#الكلمة_الرمزية التي كانت ستغيّر وجه #التاريخ . . !
#موسى_العدوان
يُطل علينا الخامس من حزين كل عام بذكراه المشؤومة، ليذكرنا بانكسار هيبة الأمة العربية، وضياع أجزاء هامة من أراضي دول المواجهة العربية. وعندما أعيد التذكير بتلك الحرب، إنما أقصد بيان الخطايا التي ارتكبت خلاها، علّها تكون درسا وعبرة لنا ولأجيالنا اللاحقة. إذ رغم الإنذارات المسبقة، التي دلت على تاريخ ووقت وقوعها بصورة محددة، إلا أن القيادات السياسية والعسكرية، فشلت في اتخاذ الإجراءات الضرورية لمواجهتها وتجنب آثارها.
فعلى الصعيد السياسي، استقبل الملك حسين عليه رحمة الله، بتاريخ 3 حزيران 1967 السفير التركي في عمان، والذي ابلغه أن المعلومات المتوفرة لديه، تفيد بأن إسرائيل ستبدأ هجومها على الدول العربية، في الخامس أو السادس من حزيران بعد أيام، بغارات مفاجئة على القوات الجوية العربية.
كما ان السفير العراقي، زار رئيس الوزراء الأردني سعد جمعة يوم 4 حزيران، وأبلغه بأن إسرائيل ستبدأ الحرب في اليوم التالي لزيارته. وعندما علم الملك حسين بذلك، أمر بتمرير هذه المعلومات الخطيرة إلى الفريق عبد المنعم رياض، قائد القيادة المتقدمة للقوات العربية في عمان، وأرسل اللواء عامر خماش رئيس أركان الجيش الأردني، لإبلاغ القيادة العليا المصرية بذلك. ورد المصريون: ( بأنهم يتوقعون ذلك الهجوم وهم مستعدون له ).
وعلى الصعيد العسكري، فقد جاء في مذكرات الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية المصري ما يلي: ” أن نذير المعركة تمثل في إنذارين تعبويين في غاية الأهمية، وصلا في صباح يوم 5 حزيران قبل بدء العمليات بساعة ونصف.
كان الأول من مكتب مخابرات العريش. كان هذا الإنذار يدل على أنه تجمعت لدى الدوريات الأمامية مشاهدة أنوار وسماع أصوات عربات جنزير في مناطق فتح وحدات العدو، واستعداده للهجوم حوالي الساعة 00 : 04 صباح يوم 5 حزيران، فأرسل إشارة في الساعة 00 : 07 من نفس اليوم إلى قيادته العليا بمكتب وزير الحربية شمس بدران بكوبري القبة ( وهي جهة غير معنية بالعمليات ).
استقبل مدير مكتب المشير عامر هذه الإشارة من الضابط المناوب، وعرضها على المشير، ولكن لم يعلق عليها المشير أو مدير المكتب. ووصلت هذه الإشارة إلى هيئة عمليات القوات المسلحة الساعة
40 : 09 أي بعد وقوع الهجوم الجوي بساعة.
أما الإنذار الثاني فقد جاء من الفريق عبد المنعم رياض، قائد القيادة المتقدمة للجبهة الشرقية بعمان، في الساعة السابعة صباح يوم 5 حزيران، إذ كان في محطة عجلون للإنذار المبكر في الأردن، جهاز رادار ممتاز يرتفع 4000 قدم عن مستوى السهل الساحلي بإسرائيل ومدى عمله جيد جدا، وتم ربطه لاسلكيا بشيفرة بسيطة على جهازين للاستقبال. أحدهما يمثل مصدر المعلومات الاستراتيجية والتعبوية لمصر والقوات المسلحة، وهو محطة إرسال واستقبال كبيرة في مكتب شمس بدران بكوبري القبة.
وجهاز الاستقبال الثاني كان بغرفة العمليات الرئيسية للقوات الجوية والدفاع الجوي بمنطقة الجيوشي، وهو مركز الاستقبال الرئيسي، بينما كان مكتب الوزير هو الفرعي، أي يستمع فقط لما يذاع في المركز الرئيسي.
ففي الساعة السابعة بتوقيت إسرائيل، والثامنة بتوقيت مصر، بثت محطة عجلون للإنذار المبكر إلى المحطتين، معلومات عن وجود موجات متتابعة من مقاتلات إسرائيل، تتجه نحو الجنوب الغربي، مترجمة بالكلمة الرمزية ( عنب . . عنب . . عنب . . ) والذي يعني : بأن أسرابا من الطائرات المقاتلة الإسرائيلية متجهة إلي مصر.
ولكن لم تستقبل محطة الاستقبال الرئيسي بالجيوشي الإنذار نتيجة خطأ شخصي من عريف الإشارة، قال عنه في التحقيق : ” أنه غير تردد الاستقبال للوصول إلى استماع أوضح، وفي المرة الثانية قال : أن توقيت العمل بالتردد القديم حسب جدول العمل بالشيفرة انتهى، فغير على التردد التالي. على أي حال لم يستقبل الإشارة، ولم يصل الإنذار المبكر إلى المركز الرئيسي للطيران والدفاع الجوي عن مصر.
أما المحطة الفرعية وهي محطة استماع فقط خاصة بالمخابرات بمكتب شمس بدران في كوبري القبة، فقد استلمت الإشارة، وتحليلها واضح ولا يمكن أن يحدث في سوء قهم. إنه إنذار أكيد ببدء هجوم طيران العدو على أراضي مصر في اتجاه الجنوب الغربي من إسرائيل، إلاّ أن الضابط المناوب في كوبري القبة، لم يخطر الوزير لعدم وجوده في مكتبه أو في مدينة نصر. وبعد مرور 40 أو 50 دقيقة من استلام الضابط للإنذار.
وبالصدفة خلال مكالمة هاتفية عابرة مع زميله بالمحطة الرئيسية في الجيوشي، أراد أن يذكره بنفس الإشارة وما فيها من كلمة رمزية، تدل على طائرات العدو المغيرة. فقابله الضابط المناوب على نفس المحطة الرئيسية بالتهكم قائلا : ” عنب أيه وبصل أيه ؟ دول فوق دماغنا “. أي أن الطائرات الإسرائيلية تقصف مطاراتنا فعلا، وكانت الساعة 45 : 08 بتوقيت مصر.
عدا ذلك لم يصل من أي محطة إنذار أخرى في مصر أي إنذار باقتراب طائرات العدو وذلك لسببين أولا : أن طيران العدو في الاقتراب تم على مستوى منخفض جدا. ثانيا أن محطات الإنذار والرادار، كانت هي الهدف التعبوي الأول للتدمير أو التعطيل بواسطة طائرات العدو. هكذا كان الحال في أدق مرحلة بل في أدق ساعة، فإن ضياع 30 أو 45 دقيقة، كلفت القوات الجوية خسارة فادحة “.
- * *
التعليق : لقد كانت حرب حزيران نموذجا لعدم الاستعداد للحرب من قِبل الجانب العربي، والتي افتقرت إلى تقدير موقف استراتيجي، يحدد الفعل في حالة التعرض، ورد الفعل في حالة الدفاع ضد الهجوم المعادي.
لو استجابت القيادة العامة المصرية لكلمة الإنذار الرمزية المتفق عليها ( عنب )، والتي أرسلتها محطة الإنذار المبكّر من قاعدة عجلون، بوقت مبكر صباح يوم 5 حزيران، واتخذت الإجراءات اللازمة لمواجهة الطائرات الإسرائيلية المهاجمة، لاختلفت نتائج الحرب وتغير وجه التاريخ، وتجنّبت دول المواجهة هزيمة قاسية، خسرت خلالها أجزاء كبيرة من أراضيها.
وهكذا . . تكون حرب حزيران فقد قدمت لنا دروسا قاسية، في ضرورة التخطيط الاستراتيجي المسبق، والاهتمام بمن تُسند إليهم المهام الحساسة من الضباط والأفراد في الظروف الحرجة، مع الحاجة لمراقبة أعمالهم بصورة مستمرة، كي لا يشكّل أي خطأ فردي، سببا في كارثة وطنية أو قومية، كتلك التي حدثت في حرب حزيران عام 1967 . . !
المرجع :
- حرب الثلاث سنوات 1967 – 1970 / مذكرات الفريق أول محمد فوزي.
- الأردن في حرب حزيران 1967 / الدكتور سمير مطاوع.
التاريخ : 4 / 6 / 2024