#القصة_الغائبة في #تقارير_الفساد _ #ماهر_ابوطير
تُجالسُ مسؤولين على رفعة في المستوى، فيقولون لك إن الفساد يعد انطباعيا في الأردن، أي أنه ليس واسعا ولا ممتدّا، ومجرد انطباعات واتهامات يقولها الناس ليل نهار، دون أدلة.
الفساد هنا ليس انطباعيا كما يقول هؤلاء، إذ إن تقارير ديوان المحاسبة، وتقارير هيئة مكافحة الفساد، تثبت أن الفساد موجود، والذي يتصفح التقارير يعجب من عدم توقف الفساد كلّيا، برغم الإعلان عن حالات كثيرة، وعن إحالات أيضا للقضاء ومحاسبات، وعلى ما يبدو فإن الكل يريد أن يجرب حظه، مع احتمالات ألا ينكشف المخطئ أو الفاسد أو اللص أو المغامر.
بين يدي تقرير هيئة النَّزاهة ومكافحة الفساد في تقريرها السنوي عن العام الماضي 2023، ويشير التقرير إلى أن الهيئة كشفت خلال العام الماضي عددا من قضايا الفساد، واستردّت مبالغ كبيرة من المال العام بحجم 102 مليون دينار من أفواه الفاسدين، وحالت دون هدر 38 مليوناً أخرى، منها تجاوز أحد الموظفين للتعليمات الناظمة والتي خلَّفت أثرًا ماليا قيمته نحو 4 ملايين دينار، وتلاعب محاسب بمبلغ مليون و24 ألف دينار على مدار 6 سنوات، وتلاعب أحد أعضاء لجان الزَّكاة بإيصالات مقبوضات وصلت قيمتها إلى نحو نصف مليون دينار قبل أن تناله يد العدالة، كما أعادت الهيئة 5 ملايين دينار لشركة مساهمة عامة بسبب عطاء مخالف، وأجرت وفق القانون مصالحة في أحد الملفات التحقيقية بلغ أثره المالي 12 مليون دينار، وتحقيق أثر مالي إيجابي تمثل بإسقاط الأطراف المعنيين بالملف التحقيقي الدعاوى المقامة فيما بينهم لدى المحاكم المختصة بقيمة تجاوزت 130 مليون دينار، كما تعاملت الهيئة مع قضية تلاعب بتعليمات توزيع الأعلاف لمربي الثروة الحيوانية بأثر مالي وصل إلى 3 ملايين و999 ألفًا و497 ديناراً، وتفاصيل التقرير هنا كثيرة وليس هنا محل سردها أو نشرها مجددا.
هذا قليل من كثير، والجهد يستحق التقدير، لكن اللافت هنا في كل تقارير هيئة مكافحة الفساد، وتقارير ديوان المحاسبة، أن الميل للفساد منتشر، بشكل أو آخر، حتى على مستوى طريقة إدارة الموقع الإداري أو الصلاحيات أو ما يسمح به القانون من مساحة قانونية قد يتجاوز فيها الموظف الحكومي، كما أن تقارير هيئة مكافحة الفساد وتقارير ديوان المحاسبة، تكشف أن حالات الفساد موجودة في قطاعات كثيرة، والأدهى والأمرّ هنا أن أي حالة فساد لا يمكن كشفها ببساطة بعد أن بدأ الفاسدون بترتيب أوراقهم بطريقة مختلفة، تضمن عدم كشف الحالة، وهذا يعني أن هناك حالات مخفية كثيرة، وقد يتورط بها أشخاص من القطاع الخاص، ومواقع مختلفة، فيما الوصول إليها يبدو صعبا، لأن الشركاء هنا يحمون لأنفسهم من جهة، ويتجنبون الوقوع في أي خطأ قد يؤدي إلى محاسبتهم، أو ملاحقتهم قانونيا على ما يفعلونه.ملف الفساد ليس جديدا، فمنذ العام 1989 ونحن نتحدث عنه، وما هو مهم حقا يرتبط بظلم بعض الناس وربطهم بالفساد وهم غير فاسدين أصلا، وهي عملية تجري بشكل متعمّد للتعمية على الفاسدين الأصليين الذين يبحثون عن أكباش فداء بدلا عنهم، فيما شيوع ثقافة “الفهلوة” والتشاطر على المال العام، ثقافة خطيرة جدا، تبدأ صغيرة وتتحول إلى كبيرة وعامة، وتتسلل إلى كل مكان بنعومة وهدوء دون أن ننتبه أحيانا إلى أهمية محاربتها بشكل أكبر.
القصة الغائبة في تقارير الفساد، تتعلق بالحالات التي لم يتم الوصول إليها، حتى الآن، وهو أمر يوجب تجديد آليات العمل والمتابعة، والمحاسبة، والسؤال، بطرق إضافية جديدة.
الغد