#القصة قصة #كرامة…
د. خالد أحمد حسنين
معظم الطلبة العرب في القدس يدرسون في مدارس “إسرائيلية”، ووفق مناهج يضعها الاحتلال، أما المدارس العربية (محدودة العدد في القدس) فتعاني من شح الموارد، والفرق الهائل في الإمكانيات التعليمية، وضعف الرواتب للمعلمين، فضلا عن التضييق على كافة أنشطتها من قبل الكيان العنصري.
مع ذلك انتفض شباب القدس (خريجو تلك المدارس والجامعات الإسرائيلية) ووقفوا في وجه الاحتلال، مما شكل صدمة كبيرة بالنسبة له!! فلماذا حصل ذلك، وكيف اندفع هذا الجيل لمواجهة الاحتلال بالرغم من كل البرامج الصهيونية لإخراجه عن انتمائه الفلسطيني والعربي فضلا عن الإسلامي؟؟
الأمر لا يعود فقط إلى الوعي السياسي الذي تقوده النخبة العربية من عرب الداخل، ولا إلى نشاطات الحركة الاسلامية في الداخل، المسألة ببساطة تعود إلى قضية “الكرامة” ورفض الإهانة التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق كل عربي فلسطيني، فقط لأنه عربي وفلسطيني ليس إلا. فدعم الحركات الصهيونية المتطرفة بأفكارها وسلوكها، ودعم فعالياتها في الأقصى، وتحت الحراسة الصهيوينة، ودعم عمليات الاستيطان، وإهانة العربي الفلسطيني في الشوارع والأحياء، واستفزاز المشاعر في كل مظاهر الحياة، فضلا عن فرض حلول أحادية لقضايا مخالفة للقانون الدولي في مسألة القدس، واعتبار قرارات الاحتلال هي الشرعية، وقرارات محاكمه في قضية الشيخ جراح (مثلا) هي النافذة بالرغم من أنها قوة احتلال في نظر القانون الدولي، كل ذلك وغيره دفع الناس لمواجهة هذه العنجهية الصهيونية بطريقة غير مسبوقة.
لو كانت “إسرائيل” ذكية بما يكفي، وأنشأت كيانا ديمقراطيا كاملا يحترم كافة المواطنين داخل سلطتها، ويعاملهم بسواسية، فلربما تمكنت من تذويب هوية العرب الفلسطينيين داخلها، وربما ابتلاع دور الجوار أيضا، ولكنها ساهمت بغبائها وعنصريتها وتمييزها بين السكان؛ في الحفاظ على الهوية العربية الفلسطينية في الداخل، وفصل تلك الهوية عن الهوية الصهيونية، وتنمية الشعور بالانتماء للحق الفلسطيني في مواجهة الخرافات الصهيونية.
تمثل الإنتفاضة الأخيرة في القدس، والتي امتدت إلى الداخل الفلسطيني، فضلا عن غزة والضفة، تحولا نوعيا ومرحلة جديدة من مراحل الصراع مع العدو، سيكون لها ارتدادات على كافة الملفات التي ظن الاحتلال أنها طويت، صحيح أن فرق التكنولوجيا التي تمتلكها “اسرائيل” في آلتها العسكرية سيدفعه الشعب الفلسطيني من دمه: شهداء وجرحى وتدمير للبنى التحتية، إلا أنها ضريبة إجبارية في ظل ميزان القوى، وضريبة للحفاظ على الكرامة واحترام الذات، والبديل لذلك هو الاستسلام لمنطق القوة والغطرسة والغباء الصهيوني الذي يقوده نتنياهو والمتطرفين.
ثورة الكرامة التي نشهدها اليوم في فلسطين، أيقظت معاني العزة في قلوب العرب جميعا من المحيط إلى الخليج، ذلك الخليج الذي ما خانت شعوبه يوما قضية فلسطين، تتفاعل اليوم مع الثورة بكل صدق، وبشكل محرج للأنظمة التي حاولت استخدام ورقة “اسرائيل” في مواجهة إيران، حفاظا على كياناتها، وربما تكون هذه الثورة مناسبة لمراجعات عميقة في مدى جدوى التطبيع مع العدو في مواجهة ايران “الفارسية التي تحتل أربع دول عربية”، وأيهما أشد خطرا على المنطقة، وهذا الأمر يحتاج إلى حديث آخر.