اللا المعترضة و الـ ” نعم ” الاذعانية !

اللا المعترضة و الـ ” نعم ” الاذعانية !
بسام الياسين

اغبى الاغبياء من لا يغيرون ما حولهم اذا كان بقدرتهم،ولا يتغيرون هم انفسهم لإحسن مما هم عليه،الا ان بعضهم رغم ان حركة التغيير تفضي الى الحداثة والارتقاء.تراهم جامدين كالأصنام ،لا يتغيرون ولا يُساهمون في التغيير مهما أُوتي احدهم من مكانة علمية او سلطة الموقع.نظرتهم للواقع محافظة،تراهم مشدودين للماضي بثراته القديم اكثر من تطلعهم للمستقبل وتطوراته.لذلك يمسكون الحاضر باسنانهم،و يلوذون بالصمت على الاخطاء والخطايا خوفاً على مواقعهم.سلبيون لان سلوكهم منذ نعومة اظفارهم الحذر ” إمش الحيط الحيط وقل يا رب البيت بك احتميت “.هؤلاء يشعرون كأن الحداثة عدو لهم،نهجهم هز الرؤوس لانه سكة السلامة. و منهاجهم ” سَكنْ تَسلمْ ” لكي لا يقعوا في فخ اللغة والكوابيس الموحشة.لهذا اسعد ما يسعد الحاكم، ان يحكم ـ مجتمع السيرك ـ اوادمه مدجنة،يرقصون باشارة ويغنون على النوتة ثم يصمتون بايماءة .

في السيرك البشري.يلعب جلاد الحاكم دوراً محورياً في ترويض الناس ، بتضييق عيشتهم ومعاشهم ، قطع السنتهم، جدع انوفهم.بمعنى ان معنى السياسة عند الحاكم العربي اذلال العامة،اما مفردات الديمقراطية،الحرية،تداول السلطة،مجرد صراخ في وادٍ ليس بذي زرع ولا مأهول بخلق، كصراخ ” دلال ” سوق الخضار ، لتسويق الفجل و البطاطا.من هنا تاتي دقة اختيار الحاكم لجلاده ، فهو ـ كرباجه اللاسع وعصاه الطويلة ـ لذا يتم تدليله بإغداق الاموال عليه و منحه الاوسمة ليكون بيده كالخاتم المطاطي ليبصم به ما يشاء ،فان ضاقت الاوسمة على صدره ، يجري تعليقها على ظهره ، ليصبح مخيفاً في حضوره وغيابه،ذهابه و ايابه، تماماً كالطاغية الحجاج حينما يتكلم عن الشورى من فوق منبر رسول الله وهو يتمنطق بسيفة ويلوح به لكل خالف رأيه ويبشر بالجنة لعسكره الذين يطيعون اوامره برمي مكة بمنجنيقاته.

لهذا كان الضرب من حصة الخيول الصاهلة بـ ( لا المعترضة ) اعتراضاً على ما يجري حولها،وكلُ مَنْ نطق بـ ( لا ) النافية و ( لا ) الناهية، والـ ( لا ) المضمرة وحتى والـ ( لا ) الزائدة فمصيره زنزانة لا يموت فيها ولا يحيا،عكس الحمير التي استمرأت الاهانة، فآثرت بلع اللا المعترضة حتى شطبتها من ابجديتها،وان نطقت بها احياناً فانها تخرج من بين اسنانها غير مفهومة…فالحاكم العربي ، لا تطربه الا كلمة نعم الاذعانية …لانه يريد سيركاً ( اوادمه ) طيعة مذعنة لجامها بيديه، لا خيولاً برية تأنف السروج على ظهورها.

الخليفة المنصور الملقب بـ ـ السفاح ـ مثالاً لنا. نكلَّ بالامام ابي حنيفة النعمان، وجلده لرفضه التعاون معه والانصياع لاوامره،كما ان كرباجه المغزول من حقد، الهب ظهر الصحابي الجليل، مالك بن انس خادم الرسول صلوات الله عليه، واحد اهم رواة الحديث. لم يحترم شيخوخته.الانكى جلده عارياً امام الناس مكشوف العورة، إمعاناً في اذلاله وتشهيراً به.ذنب الامام رضوان الله عليه ذكَرّ الخليفة بتقوى الله وان يسوس الناس بالحسنى.

القصة الاكثر فظاعة ما فعله الخليفة ذاته، بابن المقفع اعظم ادباء عصره.جريرته انه لم يستطع السكوت على فساد حاشية الخليفة، فارسل له مطوية صغيرة عنوانها ” رسالة الصحابة ” تُعتبر من عيون البلاغة و السياسة ، ناصحاً المنصور بحسن اختيار البطانة،وتقوى الله في سياسة الرعية. ابن المقفع فعل ما يجب ان يفعله اي مثقف في اي زمان و مكان، من موقع المسؤولية الثقافية و احترام العقل والشرع . هذا ان كان المثقف عظيماً،و لم يكن زنديقاً او مخبراً.

فبدل تكريم ابن المقفع،ان اوعز الخليفة لاحد كبار اعوانه، بتقطيع اطرافه و القاءها في تنور مشتعل قطعة قطعة،ليراها تحترق بام عينيه و يشمها بانفه،لكنه مات من شدة الالم و الصدمة.المصيبة ان الخليفة بعد الجريمة ، اعتلى المنبر وتكلم عن فوائد الشورى ” الديمقراطية” .مبشراً مريديه بالجنة، ومن يشق عصا الطاعة القاءه في نار مستعرة . الاكثر غرابة، ان الخليفة الديمقراطي اورث ابنه المهدي رعاية رعية مدجنة كالاغنام، لا يُسمع ثغاؤها الا طلباً للعلف والماء .في هذه العُجالة العاجلة،نستذكر قولة ابن خلدون رائد علم الاجتماع السياسي،واحد مشاعل الحضارة الانسانية :ـ العرب ابعد الامم عن السياسة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى