“الكوارة”

مقال الأحد 13-1-2019
“الكوارة”
“الفلاح” العتيق ، هو أول كيان مستقل في التاريخ، قبل تشكل القبيلة والأمة والدولة كان دولة من لحم ودم ، يمتلك أدوات بقائه بيده ،ولا يترك مصيره بيد غيره، ولا يفرط باستقلاله الحرّ تحت أي ظرف كان، كان لا يترك حاجته عند عدوه ؛ إما أن يظفر به ، أو يبتعد عنه ويأمن شروره..لذا كان وجود “الكوارة” في البيت مثل وجود سجّادة الصلاة ،ومثل ثبات السقف، لا تتم أركان البناء الا بوجود هذا الجزء الحياتي الأساسي …والبيت الذي لا يمتلك “كوارة” ولو قديمة أو صغيرة هو أقرب للزريبة أو للخرابة منه للبيت ، ولا يمكن أن يحصل على وصف “دار” مهما كثرت غرفه أو تجمّل بناؤه..
الكوارة* لمن لا يعرفها من الجيل الجديد: هي خزانة حديدية ضخمة لها بابان..باب فوقي يصب فيه القمح أو الطحين – حسب استخدامها- وباب سفلي يفتح لأخذ الحاجة اليومية للعائلة أو لمقايضة “الدكنجي” ببعض البضائع القليلة..
إذا توفّر الثالوث التالي ، توفرت الحياة ، ولا تعنيه مطاحنة الجيوش، ولا تحالفات القوى ، ولا تقلبات الإقليم : “الخابية” في العريشة ، “الكوارة” في “الحاصل”، و”السراج” في الشباك..هذا ثالوث الاستقلال البشري، وما عداها يمكن تجاوزه أو إتباعه لاحقاً ، بهذه الأعمدة: حبة قمح ،قطرة ماء ونقطة ضوء..تستطيع أن تقف على رجليك مهما كنت محاصراً أو ضعيفاً أو فقيراً .
للأسف فقدنا كل ما سبق، بعنا الحاكورة ومنتصف البيت ، وهدمنا الكوارة ، وبعنا الخابية الوحيدة، ووضعنا زيت سراجنا بيد عدوّنا..فكيف لنا أن نحيا ونحيا طويلاً بلا مقوّمات؟؟..
حزنت كثيراً كثيراً على المشهد الذي تفاخر صانعوه انه سيكون على الهواء مباشرة ،تحطيم “الكوارة”،منزل القمح، مهد الرغيف ، أو هدم الصوامع لا فرق .
لم أحزن على الخرسانة ولا على الاسمنت ..حزنت على المرحلة، عندما بنيت كان الأمل كبيراً والانجازات تولد تباعاً ، والوطن في ازدهار مستمر والأردن في “عزّ شبابه”..حتى هذه حرمنا منها..بعد ان بيعت الأرض وما ومن عليها…لا أدري كيف يجرؤون على ذلك ،كيف يجرؤون على كرنفال “الخراب” والتصفيق للباطل الجلي والضياع المؤكّد!!..
**
ولأن الشيء بالشيء يذكر..قبل خمس وثلاثين سنة ، اشترى لي والدي رحمه الله “بسكليت”، ثم توفي بعدها بسنتين…لا زلت أحتفظ بهيكل “دراجتي” العتيق الصدئ المعطل تحت بيت الدرج إلى الآن ، فقط لأنها من “ريحة أبوي”..

فكيف الوطن ؟؟.

* وكانت تصنع من الطين أيضا ويقتطع من غرفة العيلة أو غرفة الخزين..
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى