القرآن بين الدين والدنيا

#القرآن بين #الدين و #الدنيا

م. أنس معابرة

عناية الله المشرقيّ واحد من علماء الإسلام الهنود، الذين برزوا في بداية القرن العشرين، حيث عُرف بولعه الحميم إلى الرياضيات مبكراً، فلقد نال شهادة الماجستير وهو بعمر تسعة عشر عاماً، وذهب بعدها إلى بريطانيا لإستكمال دراسته في جامعة كامبردج، حيث درس عدد تخصصات في اللغات الشرقية والعلوم الطبيعية وحصل على شهادة الدكتوراه في الرياضيات، ومكث فيها خمس سنوات ثم عاد إلى الهند، بعد أن تلقى إشادة من جميع الصحف البريطانية.

فكّر في تفسير القرآن الكريم على ضوء مكتشفات العلوم الطبيعية، وأتم المجلد الأول تحت عنوان “التذكرة”، وتم ترشيحه لجائزة نوبل، ولكن الجائزة إشترطت ترجمة الكتاب من الأوردو إلى إحدى اللغات الأوروبية لتقديمه للجائزة، ولكنها رفض ذلك.

سيرة عناية الله المشرقيّ غنية، وتحتاج إلى الكثير من الدراسة والإطّلاع، فله مساهمات كثيرة في المجال السياسي، وحُبس أكثر من مرة، وتقلد عدداً من المناصب في بلاده.

المهم أنه حصل له موقف أثناء دراسته في كامبردج مع العالم الفلكي الإنجليزي الكبير جيمس جينز، الذي كان يذهب إلى الكنيسة يومياً، حيث كان المطر غزيراً، وشاهد عناية الله جينز يسير تحت المطر ومظلته تحت إبطه، فأوقفه وقال: “أريد أن أحدثك في موضوعين، الأول؛ مظلتك تحت إبطك والمطر غزير، والثاني؛ لماذا شخص بعلمك ومكانتك يذهب إلى الكنيسة دائماً؟”.

دعاه جينز إلى زيارته في المساء، وحينذاك أجابه عن سؤاله فقال: “عندما أشاهد تكوين الأجرام السماوية، ونظامها المدهش، وأبعادها وفواصلها اللامتناهية، وطرقها ومدارتها وجاذبيتها، وطوفان أنوارها المذهلة، حتى أشعر بقلبي يهتز من هيبة وجلال الله الذي خلق كل هذا”.

وأكمل والدموع تنهمر من عينيه ويداه ترتعدان: “يا عناية الله؛ عندما ألقي نظرة على روائع خلق الله، يبدأ جسدي يرتعش من الجلال الإلهيّ، وعنما أركع أمام الله وأقول له إنك لعظيم، أجد أن كل جزء في كياني يؤيدني، وأشعر بسعادة كبيرة، هل فهمت لماذا أذهب إلى الكنيسة؟”.

سكت عناية الله أمام هذه الكلمات التي تخرج من فم واحد من أكبر علماء الفلك والفيزياء على مستوى العالم، وقال معقباً على كلام مُضيفه: “هنالك آية في كتابي المقدس لو سمحت لي لتلوتها عليك”، فطلب منه جينز أن يقرأها، فقرأ عليه عناية الله من سورة غافر: “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28).

صرخ جينز بالكلمات الأخيرة للآيات: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ”، ثم قال: “لقد توصلتُ إلى هذا الأمر بعد خمسين عاماً من الدراسة والبحث والإطلاع، ولو كانت هذه الآية موجودة في القرآن؛ فأكتب شهادة مني أن القرآن كتاب مُوحى من عند الله.

لقد أبهرني هذا الحوار بين عالمين كبيرين توصلوا إلى عظمة الله، أحدهم من خلال رسالة نبيه، والآخر من خلال العلم والإكتشاف.

إن القرآن غنيٌ بالمعارف والعلوم الدينية والدنيوية، وهو مصدر ربانيٌّ لكل ما يسعى إليه الإنسان من التطور والرقي في الحياة، وهو كافٍ للعيش براحة وسلام في الدنيا، وللفوز في الآخرة أيضاً.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” إني قد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتُم به فلن تَضِلُّوا أبدًا، كتابَ اللهِ، وسُنَّةَ نبيِّه”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى