الكتب السماوية

#الكتب_السماوية
مقال الاثنين 24 / 11 / 2025

بقلم: د. #هاشم_غرايبه
علماء التاريخ اهتموا كثيرا بأخبار القادة والحروب والصراعات القومية بين البشر أكثر بكثير من تتبع المراحل التاريخية للدين والاحداث التي ذكرتها الكتب السماوية، ويعود ذلك باعتقادي إلى أن المصادر المعتمدة للتاريخ العالمي ظلت على وجه العموم غربية، ونظرة هؤلاء المؤرخين متحيزة، فهي إما ترفض أن الدين من عند الله، أو تميز بين الكتب السماوية فتتقبل بعضها (الانجيل والتوراة) أنه إلهي المنشأ، فيعتبرونهما مصدرا للمعلومة التاريخية، وترفض اعتبار القرآن كتابا سماويا، بلا أي دليل، بل العكس، فهنالك مئات البراهين على أنه لا يمكن أن يكون من وضع البشر، كما أنه لم يذكر في الانجيل أن الله لن ينزل بعده كتابا آخر، بل هو قد بشر برسول قادم في عدة مواضع، منها في انجيل (يوحنا 15/26 – 16/14)، و (يوحنا 14/15 – 30)، وانجيل (لوقا 7/26)، وفي انجيل متى (11/11 – 15)، أما انجيل برنابا الذي يذكر اسم النبي الخاتم صريحا فقد رفضوه واستثنوه من بين الأناجيل المعتمدة، واعتمدوا انجيل مرقس بدلا منه، الذي هو ابن أخت برنابا أحد تلاميذ المسيح، بينما مرقس لم ير المسيح انما تتلمذ على يد بولس ثم كتب انجيله في روما بتوجيه من بطرس.
المريب في الأمر أنه من الثابت ماديا وعلميا أن القرآن هو الكتاب السماوي الوحيد الذي خلا من العبث البشري، فأقدم نسخة منه مطابقة حرفيا لما هو بين أيدينا الآن، وهي موجودة في مكتبة جامعة برمنجهام في بريطانيا، وأخرى مطابقة لها تماما في متحف توبكابي في اسطنبول، وأثبت الفحص بالكربون المشع أن تاريخهما يعود الى زمن الخلفاء الراشدين.
لذلك لنتفق بداية على أن الكتب السماوية الثلاث، كلها من عند الله، لكن الثابت أن الكتب الأصلية التي أنزلت على الأنبياء (ما عدا القرآن) ليست هي المتاحة بين أيدينا الآن، بدليل أنها تمت صياغتها في عصور متأخرة عن زمن النبي الذي أنزلت عليه، بناء على هذا يجب على المنصف اعتماد القرآن مصدرا موثوقا للتاريخ، وما وافق رواياته مما ورد في الكتب الأخرى صحيح، وما خالفها فهو موضوع أو محرف.
أقدم الكتب السماوية هي الصحف التي نزلت على إبراهيم عليه السلام، لكن ليس لها أثر، رغم بقاء عدد من أتباعه منعزلين عن مجتمعهم المشرك في صوامعهم، مثل ورقة بن نوفل والراهب بحيره، لكن مضمونها مماثل لمضمون التوراة التي أنزلت على موسى فيما بعد، بدليل قوله تعالى: “إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ . صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ” [الأعلى:18-19].
وأما التوراة الحالية فهي روايات لأحداث اتفق المؤرخون على أن الأسفار الأربعة الأولى قديمة لكن البقية أضيفت في فترة السبي البابلي، لذلك كثرت فيها القصص الحماسية الأسطورية، والمذابح التي زعمت أن النبي ميشع ارتكبها في حق غير اليهود، التي يبدو أنها وضعت لشحذ عزيمة اليهود المسبيين في المنفى، فلا يمكن أن يتقبل العقل أن الله أنزلها وهو ذاته الذي أنزل الإنجيل الذي يدعو الى التسامح والمحبة وتقديم الخير للآخرين حتى ولو كانوا أعداء.
إن التاريخ المتفق عليه أن الله تعالى أنزل التوراة على موسى عليه السلام بعد إنقاذ بني إسرائيل من ظلم فرعون، وأنها كانت مكتوبة على ألواح، وأنهم ظلوا يحافظون عليها، وبعدها بزمن طويل نزل “الزبور” على داود عليه السلام، لكن لا أحد يعلم مصيره، فهل يعقل أنهم حافظوا على التوراة الأقدم وأضاعوا الزبور الأحدث؟.
أما الإنجيل فالجميع يتفقون على أنه الكتاب الذي أنزله الله تعالى على نبيه عيسى عليه السلام، لكن أين هو الآن؟ ما بين أيدينا أربعة أناجيل وليس واحدا، وهي منسوبة الى البشيريين: متي ومرقس ولوقا ويوحنا، جميعها تروي سيرة المسيح، ولكنه لا يوجد في متونها فواصل بين كلام الله وكلام المسيح وكلام الكاتب، ولا ما يشير الى من هو كاتبها.
هكذا نصل الى أن القرآن هو المتبقي الوحيد من الكتب السماوية بحرفيته التي نزل بها، لذلك يبقى مرجعا معتمدا لتاريخ الدين في حدود ما ذكره من أحداث.
وواضح أن حفظ القرآن وحده بخلاف ما قبله، أراده الله ليبقى مهيمنا على الكتب كلها وناسخا لما سبقه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى