القانون التاسع: #قانون #إدارة #المال
أنس معابرة
سابقاً في قانون البركة طرحت مثالاً لشخصين لهما تقريباً نفس الظروف المادية والإجتماعية، ولكن ممارسات أحدهم إختلفت عن الآخر، وإنعكس ذلك على جوانب حياتهم المختلفة، وفي هذا القانون سنناقش الجانب المادي فقط.
قد تجد أخوين إثنين لهما نفس الوضع الاقتصادي تقريباً بأن لهم الدخل المادي نفسه، أو أن والدهم قد ترك لهم بعض الأملاك والأموال، وبعد عدة سنوات تجد أن أحدهم قد أحسن تدبير تلك التركة، وتحسن وضعه الاقتصادي بشكل كبير، وترك لأولاده أضعاف ما تركه له والده، بينما الآخر أضاع ما تركه له والده، وعاش في عسر إقتصادي ولم يترك لورثته إلا الدَين، فما هو الفارق بينهم؟ وبماذا أحسن الأول، بينما أساء الثاني؟
إدارة الموارد المالية من اهم أسباب النجاح وتحقيق السعادة في الحياة، بل إن الفشل في تلك الجزئية المهمة قد يتسبب في إنهيار حياة الشخص وخسارته لأهله وأسرته، وقد يتسبب أيضاً في ضياع مستقبلهم. ولأهمية هذا الموضوع نذكر هنا عدداً من الطرق والآليات التي وجب عليك إتباعها لإدارة أموالك بشكل ممتاز وتحقيق السعادة المرجوة في هذه الحياة.
- سجل وارداتك ومصروفاتك
بالنسبة لي؛ فأنا أصنف هذه الطريقة بأنها من أفضل وأنجح الطرق في إدارة المال، وذلك لأنها تحتوي على كم كبير من التفاصيل في الواردات والمصروفات، وبالتالي يمكنك الإطلاع على جميع تفاصيل الإنفاق، كما يمكنك مراجعتها بشكل دوري.
تتلخص هذه الطريقة بأن تقوم بإنشاء صفحة عبر برنامج إكسل في حاسوبك أو حتى هاتفك المحمول، أو ورقة عادية إذا كنت ممن يتجنبون التكنولوجيا الحديثة ولا يميلون الى إستخدامها، وأن تحدد جانباً من جوانبها للواردات كالراتب مثلاً، والجانب الآخر للمصروفات، ويمكنك أن تبدأ بالتسجيل من بداية الشهر، أو من وقت إستلامك لراتبك.
يجب أن تتأكد من أنك تقوم بتسجيل كل مبلغ تقوم بإنفاقه مهما كان بسيطاً، مثل أن تدفع دينارين لقص الشعر، أو نصف دينار لشراء الخبز، أو عشرة دنانير لوقود السيارة. في نهاية الشهر تقوم بمراجعة قائمة المصروفات، وأن تقوم بوضع الألوان المناسبة لكل خلية منها، فالمصروفات الضرورية والتي لا غنى عنها، ولا يمكن تجنبها، وكانت في مكانها المناسب، تحمل اللون الأخضر، أما المصروفات التي كانت في غير محلها، أو تمت بسبب التسرع في الإنفاق أو التبذير، أو يمكن التخلي عنها في الشهر القادم، فتأخذ اللون الأحمر.
الخطوة الثالثة تتمثل بأن تقوم في الشهر التالي بالمحافظة على النفقات التي حملت اللون الأخضر، وأن تتجنب تلك النفقات التي تحمل اللون الأحمر، بعد عدة أشهر؛ وربما سنة، ستجد أنك تخلصت من جميع أشكال الإنفاق غير الضروري، وتجنبت جميع النفقات التي يمكن تجاوزها، وكلما كنت دقيقاً وجاداً في هذا الموضوع، كلما كانت النتيجة التي ستحصل عليها أفضل وأسرع.
- رتب أولوياتك
ترتيب الأولويات هي عملية غاية في الأهمية، مهما كان المجال الذي نتحدث عنه، لأنني أعتقد بشكل كبير أن أغلبية المشكلات التي تواجهنا اليوم، سببها عدم ترتيب الأولويات، أو تجاوز المهم الى أمر أقل أهمية.
لنفترض أنك إستلمت راتبك في نهاية الشهر، كيف تتصرف وأنت تملك هذا المبلغ؟ هل من السهل عليك أن تنفقه على رحلة إستجمام في أحد الفنادق؟ أو أن تشتري شاشة مسطحة من الحجم الكبير؟ أم أنك تعتمد نظام الأولويات؟
إن أول ما تقوم به عند إستلامك لراتبك هو أن تسدد ما عليك من التزامات وديون، كإيجار المنزل ورسوم مدارس الأطفال، فواتير الماء والكهرباء والغاز والإنترنت والنادي الصحي، وتسديد البطاقات الإئتمانية إن وُجِدت، وغيرها. إن الخطر الأكبر الذي يهدد الاستقرار المالي للأسرة يكمُن في تراكم تلك الفواتير، ثم العجز عن سدادها، وقد يتسبب ذلك بإنقطاع الخدمات، كأن يطردك صاحب المنزل، أو أن تجد أطفالك من دون مدارس، أو أن تنقطع خدمة الماء والكهرباء عن المنزل.
التطبيقات الإلكترونية، وتحويل الأموال عبر الإنترنت من الأساليب الحديثة المُتَّبعة لضمان التسديد السريع للإلتزامات، فبمجرد حصولك على راتبك؛ يجب أن تقوم مباشرة بتسديد تلك الفواتير والإلتزامات، ودون الإنتظار لحين زيارة مكاتب التحصيل لمكاتب الخدمات، فربما قد تستجد عليك طروف تدفعك الى تأجيل تلك المستحقات وتراكمها.
قد يكون من الغباء وسوء الإدارة أن تتصرف بعكس ما تم ذكره، كأن تقوم بتخصيص مبلغ للبِقالة الشهرية، ومبلغ للنزهات والزيارات والمناسبات الاجتماعية، ومبلغ للرفاهية والسهرات، ثم تعجز عن سداد تكاليف الإحتياجات الأساسية.
- إدخر جزءً من دخلك
مهما كان الدخل الذي تحصل عليه، يجب عليك أن تعمل على توفير جزء منه، ولو كان بسيطاً، كأن تقوم بإدخار 5% أو 10% منه مثلاً، وستلاحظ بعد عدة سنوات أن لديك مبلغاً لا بأس به، ومن الممكن إستخدامه في إحدى عمليات الإستثمار، أو تطوير الوضع الاقتصادي للأسرة وتحسينه.
موضوع الإدخار هو موضوع صعب، خصوصاً في البداية، ولكن ما أن تشرع فيه، ويبدأ المبلغ بالنمو حتى تكتسب شجاعة أكبر على الإدخار، وإذا إستثمرت هذا المبلغ إقتصادياً، وأحسست بالدخل الإضافي بسببه، سيكون ذلك حافزاً أكبر لك للإستمرار في عملية الإدخار.
ومن المهم أيضاً أن تقوم بتعليم تلك العملية لأطفالك، فهم يحصلون على نفقاتهم يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً، وإدخار جزء من تلك المصروفات قد يوفر لهم مبلغاً من المال، من الممكن إستخدامه في تحقيق رغبات شخصية لهم، كشراء هاتف جديد، أو لعبة مميزة، أو الخروج في نزهة مع أصدقاءهم، ولكن الهدف الأسمى من ذلك هو تنمية ثقافة الإدخار لديهم، وتدريبهم عليها، ليتسنى لهم ممارستها عند إستقلالهم في حياتهم الإقتصادية.
- إحذر من البطاقات الإئتمانية
تهدف البنوك بشكل عام الى تحقيق الربح، مهما كانت الطريقة التي يتبعونها لذلك، وتُعتبر البطاقات الإئتمانية من إحدى الطرق التي تعتمدها البنوك لإغراقك بالديون، وفرض الأرباح التراكمية عليك.
البطاقات الإئتمانية جيدة ومفيدة إذا أحسنت إستخدامها، فقد تتعرض في بعض الأحيان الى ضائقة مالية، أو أزمات إقتصادية، أو مستجدات تتطلب مبلغاً من المال، يمكنك الإعتماد عليها لتغطية تلك النفقات العاجلة، ولكن الأهم من هذا كله، أن تقوم بتسديد البطاقة في أقرب فرصة، وألا تترك المجال للفوائد التي تفرضها البنوك بأن تتراكم عليك.
أنا شخصياً أعتمد على البطاقة الإئتمانية لتغطية مصاريفي ومشترياتي الشهرية، وكذلك لدفع الفواتير المختلفة، ولكن أول ما أقوم به عند إستلام راتبي في نهاية الشهر، هو أن أقوم بتسديدها بالكامل، ولا أترك للبنك أية فرصة في فرض فوائد وأرباح على المبالغ التي قمت بإنفاقها.
المشكلة التي لا يدركها البعض، هو أن الأرباح التي تفرضها البنوك على البطاقات الإئتمانية هي أرباح مركَّبة، فلو إستخدمتها لإنفاق 100 دينار، ستصبح مع نهاية الشهر 110 دنانير، ومع نهاية الشهر التالي ستصل الى 121 ديناراً، وإذا تخلفت عن السداد لعدة شهور ستجد أن المبلغ قد تضاعف عدة مرات، وستعجز عن سدادها، وربما يجدها البنك فرصة مثالية لرفع قضية عليك والحجز على ممتلكاتك.
- إتبع سياسات شراء ذكية
مما لا شك فيه أنك ستقوم بعمليات الشراء يومياً، مهما كانت البضائع المشتراة، كالخضروات والفواكه والإحتياجات المنزلية، وربما فصلية كالملابس، أو كل عدة سنوات كالأثاث والسيارة وغيرها.
مهما كانت تلك المشتريات، عليك إتباع سياسات شراء ذكية، كأن تقوم بمقارنة الأسعار في نقاط مختلفة للبيع، وإعتماد السعر الأفضل في ظل تساوي الجودة.
كذلك وجب عليك الإستفادة من مواسم العروض والتخفيضات، والإنتظار في عمليات الشراء خاصة الكبيرة منها، لحين قيام تلك المعارض بعمل العروض والخصومات لعمليات الشراء، مثل الأثاث أو السيارات، أو عروض نهاية الموسم للملابس والأحذية، ويجب عليك التأكد أيضاً بأن تلك العروض حقيقية وليست وهمية.
قد يكون الشراء بالتقسيط مغرياً في بعض الأحيان، ولكنه قد يكون مغرياً بشكل مبالغ فيه، وأن يدفعك الى شراء ما لا يلزمك، أو ما يزيد عن حاجتك، فمن الممكن شراء هاتف محمول وتقسيط ثمنه لمدة ستة أشهر أو سنة، ولكن إحرص على ألا يكون هذا العرض دافعاً لك لتغيير هاتفك كل فترة قصيرة، ودون الحاجة الى ذلك، مع الإنتباه الى نسبة الفوائد المفروضة على عمليات الشراء تلك، لأن الشركات التي تقوم بذلك تفرض عليك أرباحاً وفوائد، وبالتالي قد تجد أن ثمن تلك السلعة قد تضاعف نتيجة تقسيط ثمنها.
- إفصل الواردات عن بعضها
إذا كنت تعمل عملاً حراً، أو إن كان لديك عدة مصادر للدخل، فمن المهم جداً أن تقوم بفصل الدخل الوارد عن كل مصدر.
فإذا كنت تعمل مندوباً لمبيعات نوع معين من البضائع بالإضافة الى وظيفتك في إحدى الشركات، فمن المهم أن تفصل الأموال عن بعضها البعض، فتستخدم الأولى للنفقات الشخصية والأسرية وتسديد الفواتير، أما المصدر الثاني فيجب إستخدامه لتطوير العمل في البداية، وفتح مجالات بيع جديدة، ثم عليك البدء في إستثمار ذلك المال بإحدى طرق الإستثمار النافعة.
ولكن لماذا نقوم بعملية الفصل تلك، والأموال كلها تعود لنفس الشخص في النهاية؟ السبب في ذلك هو أن تدرك أيٌّ من تلك النشاطات الاقتصادية التي تقوم بها يحقق الربح وأيها يخسر، وما هو مقدار الربح لكل مشروع منها.
من الطرق الجيدة في هذه الخطوة، أن تقوم بفتح حساب مستقل لكل نوع من أنواع الدخل، أو لكل نشاط إقتصادي تقوم به، كل حساب يغطي نفقاته لوحده، وتدخر الباقي منه، ومن السهل عليك في حالة الفصل أن تلاحظ أيٌّ من تلك النشاطات يربح، وأيها يخسر ولا يحقق الربح المطلوب، ففي حال الخسارة؛ يجب عليك أغلاق النشاط فوراً، وأبحث عن نشاط جديد.
- إبتعد عن الربا والمال الحرام، وإحرص على الصدقات
يقول الله عز وجل في محكم كتابه: “يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ”، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إنّ الله عز وجل يقبلُ الصّدقة ويأخذها بيمينه فيربِّيها لأحدكم كما يربِّي أحدُكم مُهْرَه، حتى إن اللقمة لتصير مثل أُحُد”.
فإذا كنت تبحث عن الرزق الواسع، والبركة في الرزق، وجب عليك الإبتعاد عن الربا والمال الحرام بجميع أشكاله، وكن على علم تام بأن المال الذي تحققه من مصار محرمة كالربا، أو من مصادر غير شرعية كالسرقة أو التعدي على أموال الآخرين هو مال زائل، ولن تجد منه الفائدة التي تطمح اليها.
كما يجب عليك أن تحافظ على إخراج زكاة اموالك في موعدها، دون تأخير أو تقصير، وكذلك في تخصيص مبلغ بسيط من دخلك ليكون على شكل صدقات، فحتى لو كان 1 او 2% من دخلك، إلا أنك ستجد البركة فيما بقي لك من مال، وستجد الصحة والعافية لك ولأسرتك، والنجاح والسعادة في حياتك.
- الجدية في الإستثمار
بعد أن تقوم بجميع الخطوات السابقة، كأن تدفع الإلتزامات، وتُخرج الزكاة والصدقات، وتتجنب الربا والمال الحرام، وتدخر جزء من راتبك، ستكون جاهزاً للبدء في عملية الإستثمار.
الإستثمار هو طريقة تضمن لك عدم إنفاق كل المال الذي لديك على شيء سطحي غير مهم، والإحتفاظ به من خلال تشغيله ليعود عليك بأرباح.
أيُّ شخص يمكنه الاستثمار، بدءً من الشخص الذي يتمتع بسمات التحفظ على المال ولا يحب المخاطرة به، وانتهاءً بالشخص الشجاع الذي يعشق المخاطرة ولا يبالي بتعرضه لبعض الخسائر مقابل حصوله على أرباح أعلى.
يجب عليك أن تدرس الأنواع المختلفة من الإستثمارات، وأن تختار النوع الذي يُعد أكثر ملاءمةً لصفاتك وقناعاتك، ولا بد من التحدّث مع الخبراء الذين يعرفون جيداً مجالات الإستثمارات، وتثق بهم للاستفادة من رأيهم.
قد يجد البعض أن شراء الذهب وتخزينه هو أفضل أشكال الإستثمار، وبعضهم قد يلجأ الى شراء الأراضي والعقارات، والإنتظار لحين ارتفاع أسعارها أو تأجيرها والإستفادة من ريعها، ولكن هذه المجالات تحتاج الى مدة طويلة لتحقيق الأرباح، وقد تصل الى عشرات السنوات، بالإضافة الى خسارة جزء من المال نتيجة تقادم العقار وحاجته الى الصيانة الدورية.
البعض الآخر قد يستثمر في مجال الطعام كونه الأكثر إقبالاً وربحاً، كأن يفتتح مطعماً أو مخبزاً أو مقهى، ويقبل خوض غمار التحدي في إستقطاب كادر مؤهل لإدارة مشروعه، وإختيار المكان الأمثل لذلك المشروع.
المجال الثالث من مجالات الإستثمار هو مجال الخدمات، كأن تفتتح مكتباً لصيانة المباني، أو لخدمات السفر والسياحة، أو مركزاً للعناية بالبشرة والشعر وغيرها.
وما أن تختار المجال الذي ستستثمر فيه أموالك، يجب عليك متابعة ذلك المشروع متابعة حثيثة، ومراقبة المصروفات والواردات، وأن تحاول من تطوير مشروعك لتجنب أية خسائر، ولتحقيق المزيد من الأرباح.
خلاصة القانون:
إدارة المال من المهارات التي يجب على الجميع التمتع بها، وتنميتها وتطويرها، للوصول الى السعادة المرجوة في هذه الحياة.
تسجيلك لجميع الواردات والمصروفات ومراجعتها دورياً، بالإضافة الى ترتيب أولوياتك المالية؛ من المهارات الأساسية، والخطوات الثابتة التي تسير بها نحو سياسة مالية مستقرة.
الإدخار هو سلاح مهم لمواجهة تقلبات الحياة وظروفها المختلفة، فإحرص على إدخار جزء من دخلك مهما كان بسيطاً.
حافظ على عادات شراء ذكية، كمقارنة الأسعار لدى عدة نقاط للبيع، وإنتظر مواسم العروض والتخفيضات، كما يمكنك الإستفادة من العروض في نهاية المواسم لتوفير النفقات ما أمكن.
تحرَّى الحلال في مصادر الدخل والنفقات، إبتعد عن الربا والمال الحرام أو المشبوه، وحافظ على الزكاة في موعدها، وخصص للصدقات نسبة ولو ضئيلة من دخلك، لضمان البركة في الرزق.
حاذر من البطاقات الإئتمانية، إستعملها ولكن بحذر شديد، وكن حريصاً على تسديدها في نهاية الشهر، لكيلا تسمح للبنوك بفرض الأرباح المركَّبة على المبالغ التي قمت بإنفاقها.
إستثمر أموالك التي قمت بإدخارها في إحدى مجالات الإستثمار المتنوعة، بعد أن تدرس حاجة السوق في منطقتك، ومشاورة أهل الخبرة والدراية الاقتصادية، قم بإستقطاب الكادر المؤهل لإدارة مشروعك وتشغيله، وكن حريصاً على إختيار الموقع الأمثل له.