القانون الحادي عشر: قانون إتيكيت التواصل

القانون الحادي عشر: #قانون #إتيكيت #التواصل

أنس معابرة

نقابل يومياً عشرات الأشخاص وربما يصل العدد الى مئة في بعض الأحيان، بين الأهل والأسرة والزملاء في العمل أو الدراسة، والرفاق في دار العبادة، والباعة، والخدم والعمال وغيرهم، وربما يتضاعف العدد إذا أضفت الأشخاص الذين تتواصل معهم هاتفياً، أو بالبريد الإلكتروني.
ومن المعلوم بأن هؤلاء الأشخاص ينتمون الى بيئات مختلفة، تختلف عاداتها وتقاليدها، فوضع ساق على الأخرى أمام الأخرين يعتبر نوع من أنواع الإهانة في الثقافة العربية، ولكنه ليس كذلك في الثقافة الأمريكية، بل يدل على الراحة والإنبساط في الحديث، وبينما نعتبر نحن التواصل البصري أثناء الحديث نوع من أنواع الإحترام، ودلالة مهمة للإنتباه، يعتبره اليابانيون نوع من أنواع قلة الأدب والوقاحة، والتعدي على الخصوصية.
لا يغرك العنوان كثيراً، فلن أتحدث هنا عن عادات الإتيكيت في الطعام أو “إتيكيت المائدة”، مثل إمساك الشوكة بأصابع اليد اليسرى، وتقطيع الطعام بالسكين بأصابع اليد اليمنى، ولن أحدثك عن إتيكيت الجلوس مع فتاة لأول مرة، ولكن سيقتصر حديثنا على الآداب اللازمة للتواصل مع الأخرين بنجاح، وتحقيق السعادة من اللقاء، والإستحواذ على إنتباه الآخرين وإهتمامهم بشخصيتك الجذابة، سنتحدث هنا عن “إتيكيت التواصل”.
ما الذي يجذبك للحديث مع شخص معين، بينما تنفر من الحديث مع شخص آخر؟ ولماذا تتعجل بإنهاء الحوار مع أحدهم، وتتمنى أن تطول جلسة غيره الى ما لا نهاية؟ الجواب ببساطة: بأن أحدهم يملك “إتيكيت التواصل”، ويفتقده الآخر.
إذا أردت النجاح والتوفيق في جميع لقاءاتك اليومية مع مَن هم حولك، وجب عليك التحلي بمجموعة من الصفات الحوارية الإيجابية، تلفت أنظار الآخرين وتجلب إهتمامهم، ولا تجعلهم يملون من اللقاء معك ويتعجلون إنهاءه، ومن تلك الصفات:

• أنصت وتعاطف
الإنصات هو الإستماع مع التركيز في الكلام، فربما يستمع الإنسان لحوار طويل، ولا يعقِل منه شيئاً، لأنه يفتقد الى التركيز في الكلام، وهذه الخاصية بالذات يفتقدها الكثيرون أثناء حوارهم مع الآخرين، ويعتقدون بأنهم يجلبون إهتمام الآخرين من خلال إطالة الكلام قدر الإمكان، ويلجؤون الى فتح مواضيع غير مهمة لتغطية اللقاء، مما يتسبب لك بالملل، ومحاولة إنهاء اللقاء في أسرع وقت.
تحدثتْ الكثير من الكتب عن أهمية الإنصات، خصوصاً بين الأزواج، مثل كتاب “الرجال من المريخ والنساء من الزهرة”، وكتاب “للرجال فقط”، وأشاروا الى أن معظم المشاكل الزوجية تعود الى إفتقار الزوجين الى الإنصات، فما أن يلج الزوج الى المنزل؛ تبدا الزوجة بالشكوى من أعمال المنزل وتصرفات الأبناء، والزوج سارح في مشاكل العمل وواجباته، وأزمات الطريق، وأعطال السيارة، والإلتزامات المالية، فيقترح على زوجته الحلول السريعة لمشاكلها بقصد إنهاء الحوار.
هي تعلم تلك الحلول جيداً، ولا تنتظرها من الزوج، كل ما تحتاج اليه الزوجة في ذلك الحين هو الإنصات فقط، وإظهار التعاطف معها، ولو بتأوهات بسيطة من الزوج، وما أن تفرغ الزوجة من تلك التذمرات في ظل إنصات زوجها وتعاطفه؛ إلا وتتغير حالتها النفسية للأفضل، ويزداد تعلقها بزوجها وحبها له.
الإنصات مهم في التعامل مع الأبناء أيضاً، نحن نستمع الى أبنائنا ونحن نتابع التلفاز أو نعبث بهواتفنا، وبالتالي لا نفهم الرسالة التي يودون إيصالها إلينا، ويلجئون للبحث عمن يستمع اليهم من الأصدقاء والزملاء، وقد يقعون ضحية لرفاق السوء، الذين يقودونهم الى طرق الإنحراف المختلفة.
يسهِّل الإنصات عملك بشكل كبير، لو أنصت الى مديرك أو زميلك أثناء الإجتماعات وعند توزيع المهام، لأدركت العمل المطلوب منك بكل سهولة، ولكن إستماعك الخالي من التركيز سيكون سبباً في عدم تمكنك من إتمام العمل المطلوب منك، والتقصير في مهامك.
وجدت هذه الميزة بين أحد زملائي في العمل، لا يمل من الإنصات للآخرين، قد لا يقدم الحلول للمشاكل التي تعرضها عليه، ولكنك تجده يدع كل شيء أمامه ويركز في كلماتك، ويتعاطف معك بإيماءاتٍ وتعابيرٍ لوجهه، جعلته محبوباً من الجميع، ويحاولون التحدث معه والتقرب اليه.
وكذلك نجد الفرق بين المُطيع لأوامر الله عز وجل والمُعرض عنها، فالأول أنصت الى التعاليم الربانية، وإتبع الأنبياء وصدقهم، والثاني إستمع بأذنه فقط، ولم يستمع بقلبه وعلقه، وبالتالي كانت النتيجة الخسارة الكبيرة، لدرجة أن الله عز وجل وصفهم بأنهم “لا يسمعون” في عدة مواضع من القرآن الكريم، ووصفهم بالدواب في مواضع أخرى، لأن الدواب تسمع، ولكن لا تنصت وتعقل الكلام، فقال تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ {الأنفال 22}.

مقالات ذات صلة

• إستخدم مفاتيح القلوب
إذا أردت حواراً ناجحاً، وجلب إنتباه من حولك من الناس، فلا بد أن يتمتع حديثك بمجموعة من الكلمات الرقيقة والتي يحبها الآخرون.
كنت قد أشرت في أحد مقالاتي سابقاً تحت عنوان: “كلمات لها محل من الإعراب”، الى مجموعة من الكلمات التي تميل الأذن الى سماعها، ويطيب بها قلب ونفس جليسك.
أحد جلساء جدي رحمهما الله، كان متميزاً جداً في حديثه، فهو يصلي على النبي بعد عدة جُمل ينطقها، وآخر كان يذكر الله كل فترة، تلك الكلمات كانت علامة إيجابية مميزة في كلامهم، وما زلت أذكرها حتى الآن، على الرغم من مرور عشرات السنين.
لاحظت في كلام أهل الخليج علامة إيجابية أيضاً، وهي جملة “الله يسلمك” بعد كل عدة كلمات ينطفها، فهل تريد أجمل من دعوة لك ينطقها جليسك عدة مرات خلال حديثكم؟
“شكراً” و”لو سمحت” و”أنا آسف”، كلمات من العلامات الإيجابية المميزة، التي من الممكن أن تكون مفتاحاً لقلب جليسك أو محاورك، ولن ينسى كمية الأدب الوافرة في حديثك مهما طال به الزمان. فمن المستحب أن تُنهي طلبك من زوجتك أو ابنك أو إبنتك بجملة “لو سمحت”، وتبادرهم بكلمة “شكراً” عند تنفيذ طلبك، ولا مانع من قول “أنا آسف” إذا أخطئت بحق أحدهم، ولو أدمت هذا الأسلوب معهم؛ ستلاحظ أنهم قد بدأوا بإستخدام تلك الكلمات مع بعضهم البعض في البيت، ومع زملاءهم في المدرسة، ومع رفاقهم في الحي.
ويستحب أن تستخدم تلك الجمل مع زملاءك في العمل أو الدراسة أيضاً، فكلمة “لو سمحت” ستكون حافزاً لزميلك أو مديرك من أجل تنفيذ طلبك، وكلمة “شكراً” بعد الطلب تدفعه الى خدمتك في المستقبل دون تردد، وكلمة “أنا آسف” قد تمحو خطئاً كبيراً إقترفته في حق أحدهم.
إن كلمات الشكر والإعتذار والتقدير من شِيَم الكِبار، فليس عيباً أن تطلب من زوجتك، أو أحد أبناءك، أو زميلك ومديرك في العمل، أو جارك في الحي بأدب، ولكن من العيب والكِبر أن ترفض الإعتذار عن خطأ إقترفته بحق أحدهم، فالكِبر ما هو إلا رفض الحق.
• إنتبه لصوتك
الصوت هو وسيلة التواصل الأهم، وتبلغ أهمبته في نسبة تصل الى 38% من أساليب التواصل مع الآخرين، في حين تأخذ الكلمات 7% فقط، خصوصاً إذا كنت تتحدث عبر الهاتف، فلا يرى مُحدثك تعابير وجهك كالإبتسام والعبوس والتصديق أو التكذيب، وبالتالي لا بد أن تحاول ما أمكن التعبير عن مكنونات صدرك وأهدافك من الحديث بكل وضوح، عبر نبرة صوت تُوصل ما أردته.
لا بد أن يكون الصوت معتدلاً، فالإعتدال هو سمة النجاح في كل شيء، فلا يكن صوتك خافتاً يصعُب على جليسك فهم الكلمات، أو يؤدي الى تفويت بعضها، ولا يكون مرتفعاً يؤذيه ويجعله ينفر من المحادثة، أو يتسبب في توتر الأجواء.
ويجب أن تكون معتدلاً في سرعة الكلام أيضاً، فلا يكون كلامك سريعاً يعجز السامع عن فهمه، ويتوقف عن متابعة حديثك عند نقطة معينة، ولا يكون بطيئاً للغاية بحيث يشعر مُحدثك بالملل، ويسعى الى إستجرار الكلام من بين شفتيك.
ولا بد من محاولة التغيير في نغمة الصوت، وعدم المحافظة على نغمة واحدة رتيبة، فيجب أحياناً أن تخفض صوتك الى حد معقول مع البطء في الكلام عند محاولة إقناع أحدهم، ومما لا شك فيه أن نغمة صوت الإعتذار تختلف كلياً عن نغمة قبوله من الآخرين.
وأفضل وسيلة لمراجعة طريقة التحدث والسيطرة على نغمة الصوت وسرعته، تسجيل الصوت وسماعه، وهو تدريب مهم ينصح به الكثير من الخبراء في هذا المجال، فمن المحبذ أن تقوم بتسجيل صوتك كأنك تتحدث الى أحدهم، وتبدأ في الإستماع لنفسك، ومحاولة تصحيح الأخطاء في إرتفاع الصوت أو إنخفاضه، وسرعته أو بطئه، حتى تصل الى الطريقة الأمثل في الحديث.

• لغة الجسد تقول الحقيقة
التواصل عبر لغة الجسد أو التواصل الجسدي؛ وهو التواصل مع الآخرين عن طريق استخدام حركات الجسد المختلفة، وما تعنيه هذه الحركات الجسدية، مثل الإشارة بالإصبع أو اليد إلى شيء معين، أو الإبتسام وتقطيب الجبين، وبهذا يكون قد تم التواصل مع الطرف الأخر بدون التلفظ بكلمات واحدة. وإذا كانت أهمية الصوت ودوره في التواصل تصل الى 38%، فإن هذه الوسيلة تمثل 55 % من مكونات التواصل بين البشر، وبهذا فإن التواصل الجسدي يمثل أكثر من نصف مكونات التواصل بين البشر.
وعلى الرغم من كِبر هذه النسبة؛ إلا أن علماء لغة الجسد أفادوا أن لغة الجسد وحدها لا تكفى من أجل التواصل السليم بين البشر، وذلك لأن معانيها ومدلولاتها تختلف تماما من مجتمع إلى أخر طبقاً للثقافة العامة والمتعارف عليه بين المجتمعات المختلفة، تماماً كما أشرت في بداية المقال لمثال التواصل البصري في اليابان، ووضع ساق على ساق في أمريكا.
فإذا كنت في اجتماع أو لقاء مع أحدهم وجب عليك أن تجعل جسدك منفتحاً، هذا يعني أن تصافح الناس مصافحة حازمة وأن تجلس بهدوء؛ وأن تتحلى بالطاقة والانتباه وأن تسيطر على جميع إيماءاتك. كما يجب أن يكون جسدك في وضعية مريحة، وأن يظل ظهرك مستقيماً، ويظهرك ذلك الوضع بمظهر الراحة والثقة. كما يجب أن تجعل كلامك هادئاً مسترسلاً لا يخلُ من الوقفات عند اللزوم حتى تتمكن من جذب انتباه المستمع وإظهار الثقة عند التحدث.
في حال الجلوس؛ أبعد ساقيك عن بعضهما البعض كدليل على الثقة، وقم بالميل قليلاً نحو الشخص المُتحدث لتظهر مدى انتباهك واهتمامك، وأعلم أن الإتكاء بعيداً عنه يُظهر عدم الاهتمام والإنتباه لكلامه. ولا تجلس منعقد الذراعين، وإسمح لذراعيك أن تكون حرة مسترخية أو قم بضمهما معاً على ساقيك؛ فإن هذا يدل على الإنفتاح للأشخاص الآخرين، وقبول الكلام منهم.
في بداية كل لقاء تأكد أنك تصافح الناس بشكل حازم وثابت، لكن ليس بقوة مفرطة، وأنظر في عيني الشخص الآخر لبرهة قصيرة، ولا تطيل النظر أكثر من اللازم، فذلك يتسبب في إزعاجه، يمكنك أن ترمش ثم تنظر بعيداً في بعض الأحيان، حتى لا يشعر الشخص الآخر أنك تحاول تخويفه أو إقتحام خصوصيته.
كما يجب أن تدرك لغة جسد من هم حولك، دون الإنتظار لحين سماع كلامهم وتعبيراتهم، فعندما يكون الناس غاضبين تصبح وجوههم ملونة باللون الأحمر، ويعضون على أسنانهم، ويضغطون على قبضات أيديهم، ويمكن أيضاً أن يقتحموا مساحات أمان الآخرين بالميل والتقرب نحوهم. أما عندما يكون الناس في حالة من التوتر أو القلق؛ تُصيب وجوههم حُمرة تختلف عن حُمرة الغضب، ويصيبهم الجفاف ويشرعون في شرب الكثير من الماء أو لعق شفاههم، وتتغير نبرات صوتهم في الكلام، وربما تتوتر جميع عضلات أجسامهم ويمكن أن يتمسكوا بذراعيهما ويديهما مع سحب المرفقين تجاه الجسم، وهناك علامات أخرى للتوتر والقلق كإرتجاف الشفاه والتململ بشكل عصبي وعدم القدرة على التنفس بشكل منتظم.
اليك بعض الأفكار والمحاذير التي تساعدك في تحسن لغة جسدك، وفهم لغة الجسد للآخرين:
 تعرف على المقاييس الثقافية للغة الجسد للشعوب المختلفة، فإذا إنتقلت مؤخراً إلى ثقافة جديدة عليك أن تقوم بضبط لغة جسدك، حيث إن اختلاف البيئة الثقافية والاجتماعية له أن يحدد كيفية التصرف بلغة الجسد، هذا يحدث في المسافة التي يجب أن تكون بينك وبين الشخص الذي تحدثه، والمدة المعتادة لعملية الاتصال بالعين، وما هي الإيماءات التي لا يجب عليك إستخدامها في هذا المجتمع. إذا كنت تستخدم لغة جسد تختلف مع السكان المحليين فإنك تتعرض لسوء الفهم، وهذا قد يكون له الكثير من العواقب غير المرغوبة.
 ركز على المواقف الصعبة، من المهم جداً أن تتأكد من أن لغة جسدك واضحة في التفاعلات مع الأشخاص الذين لا تعرفهم جيداً. هذا يشمل المواقف التي تستحق بعض الإهتمام مثل مقابلات العمل.
 قم بمراقبة تعبيراتك الخاصة وإستخدم لغة جسدك لتساعد على إيصال شعورك للآخرين. إن كنت غير متأكد من شعورك حيال أمر ما راقب رد الفعل لجسدك.
 إعتمد على الإيماءات الإيجابية – والسلبية في حالة الضرورة القصوى-، وقم بالتركيز على تعبيرات الوجه، فنحن نشكل إنطباعاتنا الأكثر تمييزاً في أول خمس ثوان، ولكننا نقوم بتشكيل الإنطباع الحاسم خلال آخر خمس ثوان.
 كُن صادقاً ولا تصدر أحكاماً على الناس، وتذكر أن الكلام والإيماءات هي أدوات للتعبير، وأنك إن قلت ما تعنيه فإن جسدك يتبعك في التعبير عنه.
 عليك أن تفهم أن إستيعاب لغة جسدك بشكل خاطئ هو أمر يعود للآخرين، ولهذا حاول دائماً أن تكون واضحاً في إظهار المعنى الحقيقي الخاص بك.
 لا تفترض أنك قمت بفهم لغة جسد شخص ما بشكل صحيح تماماً دون التحقق، فسياق الكلام يكون مؤثراً أيضاً، فعلى سبيل المثال: دائماً ما يقوم الناس بتفسير عقد الذراعين كعلامة من علامات الإنغلاق وأن هؤلاء الأشخاص دفاعيون، في حين أنه من الممكن أنهم يشعرون بالبرد فقط.
 تجنب أن تقوم بإستخدام إيماءة غير حقيقية لتوصيل معنى معين، فإن ذلك يعد كذباً، وقد يتم فهمه بهذا النحو. عندما يقول الناس عن أحدهم بأنه شخصية زائفة، فإنهم غالباً يشيرون إلى تصرفاته التي تبدو وهمية.
 تختلف الإيماءات في معناها من دولة لأخرى، ومن مدينة لأخرى على حسب طبيعة الحياة والبيئة المحيطة. فعلى سبيل المثال نجد أن في الولايات المتحدة يعني الوقوف مع إبعاد الساقين أنك متمسك بموقفك، في حين أن نفس المعنى يصل في دولة اليابان، ولكن بشكل مختلف، ويكون عندما تضم قدميك بالقرب من بعضهما البعض وتضع ذراعيك جانبًا.

• قصة الرسول صلى الله عليه وسلم وعتبة بن ربيعة
كان النبي محمد صلى اله عليه وسلم يجلس وحيداً في البيت الحرام، وكان عتبة بن ربيعة سيداً في قومه، وهم يجلسون في نادي قريش بالقرب من الرسول الكريم، فقال: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء، ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة، ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون؛ فقالوا: بلى يا أبا الوليد، قمْ إليه فكلمه.
فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعِبت به آلهتهم ودينهم، وكفَّرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد، أسمع؛ قال: يا أبن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا، حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به مُلكا ملكناك علينا؛ وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه.
حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه، قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فأسمع مني؛ قال: أفعل؛ فقال: “حمٓ، تَنزِيل مِّنَ ٱلرَّحمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ، كِتَٰب فُصِّلَت ءَايَٰتُهُۥ قُرءَانًا عَرَبِيّا لِّقَومٖ يَعلَمُونَ، بَشِيرا وَنَذِيرا فَأَعرَضَ أَكثَرُهُم فَهُم لَا يَسمَعُونَ”، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه. فلما سمعها منه عتبة، أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يسمع منه؛ ثم إنتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها، فسجد، ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك.
فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني قد سمعتُ قولاً والله ما سمعتُ مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني وأجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فإعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كُفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فمُلكه مُلككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فأصنعوا ما بدا لكم.
لقد أوردتُ هذه القصة نظراً لشمولها على مجموعة من آداب الحديث من قِبل الطرفين، فلقد رضي الرسول الكريم بالإنصات الى عتبة، على الرغم من تأكده أنه على الحق، وهم على الباطل، وبقي ينصت له دون مقاطعة أو إعتراض حتى إنتهى، وتأكد من ذلك، ثم طلب منه الإستماع له بأدب.
ورضي عتبة بالإستماع كذلك للرسول الكريم، وبقي جالساً منصتاً حتى إنتهى الرسول الكريم، ولم يقاطعه أثناء حديثه، على الرغم من أنه قرأ القرآن الذي ترفضه قريش، وبدا التأثر واضحاً عليه كما قال أصحابه، نتيجة لإنصاته للرسول الكريم، وتركيزه في حديثه.

خلاصة القانون:

إذا أردت النجاح والتوفيق في جميع لقاءاتك اليومية مع من هم حولك، وجب عليك التحلي بمجموعة من الصفات الحوارية الإيجابية، تلفت أنظار الآخرين وتجلب إهتمامهم، ولا تجعلهم يملون من اللقاء معك ويتعجلون إنهاءه.
الإنصات هو الإستماع مع التركيز في الكلام، فربما يستمع الإنسان لحوار طويل، ولا يعقِل منه شيئاً، لأنه يفتقد الى التركيز في الكلام، وهذه الخاصية بالذات يفتقدها الكثيرون أثناء حوارهم مع الآخرين، ويعتقدون بأنهم يجلبون إهتمام الآخرين من خلال إطالة الكلام قدر الإمكان، ويلجؤون الى فتح مواضيع غير مهمة لتغطية اللقاء، مما يتسبب لك بالملل، ومحاولة إنهاء اللقاء في أسرع وقت.
يسهل الإنصات حياتك بشكل كبير في بيتك مع زوجتك وأولادك، كما أن له دور كبير في نجاحك في العمل، وفهمهم بطريقة صحيحة.
“شكراً” و”لو سمحت” و”أنا آسف”، كلمات من العلامات الإيجابية المميزة، التي من الممكن أن تكون مفتاحاً لقلب جليسك أو محاورك.
الصوت هو وسيلة التواصل الأهم، وتبلغ أهمبته في نسبة تصل الى 38% من أساليب التواصل مع الآخرين، في حين تأخذ الكلمات 7% فقط، خصوصاً إذا كنت تتحدث عبر الهاتف، فلا يرى مُحدثك تعابير وجهك كالإبتسام والعبوس والتصديق أو التكذيب، وبالتالي لا بد أن تحاول ما أمكن التعبير عن مكنونات صدرك وأهدافك من الحديث بكل وضوح، عبر نبرة صوت توصل ما أردته.
التواصل عبر لغة الجسد أو التواصل الجسدي؛ وهو التواصل مع الآخرين عن طريق استخدام حركات الجسد المختلفة، وما تعنيه هذه الحركات الجسدية، مثل الإشارة بالإصبع أو اليد إلى شيء معين، أو الإبتسام وتقطيب الجبين، وبهذا يكون قد تم التواصل مع الطرف الأخر بدون التلفظ بكلمات واحدة. وإذا كانت أهمية الصوت ودوره في التواصل تصل الى 38%، فإن هذه الوسيلة تمثل 55 % من مكونات التواصل بين البشر، وبهذا فإن التواصل الجسدي يمثل أكثر من نصف نسبة مكونات التواصل بين البشر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى