهم في الداخل، وبخلاف ذلك فإنَّ الأردنيين لن يقبلوا الضيم والعيش في قعر الزجاجة للأبد!