أنس معابرة
في البداية؛ أود التأكيد على أن تأخير هذا الموضوع الى هذا الجزء المتأخر من الكتاب لا يعد دليلاً على عدم أهميته، وقلة تأثيره على تحقيق #السعادة التي نطمح اليها في هذه #الحياة.
من المهم جداً أن تدرك عزيزي القارئ؛ بأن جميع القوانين التي تم ذكرها في هذا الكتاب، وغيرها من أسباب السعادة، لها أهمية كبيرة، وقد تكون أهميتها متقاربة ومتماثلة، وإهمالك لواحد من تلك الأسباب سيقودك الى التعاسة والشقاء. إن تركيزك على تحقيق النجاح المادي بشكلٍ كبيرٍ مثلاً، قد يقودك الى الثراء في نهاية المطاف وتحقق أهدافك، ولكن من المؤكد أنك لن تكون سعيداً بتلك الثروة، وأنت ترقد على أسرّة المستشفيات والمراكز الصحية المتخصصة، لعلاج أمراض السمنة وإرتفاع نسب الدهون.
ولن تكون سعيداً كذلك لو أنك نظَّمت علاقتك مع الناس من حولك، كما أوضحنا في “قانون حلقات الناس”، وأنت تعاني من الفقر والإفلاس، فهل تُغنيك علاقتك الطيبة بالآخرين عن حاجتك الى المال؟
إن جميع القوانين التي يتم ذكرها في هذا المكان أو غيره لتحقيق السعادة هي بمثابة الإطارات للسيارة، ما أن يُصاب أحدها بضرر ما، حتى يؤثر على حركة السيارة وإستقرارها خلال القيادة، وربما قد تتوقف السيارة بالكامل، لحين إصلاح الضرر.
بعد هذا التنبيه المطول؛ نعود للحديث عن قانون الصحة، وسأطرح عليك في البداية مجموعة من الأسئلة، يجب على كلٍ منا أن يجيب عليها بصدق وأمانة:
هل تشعر بالسعادة وأنت تبحث في الأسواق المختلفة عن قميص أو بنطال يناسب حجمك الضخم، والذي لا يتواجد عادةً إلا في أماكن محددة؟ وهل تشعر بالسعادة وأن تنظر الى بطنك المتضخم المتهدل أمامك، يعوق حركتك، ويمنعك من النوم لضيق التنفس الذي يسببه؟ أم هل تشعر بالسعادة وأنت ترى نظرات الإستهزاء والسخرية من الآخرين تجاه حجمك وشكلك؟
وإذا كنت من النوع غير المبالي بآراء الأخرين ونظراتهم وتعليقاتهم، فما هو تأثير أمراض السكري وضغط الدم والسرطان والكوليسترول على مدى سعادتك؟ هل تعتقد أن السعادة قد ترتبط بعدة أمراض تسببها قلة النشاط الرياضي، وعدم إنتظام وجبات الطعام، وإهمال الجوانب الصحية فيها؟
الجواب نعم بلا شك؛ تتأثر السعادة البشرية بشكل كبير بصحة أجسادنا، فكلما كانت أجسادنا أكثر صحة؛ كانت عقولنا أكثر صحة أيضاً، وإنعكس الموضوع بشكل مباشر على أفكارنا وسعادتنا.
لا بد من الحرص التام على الصحة الجسدية بكل الوسائل الممكنة، وأن نعطيها الأولوية الكبرى في حياتنا، ومن الوسائل التي لا بد من إتباعها للحفاظ على الصحة ما يلي:
- الغذاء الصحي
إن الطعام الذي نتناوله له الدور الأكبر في تحديد حالتنا الصحية، ويحتاج أسلوب غذائنا اليوم الى مراجعة كاملة، تبدأ من تحديد نوعية الطعام الذي نتناوله، وتمرُ بكمياته، وتصل في النهاية الى مواعيده.
قد تلاحظ أنه في حين يعاني الكثير من الناس من السُمنة بسبب الإفراط في تناول الطعام؛ يعاني البعض الآخر من النحول ونقص الفيتامينات والعناصر المهمة بسبب قلة تناول الطعام، أو عدم كفاءة الوجبات.
وبالتالي لا بد من التركيز على نوعية الطعام الذي نتناوله، ونركز على المواد الغذائية المفيدة، ونستبعد من وجباتنا تلك الكميات التي لا تفيد الجسم، وقد تضره بشدة.
لاحظت على الشعوب الآسيوية بروز البطن بشكل ملفت للأنظار، فعلى الرغم من نحول تلك الشعوب؛ إلا أن الكثير منهم يعاني من ظاهرة “الكرش” وبروز البطن، خصوصاً عند الأطفال والشباب. وعند مراجعة نظام الطعام لتلك الشعوب؛ تجد أنهم يعتمدون بشكل مباشر على الأرز في وجباتهم الثلاث، لدرجة أن خبزهم مصنوع من مسحوق الأرز أيضاً.
يحتوي الأرز كما الدقيق الأبيض على كمية عالية من النشويات، وهي مادة مهمة لأجسامنا، ولكن بكميات قليلة، وزيادة نسبتها تؤدي الى السُمنة وبروز البطن، والمعاناة من ظاهرة “الكرش”.
بالمقابل تحتوي اللحوم مثلاً على كميات عالية من البروتين، الذي يدخل في تشكيل العضلات والحمض النووي وغيرها، ولكن زيادته يؤدي الى مشاكل صحية وأمراض متعددة مثل “النقرس”، أو “داء الملوك والبحَّارة” كما يسمى، بسبب تناول كميات كبيرة من البروتين، وقد يؤدي الإفراط في تناول المواد الغنية بالبروتين كاللحوم والبقوليات والأسماك والبيض الى أضرار في الجسد، قد تصل الى قطع إصبع القدم أو القدم كلها.
والحلويات أيضاً تحتوي على كميات كبيرة من الزيوت والسكريات، وبالتي هي سبب رئيس في زيادة الوزن، وإضطراب عمل البنكرياس، والتسبُّب بمرض السكري لاحقاً، أو تسوس الأسنان. وبالمثل هنالك المكسرات المملحة والمحمصة، والتي ترفع من ضغط الدم، بالإضافة الى أن عملية التحميص تتسبب بخسارتها للزيوت المفيدة، وبالتالي من الأفضل تناولها دون تحميص أو تمليح.
إن الغذاء المتوازن له دور كبير في تحقيق الصحة البدنية، خصوصاً للأطفال الذين هم في مرحلة البناء والنضوج، فيجب أن تحتوي الوجبة على كميات من البروتين والفيتامين والكربوهيدرات والدهون المفيدة.
قد يجد البعض أن الطعام الصحي الذي يضم كميات من الخضار والفواكه وكميات مناسبة من اللحوم البيضاء والحمراء، والمطبوخ بطرق صحية كالشوي غير مستحب للنفس، ويفضلون عليه الطعام الجاهز من المطاعم، والذي يحتوي على كميات كبيرة من الدهون المغموسة في الزيوت المُهدرجة، ولكن المسألة المهمة تكمُن في إعتياد الطعام الصحي لفترة معينة، وبعدها يصبح من الصعب على النفس تقبُل الطعام غير الصحي.
ومن غير الصحي إطلاقاً عدم تحديد مواعيد للوجبات خصوصاً للأطفال، فتعتاد معدتهم على تناول الطعام بشكل متواصل، مما يتسبب لهم في إدمان الطعام وتوسيع المعدة والسمنة لاحقاً.
وجبة الإفطار مثلاً؛ والتي يتجاهلها الكثير من الناس لها دور كبير في تزويد الجسم بالطاقة اللازمة للقيام بالمهام والنشاطات اليومية، وتساعد الأطفال على التركيز خلال ساعات المدرسة. ووجبة الغداء أيضاً لها دور في تعويض الجسم عن الطاقة التي فقدها خلال يومه، أضف الى ذلك دورها الكبير في الاجتماع العائلي والتقارب والألفة بينهم، ومناقشة المشاكل التي واجهتهم خلال عملهم أو دراستهم.
الغذاء الصحي بأوقات محددة للوجبات يجب أن يصبح عادة دائمة لجميع أفراد الأسرة، وليس لفترة محددة بخسارة الوزن أو الوصول الى الوزن المثالي، وإنما يجب الإستمرار في ذلك.
- ممارسة الرياضة
بصفتي عاشق للأرقام والمعادلات بحكم دراسة الهندسة؛ فإن موضوع الرياضة بالنسبة للصحة كما أراه لا يتجاوز المعادلة.
بكل بساطة؛ هنالك كمية من الطاقة الواردة للجسم من خلال المأكولات والمشروبات، وهنالك طاقة يستهلكها الجسم في نشاطاته اليومية، فإذا كانت كمية الطاقة الداخلة للجسم أقل من كمية الطاقة المصروفة؛ سيتسبب ذلك في نقصان الوزن، أما إذا كانت كمية الطاقة الداخلة للجسم أكبر من كمية الطاقة التي يستهلكها؛ فسيزداد الوزن.
وهنالك الكثير من الأعذار التي يحتج بها أصحاب الأوزان الكبيرة والسمنة المفرطة، مثل “حرق جسمي للطاقة قليل”، أو “أنا أسمن من كثرة الهم والتفكير”، وهي أعذار واهية ولا تمت للحقيقة بصلة، مع الإشارة الى أن هنالك بعض الحالات التي يتسبب خلل الهرمونات فيها لزيادة الوزن، مثل الخلل في هرمونات الغدة الدرقية، ولكن تلك الحالات نادرة، ومن السهل إكتشافها وعلاجها.
ومن الواجب أن يكون للإنسان روتين يومي لممارسة نوع من أنواع الرياضة، كالمشي يومياً لمدة نصف ساعة وهو أبسطها، ولا يحتاج الى تكاليف إضافية، ولا يستغرق الكثير من الوقت، وهنالك السباحة لمرتين أو ثلاثة في الأسبوع، أو الإشتراك في أحد النوادي الرياضية، ومتابعة التمارين مع مدرب مختص.
مشكلتنا مع الرياضة تكمن في عدم الإستمرارية، فالكثير منا يجلب لمنزله جهازاً للمشي، أو يشترك في أحد النوادي الرياضية، أو المسابح العامة، ولكنه سرعان ما ينقطع عن تلك التدريبات، ويبدأ الغبار بالتراكم على جهاز المشي، وتضيع تكاليف الإشتراك في النادي هباءً منثوراً.
ومن الممكن أن تساعدنا اليوم تطبيقات الهواتف الذكية في ممارسة الرياضة، من خلال تحديد حد أدنى للمشي يومياً، ومتابعة كمية السعرات الحرارية التي تم إستهلاكها، والإصرار على تحقيق الهدف يومياً، حتى لو تم ذلك من خلال المشي داخل الغرفة في المنزل.
وضعت لنفسي حداً أدنى للمشي في بداية العام 2014، وأحضرت جهازاً للمشي في عام 2017، ساعدني كثيراً خلال فترة إنتشار فيروس كورونا، ووضعت برنامجاً لكافة أفراد الأسرة للمشي يومياً، وراقبنا أوزاننا خلال تلك الفترة، وكانت النتيجة أن تجاوزنا فترة إنتشار المرض دون أي زيادة للوزن لأي منا. كما لاحظت تغيراً في نشاطاتي اليومية، من خلال الذهاب الى البقالة والمخبز والمسجد مشياً لتحقيق الحد الأدنى للمشي.
وما زلت حتى كتابة هذه الكلمات محافظاً على تحقيق ذلك الهدف، حتى لو إضطررت الى المشي داخل المكتب في العمل، أو داخل الغرفة قبل النوم.
- إبتعد عن العادات غير الصحية
نتشارك جميعاً – تقريباً – في مجموعة من العادات السيئة التي من الممكن أن تسيئ الى صحتنا، وتحولت تلك العادات الى جزء من الروتين اليومي لنا، والذي من الصعب التخلي عنه.
فالتدخين مثلاً من أكثر تلك العادات السيئة إنتشاراً، خصوصاً بين الشباب، وتطور الموضوع مع الكثير منا الى الأرجيلة أو السيجارة الإلكترونية التي لا تقل ضرراً عن أختها التقليدية، وممارسة تلك العادة سيضر بصحتنا كثيراً، ويتسبب لنا بأمراض السرطان وتصلب الشرايين، ومشاكل في الجهاز التنفسي والهضمي.
أضف الى ذلك أن تلك العادة قد تتطلب المداومة على المشروبات بكثرة، كالشاي والقهوة على أنواعها، والمشروبات الغازية وغيرها، وهو ما يتسبب ببروز البطن “الكرش” لدى شبابنا اليوم، وتتسبب كمية السكر في تلك المشروبات في الإصابة بمرض السكري أو زيادة الوزن. كما يتسبب الجلوس لفترات طويلة للأرجيلة في المنزل أو المقاهي بألآم في الظهر والركبة والرقبة، كما تتسبب بالكسل والخمول، والشعور الدائم بالكسل والتعب.
ولا يجب أن نهمل تأثير التدخين على مَن هم حولنا، فهم يتشاركون الهواء معنا، وبالتالي هم يمارسون “التدخين السلبي” الذي يُلحق بهم الأذى، خصوصاً إذا كانوا من الأطفال أو كبار السن.
والطعام الجاهز أو “الأكل السريع” من العادات السلبية أيضاً، خصوصاً في إحتوائه على كميات كبيرة من الدهون والزيوت المهدرجة وبعض المكونات غير الصحية كالمايونيز والكاتشب، وتجهيزه في ظروف غير نظيفة في بعض الأحيان، أو من قبل كوادر مريضة.
ومع خدمات التوصيل للمنازل اليوم، أصبح من السهل أن تطلب طعاماً من تلك المطاعم في أي وقت، خصوصاً في أوقات المساء والليل، وذلك له تأثير سلبي مُضاعف؛ من خلال سلبية الطعام الجاهز كما أسلفت، وتأخر الوقت، وبالتالي ستتراكم تلك الكميات من الطعام على شكل دهون في أنحاء جسدك، وكان من الأولى لك إستبدال تلك الوجبات الدسمة بالفاكهة أو الخضار، وإعتماد وجبة العشاء يومياً بنوع من الفاكهة أو الخضار، وسينعكس ذلك مباشرة على إستقرار جهازك الهضمي، وإعتدال وزنك.
أطفالي كغيرهم يحبون تلك الوجبات، خصوصاً البرغر والبطاطا المقرمشة والدجاج المقلي، وللموازنة بين الصحة والرغبة؛ وافقت على زيارة أحد تلك المطاعم مرة واحدة في الشهر فقط، وأصبح من المعلوم لديهم الآن بأن زيارة تلك المطاعم أكثر من ذلك هو تصرف غير صحي، ولا نقوم به تحت أي ظرف.
ومن العادات المسيئة للصحة أيضاً السهر لساعات متأخرة، الأمر الذي يتسبب بالتعب والإرهاق في اليوم التالي، والتقاعس عن المهمات اليومية مثل العمل أو ممارسة الرياضة، وربما يتسبب في النوم خلال النهار لساعات طويلة، مما يزيد من إعتلال الجسم وتعبه وإرهاقه.
ولقد ألحق بنا الإستخدام الخاطئ للتكنولوجيا الحديثة العديد من المضار، مثل الجلوس أمام التلفاز والعبث بالهاتف المحمول لساعات طويلة، الأمر الذي ينتج عنه الآم في الرقبة والظهر، وصداع في الرأس، بالإضافة الى تأثيره السلبي على العيون خصوصاً للأطفال.
- راقب صحتك
يجب أن تدرك بأنك المسؤول الأول عن صحة جسدك، وبالتالي لا بد من مراقبة صحة جسدك من خلال مجموعة من الخطوات وبشكل دوري، ومنها:
- راقب وزنك أسبوعياً.
- إحرص على زيارة طبيب الأسنان، ولو مرة واحدة في العام كحد أدنى.
- قم بزيارة المختبرات لإجراء الفحوصات مرة كل عامين على الأقل.
- تبرع بالدم.
- زر طبيب العيون مرة كل ثلاثة أعوام.
- إستبدل السيارة بالمشي للمسافات القصيرة.
- ضع حداً أقصى لإستخدام الهاتف المحمول ومشاهدة التلفاز يومياً.
- إحرص على تناول سلطة الخضروات والفواكه.
- إستبدل المكسرات المملحة والمحمصة بأخرى غير مملحة أو محمصة.
خلاصة القانون:
حافظ على الموازنة بين جميع أسباب السعادة ولا تهمل أي منها، فجميعها لها نفس الأهمية تقريباً.
تتأثر السعادة البشرية بشكل كبير بصحة أجسادنا، فكلما كانت أجسادنا أكثر صحة؛ كانت عقولنا أكثر صحة أيضاً، وإنعكس الموضوع بشكل مباشر على أفكارنا وسعادتنا.
الغذاء الصحي المتوازن، والذي يضم جميع العناصر الغذائية من خلال وجبات يتم تحديد كمياتها ومواعيدها، هو من الأسباب الرئيسة في صحة أجسادنا.
ممارسة الرياضة يومياً، وإعتباره جزء مهم في برنامجنا، له دور كبير في زيادة نشاط الجسم، وحرق الدهون وإنقاص الوزن.
إحرص على حضور جميع أفراد الأسرة للوجبات الرئيسة حسب المواعيد المحددة كالإفطار والغداء، لما له من دور في تحسين صحتهم، وزيادة الألفة والتقارب بينهم، ومناقشة المشاكل والعقبات التي واجهتهم.
التدخين والطعام الجاهز والإكثار من الحلويات والموالح، والإفراط في مشاهدة التلفاز والعبث بالهاتف المحمول، والسهر؛ من العادات السيئة التي تسيء الى صحتنا، وترهق أبداننا، وتتسبب لنا بالأمراض والأوجاع والشيخوخة المبكرة.
أنت المسؤول عن صحة جسدك، ومراقبة صحته عملية مهمة، وتجنبنا الإصابة بالكثير من الأمراض، أو تساعدنا في الكشف المبكر عنها في حال الإصابة بها، وتشخيصها وعلاجها قبل فوات الأوان.