الكوتات والاستثناءات في القوانين تفرغ الديمقراطية من مضمونها
الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة
يشكل مبدأ حكم الأغلبية (Majority Rules) قاعدة عامة وركنا اساس في معظم الدول التي قطعت شوطا في الحكم الديمقراطي المستند إلى تطلعات وحاجات السواد الأعظم من الشعب .ولعل استناد هذه القاعدة للأغلبية العددية للشعب هو ما يفسر الانتشار والقبول الكبير الذي تحظى به في كثير من المجتمعات وهي ذات القاعدة التي نافح الكثير من الشعوب المظلومة والمقهورة من أجل الوصول إلى تطبيقها. نعم فقد ناضل ، وما يزال يناضل ،قادة كثيرون في الغرب والشرق للوصول إلى تطبيق لحكم الأغلبية والتي تبدوا أنها منسجمة مع الفطرة ومع تعاليم معظم الأديان ناهيك عن انسجامها مع الواقع ومع القيم العليا لمعظم المجتمعات المعاصرة.
ما يلفت النظر في الديمقراطيات الناشئة في الدول العربية هو انتشار ظاهرة المحاصصة والكوتات والاستثناءات التي تبدوا أنها تقفز عن مبدأ “حكم الأغلبية” ، لا بل فإن الكوتات والاستثناءات أصبحت هي القاعدة الأساس في الحكم ، وإن كان المرء في شك من ذلك فما عليه إلا النظر حوله إلى الأسس الناظمة للحكم في لبنان والعراق وجزئيا في الأردن. والكوتات بطبيعة الحال لا تقتصر على المحاصصة في المقاعد النيابية والمناصب الرسمية ولكن تتعداها لتشمل أسس قبول الطلبة في الجامعات وعدد هائل من المكرمات والتخصيصات التي تستثني الطلبة من القبول على أسس تنافسية وتعطي امتيازات لبعض الأردنيين على ضوء العشائر التي ينتمون إليها والوظائف والإمكانات المادية لآبائهم وذويهم.
والأردنيون إذ ينشغلون الآن في صياغة قانون انتخاب نيابي جديد فإن فكرة الاستثناءات والكوتات ما زالت تسيطر على بعض المواطنين والمشرعين الذين يضغطون بكل قوة لتحقيق بعض الأقليات العرقية أو الطائفية أو غيرها مكاسب وامتيازات تستثنيها من قاعدة حكم الأغلبية ، أو بمعنى آخر تنسف الفكرة الرئيسية من هذه القاعدة الديمقراطية . والغريب في الأمر أن تجد من يدعي أن الديمقراطية لا تخدمنا ولا تحقق للشعب ما يرنوا إليه مستندين في ذلك إلى مسوغات ومخاوف من احتمالات طغيان الأغلبية وافتئاتها على حقوق الأقلية .والحقيقة أن العكس هو الصحيح فإعطاء امتيازات للأقليات عن طريق استثنائهم من التنافس مع المجموع العام ،ومنحهم تخصيصات واستثناءات خاصة تخرجهم من دائرة المساواة مع باقي المواطنين يخلق حالة من الشعور بالسخط والظلم لدى باقي شرائح المجتمع ويمكن لهذه الحالة أن تهيئ المناخ الملائم للاحتجاج والتمرد والشعور بعدم الأهمية ، مما يولد حالة من عدم الانتماء للوطن ومؤسساته ونظامه السياسي.
نعم إنه لمن الملفت للنظر أنه وفي ظل الكوتات والتخصيصات أن ترى نائبا من أقلية دينية أو عرقية يدخل مجلس النواب وهو لم يحصل على أكثر من (1800) صوت انتخابي في حين أن شخص أردني آخر ترشح لعضوية مجلس النواب وحصل على (6000) صوت ولم ينجح في الانتخابات فعن أي ديمقراطية يتحدث المدافعين بضراوة عن الكوتات والاستثناءات في قوانين الانتخابات ؟ ولا أعلم ما الفرق بين المحاصصة والكوتات في قانون انتخاب مجلس النواب والكوتات التي تعطي بعض الطلاب الأردنيين مقاعد جامعية استناد لانتماءاتهم العشائرية في الوقت الذي لا يحصل أقرانهم ممن ينتمون إلى عشائر أو شرائح أخرى على قبول في مقاعد جامعية مع أنهم متفوقون وحققوا معدلات أعلى من غيرهم ممن منحتهم القوانين والمحاصصة حقوق فوق الأردنيين الآخرين.
الأردنيون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات وينبغي ان ينصرف جهد الدولة في تحقيق العدالة في تقديم الخدمات المتكافئة والفرص لكافة الاردنيين في مناطق المملكة المختلفة . يمكن لنا أن نتفهم تمييز بعض المدارس في البادية والأرياف في القبولات الجامعية نظرا لعجز المؤسسات على تقديم نفس الجودة من مخرجاتها للقاطنين في هذه المناطق ولكن الذي لا يمكن فهمه واستيعاب مدلولاته للديمقراطية هو الكوتات للأقليات الدينية والعرقية وغيرها إذ أن هذه الأقليات ليست أقل حظا كما أنها لا تعاني من التمييز السلبي وهضم الحقوق فلماذا هذه المحاصصة التي تخرج الديمقراطية من مقاصدها وأهدافها المسندة لقاعدة الأغلبية الشعبية ؟. الكوتات ليست ظاهرة ديمقراطية والتوسع فيها يهيئ مناخات يمكن أن تولد السخط والاحتقان ويقلب القاعدة الديمقراطية لتصبح “حكم الأقلية” وليس حكم الأغلبية فهل من مدكر….